أخبار

المواطن السوري يدفع ثمن الإنهيار الإقتصادي …ونصف السكان تحت خط الفقر

حين تتجول في المدن السورية اليوم تر رجلاً حنى الفقر ظهره و شغلت الهموم ذهنه و صبغ البؤس لون وجهه، حتى أصبح يمشي كجثةٍ دون روح ، جلّ ما يفكر به لقمة عيشه ، حيث حَملت سنة 2020 أضعافاً من الضيق و العناء أنهكت قلوب السوريين ، فرأينا هذا العام مظاهر التسول و التشرد بكثرة في شوارع المدن ، و اعتدنا سماع قصص السرقات و الخطف و القتل بغية المال ، حتى ظاهرة البحث في حاويات القمامة عن مصدرٍ لسد الرمق باتت لنا مشهداً مألوفاً..

 

شاهد بالفيديو : قرابة الـ 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر 

يقف عماد في إحدى المحلات التجارية ، ينظر إلى السلع بتردد ، يمسكها بيده ، يسأل عن سعرها من ثم يعيدها ، و في رأسه تدور عشرات الحسابات في نفس الدقيقة ، كيف لا و هو أمام معادلة مستحيلة الحل ؟ في جيبه مرتب لا يتجاوز ال60 ألف و أمامه مصروف شهر يتطلب 400 ألف كحد أدنى !  

 و يرى عماد أن المشكلة تكمن في العنصر الثابت في هذه المعادلة وهو الراتب ” راتبي بالكاد يغطي تكاليف الطعام لمدة أسبوع لعائلتي المكونة من ٥ أشخاص، فلو ازدادت الرواتب بشكل يتناسب مع ارتفاع الأسعار كان المواطن سيستطيع تحمل الغلاء و الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد ، إلا أن هذا الحل بالتأكيد مستبعداً بالنسبةِ للدولة التي تفرض على مواطنيها ١٠٠ دولار تذكرة دخولهم لوطنهم ! ، و تعتمد سعر صرف الدولار في السوق السوداء ( الغير معترف به رسمياً ) عند سداد المواطنين البدل النقدي للخدمة الإلزامية ، فهي تعلن لنا بشكل أو بآخر انهيارها من خلال قرارتها “

و بحسب آخر تقديرات لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ( WFB) أن 9.3 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي أي نصف إجمالي عدد سكان سوريا.

 

شاهد بالفيديو : عائلة سورية تعارك الفقر والبرد في مخيم أطمة الحدودي

و تعود أسباب الفقر المدقع الذي تشهده البلاد لتدهور الوضع الاقتصادي و إنهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية ، وما عقبه من تآكل القدرة الشرائية لدى المواطنين و ارتفاع الأسعار الخرافي ، إذ خسرت الليرة السورية 158 بالمئة من قيمتها خلال هذه الفترة لتُسجل سعر 2950 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي في نهاية العام ، و تضخمت أسعار السلع الأساسية كالطحين و الزيت و الحليب بنسبة تجاوزت ال300% ، الأمر الذي جعل الكثير من المواد الغذائية الضرورية حلم للمواطن كاللحوم و الفواكه و الحلويات وغيرها ، لتزداد معاناة المواطنين أكثر و أكثر مع مرور فترة الأعياد (عيد الميلاد و رأس السنة ) نهاية العام. 

 

يؤكد المواطن الأربعيني أيمن أنه في يوم رأس السنة دفع نصف راتبه ثمن عشاء أقل من عادي ” معظم العائلات السورية هذا العام و أنا أحدهم عجزنا عن شراء كيلو واحد من لحم الغنم إذ وصل سعره 20 ألف ليرة كما أنني لا أتذكر متى آخر مرة أكلت فيها لحماً أحمر ، و حتى الدجاج بات حلم لعائلتي ينتظرون العيد ليتحقق ، هذا وبلغ عشاء رأس السنة المؤلف من دجاج مقلي و مقبلات بسيطة و نوع سلطة واحد 25 ألف ليرة أي نصف راتبي “

 

و يقول أيمن أن المواطن للأسف تأقلم مع الغلاء باختصار احتياجاته و تحجيم تفكيره بلقمة عيشه فقط ، الأمر الذي أفقده طعم الحياة ” فالحياة الإجتماعية أصبحت شبه معدومة بالنسبة لنا ، لا نستطيع زيارة أحد خوفاً من تكاليف الضيافة حتى لو اقتصرت على كاسة شاي فكيلو الشاي أصبح 16000 ليرة و كيلو السكر 1550 ليرة ، و حُرمنا حتى أن ننزه أطفالنا في الأسواق أو الحدائق لعلهم اشتهوا ما نعجز عن شرائه لهم “

 

شاهد بالفيديو: الفقر في سوريا قنبلة موقوته تهدد أمن المجتمع

كما سجلت أسعار الملابس الشتوية لهذا العام أرقاماً قياسية سواء كانت جديدة أم مستعملة ، و تشير الثلاثينية ربا أنها ذهبت للسوق في بداية الموسم الشتوي قاصدةً شراء ملابس شتوية لأطفالها لتُصعق بارتفاع أسعار الملابس الجنونية التي تحتاج قرض لشرائها ” كنت أعلم أن الأسعار مرتفعة لكنني رأيت الكثير من التنزيلات على واجهة المحلات فظننت أن راتبي الذي يبلغ ٤٥ ألف يكفي لشراء ٣ معاطف شتوية لأطفالي ، لتكون الصدمة أن معطف الأطفال الذي كان السنة الماضية ب١٠ ألاف تجاوز ال٣٠ ألف هذه السنة بعد التنزيلات ، و قد يصل لل٤٥ ألف في محلات الماركات ، أما عن المعاطف النسائية و الرجالية فتبدأ من ال٤٠ الف و حتى ال١٠٠ ألف و أكثر ، حتى أنني قرأت على أحد واجهات المحلات الفخمة أن جاكيت رجالي ب١٥٠ الف !! ” و تضحك ساخرة ” أي 3 أضعاف الراتب ، فعدت خائبة ولم اشتر شيء ، و انتظرت دوري في أحد الجمعيات حتى حصلت على مبلغ ٢٠٠ ألف اشتريت به بعض الملابس اللازمة لي و لأطفالي ، إلا أن زوجي لم يحظَ ولا بقطعةٍ واحدة “

 

أما بالنسبة للشابة لميس التي تقطن في العاصمة لتكمل تعليمها في كلية الحقوق و تعمل في إحدى المكتبات لتؤمن مصروفها قالت ” إن تردي الوضع المعيشي جبرني على العمل حتى في فترة التحضير لامتحانات الجامعة ، حيث بلغ مصروفي لهذا الشهر ١٠٠ ألف ليرة بين مواصلات و مصاريف شخصية رغم كل محاولاتي في التقشف أما تكلفة المحاضرات فتجاوزت ال٥٠ ألف ، وفي باقي الكليات قد تصل لل١٠٠ ألف حسب عدد المقررات و كثافة المنهاج ، و إذا كانت الكلية عملية أي تحتاج لأدوات و مستلزمات جامعية غير الكتب أو المحاضرات ، كطب الأسنان و الهندسات و الفنون الجميلة ، فالمصروف حينها سيكون كارثي بالنسبة للطلاب “

 

شاهد بالفيديو: فقر مدقع أو ثراء فاحش ثنائية تحكم السوريين

و وضحت أن أكثر ما يحزّ في قلبها أنها تتعب الليل مع النهار و كثيراً ما تختصر يومها بوجبة واحدة لتوفر في مصروفها بينما في الوقت نفسه ترى أفراداً من الطبقة الغنية يتسابقون لشراء أفخم السيارات و حضور أضخم الحفلات و اقتناء أحدث الإصدارات من الآيفون الأميركي ، و تضيف ” على الرغم من نسبة الأغنياء القليلة في المجتمع السوري إلا أنهم يستفزون باقي الشعب بمظاهر البذخ و التبذير ، و بحياتهم المختلفة كلياً عن حياتنا و أسواقهم الخاصة التي تتوفر فيها أحدث الماركات العالمية من الأزياء و العطور و الأطعمة و غيرها ، غير مكترثين مثلنا بالأزمة الاقتصادية الخانقة بل على العكس بعضهم سعداء لمعاناتنا و يتمنوا لها أن تستمر ، هؤلاء الذين نهضوا في الحرب و استثمروا الأزمات لجمع ثرواتهم ، أشعر حقاً أننا لا نعيش معهم على نفس الأرض البائسة “

 

أما أم أشرف فهي أرملة ستينية سافر ابنها منذ ٣ أعوام لينعش وضعهم المادي الذي بات على الحديد حسب وصفها ، و أرسل لها مبلغاً مالياً فتحت به دكان صغير تعتاش منه وباقي أفراد العائلة ، و تقول أم أشرف ” إن الغلاء الفاحش ينعكس ركوداً في الأسواق وبالتالي دخلنا من ربح الدكان البسيط مع مساعدة ابني لنا بالكاد يكفينا ، و نشعر بالعجز و ضيق الحال كحال الكثير من السوريين “

 

و لاحظت أم اشرف في الفترة الأخيرة خوف الناس من فقد الخبز كلياً إذ بدأت بعض العائلات تطلب أكياساً من الطحين لتدخرها خوفاً من الجوع القادم ، و تتساءل قائلة :

 

“متى كانت الناس تشتري الخضار بالحبة و الجبن بالقطعة و الزيت بالكاسة ؟! و هل يُباع الزيت بالكاسة أساساً ؟ نعم ، اليوم أصبحنا نبيع الزيت و السمن وحتى حليب الأطفال بالكاسة ، إذ وصل سعر ليتر الزيت 5200 ليرة و كيلو السمن النباتي 5800 ليرة و كيس حليب النيدو 9600 ليرة “

 

 و تذكر في هذا السياق أن لديها ابنة متزوجة ترفض الإنجاب و تعتبره جريمة في هذا الوضع المأساوي

 

شاهد بالفيديو:90% من السوريين فقراء ومجاعة على الأبواب

 

و يُرجع رأس النظام السوري بشار الأسد أسباب الانهيار الاقتصادي ( لانتهاء الحرب الذي أوقف بدوره تمويل “الإرهابيين” لسوق الدولار ، و للأموال التي أودعها السوريون في البنوك اللبنانية )

 أثارت هذه التصريحات سخرية و استفزاز الشارع السوري، و تجاهلت استنزاف النظام لموجودات الدولة في تمويل الحرب ، و ديون الدولة السورية لروسيا و إيران مقابل دعمهم الحرب في سوريا وانهيار الليرة السورية، و سيطرتهم على ثروات البلاد بعدها ، هذا عدا عن الفساد المتجذر في كافة قطاعات الدولة ، و دفْع الشعب السوري للثمن الأكبر من العقوبات الأمريكية و الحصار الاقتصادي كنتيجةً لممارسات النظام.

و بالعودة للأسواق السورية ، نرى كيف ودع السوريون عامهم الماضي بضيقٍ و أسى و كيف استقبلوا العام الجديد بالإحباط و الخيبة ، فهل ستحمل أيامهم القادمة نفس الآلام؟ و هل ستمر سنينهم مجرد أرقام ؟ أم سيبنوا أخيراً من آلامهم جسراً لغدٍ حرٍ كريم ؟


شيراز البني – دمشق – خاص أنا إنسان 


تابعنا على الفيسبوك : أنا إنسان

تابعنا على يوتيوب : أنا إنسان youtube

حسابنا على تويتر : أنا قصة إنسان 

مجموعتنا على الفيسبوك : أنا إنسان


اقرأ أيضا :

الفقر وغياب الأمن يدفع امرأة مشرّدة بيع طفليها بمبلغ 250 ألف ليرة في دمشق

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *