أخبار

أطفال فقدوا الوالدين معاً في الحرب السورية.. تعرّف على قصصهم المليئة بالألم والتحدي  

بعد أن توفي والده بسبب القصف وتزوجت أمه من رجل آخر، لا يملك “عدنان” الذي يبلغ من العمر اثنا عشر عاما من مدينة إدلب  إلا أن يطيع جدته، ويرافق أخيه الأصغر إلى أبواب الجوامع والدكاكين في مدينة إدلب المليئة بمختلف الأجناس من السكان، فجدته هي من تبقى من عائلته لترعاه مع إخوته الأصغر سنا.

عدنان وأخوته نموذج لكثير من الأطفال الأيتام ممن فقدوا الأب والأم معاً بسبب الأحداث الدائرة في سوريا، والمسؤولية الحقيقية  مُلقاة على عاتقهم بالاهتمام في شؤونهم الشخصية بدون سند أو حتى كفيل، مما أدى للجوئهم إلى التسول.

“عدنان” يخبرنا بأنه قد ترك دراسته منذ أن كان في الصف الثاني، وخرج للتسول مع أحد إخوته لأنهم لا يملكون المال وجدتهم لا تستطيع العمل كي تغطي مصروفهم، أما أخواله فهم يعيشون في دمشق ضمن مناطق السلطة السورية بعيدا عنهم.

تبرر الجدة “أم محمد” تسوّل أحفادها قائلة: “لا أملك المال كي أطعمهم أو أغطي مصروفهم بشكل كامل فليس لوالدهم أرزاق ممكن أن نستثمرها سوى هذه الدار التي نسكنها”.

أما الأخت الكبرى لعدنان تقول: “تزوجت في سن13 عاما نزولا عند رغبة جدتي، وأملا أن يصبح لدي سند في هذه الحياة بعد أن فقدت والدَيّ”.

في منطقة أخرى من ريف إدلب وفي مخيم قاح تحديدا على الحدود التركية، تقطن آلاء (17 عام) مع أشقائها الذكور والإناث، وهي من تقوم بدور “الأم” وذلك في القيام بأعمال المنزل ورعاية أخوتها، ويساعدها بذلك شقيقها الأكبر “سمير” الذي يقول مفتخراً بما يقوم به: “أحضر لأختي كل ما يلزمها لإعداد طعام لنا، ولا أحب أن أرى أخوتي يحتاجون لأي شيء وأنا موجود”، ويوضح “سمير” بأنه يعمل في قطاف الزيتون وزراعة الخضروات لدى ملاكي الأراضي بعد أن ترك دراسته أيضا من أجل العمل بهدف توفير مصروف إخوته واحتياجات المنزل، وتفيد شقيقته “آلاء” أيضا بأنها تساعده هي أيضاً بالعمل مع شقيقها الآخر حيث يشكلون فريق كامل ومتعاون.

منى (45 عام) تسكن في خيمة مجاورة لخيمة أيتام (ولاء وأخوتها) لاحظت تعاون الأخوة فيما بينهم وتشفق على وضعهم في ذات الوقت، وبدموع حارة تروي سبب فقدان والديهم: “صاروخ طائرة حربية سقطت على منزلهم في قرية بسقلا جنوب كفرنبل أدى إلى وفاة الأب والأم معا، ومن رحمة الله خرج الأبناء من تحت الأنقاض سالمين، فما كان منهم إلا أن اتخذوا هذه الخيمة سكنا لهم على الحدود التركية”.

الجارة “منى” تحاول ما بوسعها مساعدة “ولاء” بكل ما تطلبه، لكن بالرغم من كل ذلك غالبأ ما تشعر “ولاء” بالوحدة القاتلة والحزن الشديد في كثير من الأحيان بعد وفاة والديها.

الأخصائي النفسي علاء العلي يقول: “إن الأطفال والمراهقين هم الفئة الأكثر تأثراً بغياب الوالدين لأن غياب الوالدين يؤثر سلبا على الأطفال وتربيتهم ويجعلهم عرضة للخطر أو الانحراف لأن وجود الوالدين يشكلان قدوة سليمة للنصح والإرشاد، وأيضاً غياب الوالدين يسبب خطورة على النمو النفسي السليم لشخصية الطفل لأنهما يزودانه بالخبرة والتجارب لمواجهة الحياة وضغوطها خاصة في زمن الحرب”.

لكن يوضح “العلي” أن ذلك التأثير يختلف باختلاف ظروف الأيتام وعدد أفراد أقاربهم وأعمارهم  ووضعهم المادي وباختلاف تعاون أقربائهم.

وفي إحصائية لمنظمة اليونيسيف العالمية تبيّن أن عدد الأطفال السوريين الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما يقدر عددهم بنحو مليون طفل، 70% منهم بدون كفالة.

 

وبالرغم من كثرة عدد أحفاد الحاج أحمد الدبيني من معرة النعمان الذي يبلغ 24 طفل يتيم إلا أنه أبى إلا أن يشرف عليهم بشكل مباشر ويربيهم في “دار” واحدة رغم تردي الوضع المادي، يقول”الحاج أحمد”: “توفي لي أربعة أبناء بسبب الحرب وهم كرم ونزار وأحمد ونضال، وقد تركوا لي أبناءهم، فنحن حاليأ نعيش جميعنا في بيت واحد”. كما سلمى إحدى حفيدات الحاج أحمد تقول: “أتمنى من االله أن يطيل عمر جدي ويحفظه، فلم يبق لنا أحد غيره بعد االله”.

يختلف حال بعض الأيتام من فقد والديه إلى من بقي تحت رعاية والدته فقد، فالطفل “وليد” (10 أعوام) وشقيقته رغد بقيا في كنف والدتهم بعد أن وافقت على الزواج من شقيق زوجها بعد وفاته، وقد حرص “العم” على رعاية أبناء أخيه للحفاظ عليهم من التشرد والضياع وكي يعيشون في أسرة واحدة، يقول الابن “وليد”: “أعتبر عمي بمثابة والدي وأحبه مثلما كنت أحب أبي من قبل، وأنا سعيد بمحبة جدي وجدتي لي أيضا”.

 من جانب آخر، في مدينة كفرنبل يعيش الطفل عبداالله (8 أعوام) الذي قتل والده في معارك سابقة مع قوات السلطة السورية، ويعيش في كنف أمه وإخوته الشباب وينعم بكامل الرعاية، وقد رفضت أمه الزواج بعد وفاة والده وفضلت العيش مع أولادها في بيت واحد.

أما الطفل محمود (12 عام) صنعت منه الحياة إنساناً عصاميا وقادرا على تحمل المسؤولية والصعاب، فهو يساعد شقيقه في دروسه ويحرص على تدريسه بنفسه ويشعر بالسعادة حينما ينجح في صفه رغم أن الطفلين فقدا  والدهما منذ (3 أعوام) ثم تركتهما والدتهما برعاية الجد.

الأطفال من فقد والديه أو أحدهما يعيشون بين القوة والضعف، والألم والأمل، والتحدي يملأ عيونهم فالحرب لم تكن من خيارهم يوما ولن تكون.

مها رباح

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *