أخبار

أحبَّها فأهداها قلم

قصص كثيرة حدثت وتحدث كل يوم مع السوريين الذين شتتهم الحرب في بقاع الأرض، وأصبحت المواقع الافتراضية هي الطريق الوحيد للتواصل فيما بينهم، بلّ إنّ الأمر تعدى ذلك، ليصبح العالم الافتراضي مكاناً للبحث عن المفقودين والضائعين وحتى المعتقلين والمطلوبين.

ومن تلك القصص التي حدثت كنت قصة “سارة”، فعبر صفحات موقع “فيس بوك” بدأت سارة تبحث عن زوجها الذي اعتقلته قوات النظام وقتلت من معه، حسب الروايات التي نقلها إليها شهود عيان، حيث يحملها الحنين والشوق إليه، ويدفعها الفقد للتحري والبحث عنه، وتواصل عملها اليومي بدون كللٍ أو مللٍ في مراجعة كافة صفحات الموقع الذي يبحث فيه الأهالي عن المعتقلين، وكلّها ثقة أن تجد أملاً يوصلها لوالد اليتامى الأربعة الذين تحتضنهم، لتنام في كل ليلة على فراش يطلع الصباح عليه وقد بللته الدموع.

سارة، وفي رحلة بحثها وجدت خيطاً من أمل، لم يوصلها لزوجها أبداً، لكنّها وجدت أملاً يعينها على حياتها، وتجسد هذا الأمل بكلمات شابٍ تعرفت عليه، وقد لمحت في صورته الشخصية أماناً أو دفئاً لطالما فقدته وبحثت عنه، فبدأت مراسلته ثم ما لبثت أنّ تحولت العلاقة من مراجعة تبحث عن زوجها، إلى علاقة حُب صادق، في زمن قلّ فيه الصدق، وضعفت فيه النفوس.

حين بدأت سارة رحلة نزوحها مع باقي أهل منطقتها لم تجد سنداً لها سوى هذا الشاب، فكانت تحكي له كل ما يصادفها من مشاكل يومية، ويسمعها ويفهما ويعطيها النصائح للتخلص من المشكلة أو تلافيها وعدم الوقوع فيها مرة أخرى

كان الشاب فقيراً لا يملك ما يدفعه لها كي تسد جوعها وجوع اليتامى، ورغم ذلك حاول أن يرسل إليها مالاً مما ادّخره لساعات الضيق في غربته القسرية أيضاً، لكنها رفضت بشكل قاطع مبررة ذلك بأن العلاقة حين يدخل فيها المال فإنها تتحول من حب إلى شفقة.

إلا أنّ الشاب كان ماهراً في كتاباته فقرر أن يراسل إحدى مواقع الثورة السورية ليبيعهم نتاج قلمه، لكنّه لم يستخدم اسمه بل استخدم اسم حبيبته، وعند كتابة كل مقال يطلبون منه الاسم من أجل تحويل العائد المادي، فيعطيهم اسمها وعنوانها، ويتم التحويل إليها، وأبلغها حينها أنه تحدّث لها مع جمعية ترعى الأيتام وتعهّدت أن ترسل لها خلال الشهر مبلغاً من المال، حتى قبلت ذلك.

كان يكتب قصص معاناة ترويها له خلال سهراتهم الطويلة، عن “فلانة التي فقدت عقلها بعد فقد أهلها، وعن فلانة التي باعت شرفها كي تعيل أسرتها، وعن تلك التي لاتزال تراجع دوائر مخابرات النظام كي تطرد كل مرة دون أن يعطوها تصريحاً بزيارة ابنها في معتقلات النظام”.

صاحب الموقع، كان إنساناً، وهذه الصفة قلّت في البشر هذه الأيام، واكتشف الأمر ولكنه رغم ذلك استمر باستقبال ما يكتبه قلم هذا الشاب، واستمر بتحويل أجور القلم إليها، وأصبح يوماً بعد يوم يزيد قيمة المقالة التي يخطّها قلم الحبيب، الذي لم يجد ما يقدمه لحبيبته سوى (القلم).

روان مكتبي

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *