أخبار

«أبو يعرب» في شعبة التجنيد والرشوة: الأسلحة!

 

 

في القضايا الشائكة صعبة التنفيذ في الأفرع الأمنية بدمشق لا يكفي المال، بل يتم طلب كميات كبيرة من السلاح، يستوجب على صاحب الطلب جمعها وشراءها بشتى الوسائل، ومنها ما حصل مع جاسم القاضي الذي تم إلقاءُ القبض عليه بتهمة قيادة سيّارة مسروقة، واعتقاله لمدة تجاوزت شهراً ونصف الشهر لحين شراء 70 بندقية، و3 رشاشات bkc، و2 قاذف rbg ليتم إطلاق سراحه.

«الخضراء سافرت بالباص الأخضر إلى إدلب، نريد من البنفسجية حصراً، وإلا بقيتم هنا. ضعها هنا على الطاولة حتى يرى الجميع ما تفعل، وليعلموا ما أقول لك، لا نريد أن يبقى هذا الأمر سرّياً ولا نخشى أحداً». هكذا قال الموظف أبو ابراهيم بينما هو جالسٌ وراء طاولته الخشبية القديمة التي تعج بالتواقيع، والتي وضع خلفها لافتةٌ كتبت بشكلٍ منمق على الكمبيوتر: الرشوة ممنوعة تحت طائلةِ المحاسبة، وإذا تعرضت لطلب النقود من أحد الموظفين يمكنك مراجعة قسم الشكاوى فوراً.

حاول علاء التخفي أثناء دفع الرشوة المتعارفِ عليها ليتم التوقيع على دفترِه الخاص بخدمةِ العلم، والذي يريد من خلاله تأجيلَ التحاقِه بناءً على مرسوم يخوله ذلك لمدة ستة أشهر قادمة بسبب دراسته الجامعيّة، حيث دسّ يده أسفل الطاولة بعدما كان قد وضعها بين أوراق دفتره في المحاولة الأولى التي فشل في تسيير أموره من خلالها، وإذ بصوت الموظف المعروف للجميع بأبو ابراهيم يعلو معلناً للجميع أن الألف ليرة لم تعد صالحة لتسيير أمورهم، وأنه يريد الورقة النقدية من فئة ألفي ليرة سورية، مُنكِراً التخفّي في دفعها، وتعتبر هذه التصرفات بمثابة إهانة له.

يقول طالب التأجيل شادي الذي حفظ عن ظهر قلب كل زواريب التأجيل وشبابيكه”: «لقد استشرى هذا الأمر إلى حين وصلت الأخبار إلى فرع الأمن العسكري 220 برئاسة العميد طلال العلي الملقب بأبو يعرب، الأمر الذي جعله يستشيط غضباً لهذا الفساد الحاصل، والذي امتدّ لمنح الكثير من الشبان تأجيلاً مقابل النقود، ومنح أذونات سفر مقابل مبالغ تصل إلى 500 ألف ليرة سورية. فدخل ببزته العسكرية برفقة المساعد خيرت الورعة، ووقف أمام رئيسِ شعبةِ التجنيد “ناجية” التي ترتجف خوفاً، وتمازحه من أجل الهدوء، ومن حولها اثنان من عرّابي المصالحات؛ يهدئون من روعه، ويقومون (بلفلفة الموضوع). وبالفعل تم ذلك عندما سمعت الضحكاتِ تعلو من المكتب، وفناجين القهوة تُدخِلها لهم غدير الموظفةُ الأكثر جمالاً في الشعبة».

لقد ظن الجميع للوهلة الأولى؛ أن هذا العميد رجلٌ يسعى لوأد الفساد، وتسيير أمور الناس، حتى تحدّث أحدُ عناصر الفرع الذي يترأسه “أبو يعرب” قائلاً: «إن ميزانية ضباط الفرع لا تقل عن أربعة ملايين ليرة سورية يومياً، يتقاسمونها بينهم. أغلبَ هذه الأموال يسرقونها من المراجعين الذين يتم إخطارُهم بمذكرات تفيد بوجوب الامتثال لأحد مكاتبِ الفرع الذي يضم أمن المعلومات، والأمن العسكري والإرهاب. وعندما ينتهي التحقيق؛ وتكثر التهم الموجهة بحق المُراجع يعرض عليه إجراء تسوية لوضعه مقابل تسليم عدد من البنادق (من ثلاثة حتى عشرة) فيُضطر المراجع للقول بأنه لا يمتلك السلاح، ويعرض مقابل ذلك ثمن هذه البنادق ويتم دفعها قبل خروجه، أو يتعهد به رجل المصالحات في المنطقة التي ينتمي إليها الموقوف».

ويؤكد العنصر أنه صدر ما بين الشهرين الرابع والسادس من عام 2019، أكثر من 190 إبلاغ لعناصر سابقين في الجيش الحر؛ أتموا عملية التسوية في مناطق متعددة بريف دمشق، مثل: الكسوة، جديدة عرطوز، قطنا، كناكر، بيت جن، دير ماكر، تفيد بوجوب مراجعة الفرع. وكذلك أكثر من 40 إبلاغ لمدنيين بتهم يتم إنهاؤها باعتذار، وإعلامهم بأن ذلك بسبب تشابه الأسماء، فيقوم المدنيون بدفع (حلوان) ما بين 100 ألف و250 ألف ليرة سورية ويخرج الى بيته.

وفي اتصال مع محمود الجناني أحد أقرباء القيادي السابق في الجيش الحر ببلدة بيت جن الحدودية مع لبنان والجولان السوري المحتل، الملقب بمورو الذي قام بتسوية مع الروس، قال: «لقد تم استدعاء مورو منذ عدة أيام إلى فرع سعسع من أجل التحقيق معه حول زيارةٍ لأحد أصدقائه في بلدة كناكر بريف دمشق، وتم اتهامه بأنه بتهريب السلاح والتنسيق وإبرام الاتفاقيات من أجل القيام بتشكيلات سرية. إلا أن مورو رفض ذلك جملةً وتفصيلاً، وشدّد بقوله أنه زار صديقاً قديماً، ولن يكرر جرمه هذا. وسأل رئيس قسم التحقيق الرائد باسل عن التشديد الأمني والحراسة المكثفة على كناكر، فرد المحقق أن المجموعات المسلحة في هذه المنطقة هي مجموعات منظّمة، وليست كباقي المناطق (هوشة عرب)، وكما جرت العادة دفع مورو حلوان براءته، وخرج سالماً بعد أن أخذ القرار القطعي بألا يعاود تلك الزيارة بتاتاً».

بينما اكتشف سمير عبداللات الذي فقد ولده منذ عام ونصف العام أن الأخير معتقل في فرع صيدنايا العسكري، فقام بإجراء عدد من الزيارات لضباط رفيعي المستوى في النظام من أجل إطلاق سراح ولده، ولكن الأمر كان أصعب مما تصور، فقابل الملقب أبو حمزة الروسي؛ المتطوع في شعبة المخابرات العامة، وسوري الجنسية، ويحمل بطاقةَ استخباراتٍ روسية خوّلته التواصل مع كبار ضباط النظام السوري والجنرالات الروس. يقول عبداللات نقلاً عن مصدر خاص لموقع أنا إنسان: «بعد إجراء مفاوضات مكثفة مع أبو حمزة، طلب مني تسليمَه مئتي بندقية كلاشنكوف بعد دفع مبلغ قدره ثلاثون مليون ليرة سورية مقابل زيارة عاجلة لولدي في سجنه، وتحويله سريعاً إلى سجن قطنا العسكري، ومن ثم تحويله إلى القضاء، لتتم محاكمته وإطلاق سراحه بعدها».

ويضيف: «لستُ نادماً على الخسائر التي تلقّيتها؛ حيث اضطررت لبيع أرضي من أجل شراء السلاح المطلوب، ودفع المبلغ لأبي حمزة مقابل أن أرى ولدي، إلا أنني لم أستطع إخراجه حتى اليوم، حيث حصلت على زيارة له في السجن بعد دفع مليون ليرة أخرى بمثابة حلوان، ومن ثم تم تحويله إلى سجن حماة المركزي، ليتم عرضه على القضاء لاحقاً».

هذه القضايا هي غيضٌ من فيضِ، وما يحصل بشكلٍ يومي من ابتزاز للسوريين بمختلف توجهاتهم، لا سيّما بعد إحكام القبضة الأمنية مجدداً على العاصمة دمشق وما حولها، وهذه الأحداث يعيشها السوريون بشكلٍ يومي حتى بات أحدهم يخشى على نفسه من الذهاب إلى عمله للحصول على لقمة عيشه، لأنه سيكون معرضاً بشكلٍ أو بآخر لمثل هذه الابتزازات والتشليح.

 

 

أمير القاسم

 

*الأسماء المنشورة للمتحدثين في هذه المادة هي أسماء مستعارة حرصا على سلامتهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *