أخبار

أطفال سوريا.. جيل الحرب واضطراب ما بعد الصدمة

الحروب يصنعها دائمًا الكبار ويكون الصغار أكبر الخاسرين فيها، فهم وإن قد يبدون قدرة على التكيف والتأقلم، إلا أنهم يصابون بأضرار جسيمة، ما بين عاهات دائمة وأزمات نفسية وصدمات.

 

أخطر آثار الحرب هو الأثر النفسي الذي سيظهر لاحقًا في جيل كامل عايش الرعب والقلق، منهم من مات أحد أفراد عائلته أمامه، ومنهم من شهد مشاهد دامية شبه يومية، ليكبر وهو يعاني من مشاكل نفسية تتراوح خطورتها بحجم الصدمة التي تعرّض لها الطفل، وبقدر استيعاب المجتمع ووعي الأهل لمساعدة أطفالهم.

 

 

 

من بين تلك المشكلات هي توتر ما بعد الصدمة، أو ما يسمى طبيًا (Post Traumatic Stress Disorder” (PTSD”، وهي حالة تنتج عن صدمة جراء خطر حقيقي، وتظهر على شكل اضطرابات سلوكية كالتوتر والخوف والقلق الشديد، الحزن والاكتئاب والميل إلى العزلة، وقضم الأظافر والتبول اللاإرادي في الفراش، فيشعر الطفل بأنه فقد الأمان وبات مهددًا دائمًا، بعد أن عجز الوالدان اللذان هما مصدر قوة الطفل وأمانه عن توفير ذلك له.

 

العنف والعدوانية كذلك من أهم الآثار التي تظهر على الأطفال، لأن من يشهد العنف ويعايشه قد يصبح عنيفًا في تعامله مع الآخرين، وقد يتطور هذا السلوك لدى المراهقين الذين يعيشون أصلًا ثورة في أنفسهم لإثبات ذواتهم؛ إلى سلوك انحرافي، وهنا قد تزودهم الحرب بصورة مشوهة عن الحقوق والحرية المنشودة، فيلجأ بعضهم إلى حمل السلاح والتباهي به بوصفه رمزًا للأمان، في حين يعيش آخرون صراعًا بين الخير والشر، والتمييز بين ما هو مقبول وماهو مخالف للقانون.

 

كما وتخلق الحروب لدى الأطفال لا سيما الصغار منهم أزمة هوية حادة، يصعب على أحدهم معرفة لمن ينتمي ولماذا يتعرض لهذه الأحداث التي تفوق قدرته على الاستيعاب، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة مستقبلًا للانطواء والعصبية والتأخر الدراسي.

 

 

 

“أنا عايشة.. أنا عايشة”، صوت طفلة سورية لم نعرف اسمها، لكن صراخها الهستيري يختزل هول ما شهدت خلال مجزرة ضرب الغوطة بالكيماوي صيف عام 2013، كذلك صورة الطفل عمران التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي بعد غارات روسية على حي القاطرجي في حلب عام 2016، والتي ظهر فيها ابن الخمس سنوات وهو داخل سيارة الإسعاف، مذهول النظرات ووجهه مغطى بالرماد، كمن رأى الموت بأم عينيه.

 

 

 

 

تغيب النسب والإحصائيات الدقيقة للأطفال الذين يعانون من “اضطراب بعد الصدمة” في سوريا، لا سيما أن كثيرًا من الأهالي لا يدركون أن بعض سلوكيات أطفالهم ناجمة عن حالات نفسية، لكن دراسات عدة خلصت إلى أن معظم الأطفال والمراهقين السوريين يعانون من اضطرابات نفسية بسبب الحرب.

 

منظمة “Save The Children”، في تقريرها الصادر مطلع عام 2017، قالت إن “جيلًا كاملًا من الأطفال في سوريا يعاني من خطر التعرض لمشاكل في الصحة النفسية مدى الحياة”، وذلك بعد دراسة حالة نحو 450 طفلًا ومراهقًا، وآباء وعاملين في المجال الاجتماعي في سبع محافظات سورية. وبحسب التقرير، كان “نصف الأطفال الذين شملهم البحث يعانون من شعور ثابت ومستمر بالأسى والحزن الشديد، و78% من الأطفال يعانون من تلك المشكلات بين فترة وأخرى”.

 

بدورها رجحت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها بتاريخ 11 يونيو/ حزيران 2019؛ أن يعاني غالبية الأشخاص المعرّضين لحالات طوارئ، إن لم يكن كلهم، من ضائقة نفسية، ومعظمهم يمكن أن تتحسّن حالتهم بمرور الوقت.

وقالت إن من بين الذين شهدوا حروبًا أو صراعات أخرى في خلال العشر سنوات الماضية، يرجّح أن يصاب واحد من كل 11 (9%) باضطرابات نفسية معتدلة أو شديدة، وبأن شخصًا واحدًا من كل خمسة (22%) ممن يعيشون في منطقة تشهد صراعات يصاب بالاكتئاب، أو القلق، أو اضطراب ما بعد الصدمة، أو الاضطراب الثنائي القطب، أو الفصام.

 

وأوصت في نهاية تقريرها بضرورة بتوفير الرعاية الصحية النفسية والدعم الاجتماعي وغيرها من الاحتياجات الأخرى للأشخاص المصابين باضطرابات نفسية.

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *