أخبار
المركز الثقافي الإيراني في اللاذقية يحيي ذكرى عاشوراء (المصدر: وكالة ايران اليوم الإخبارية).

الوجود الايراني في اللاذقية: بين استغلال الناس وتهديد الوجود!

لعل فشل الميليشيات التابعة لإيران على أكثر من صعيد جعل من التدخل الروسي أمرا حتما, فمنذ تصفية هلال الأسد وتهميش الدفاع الوطني وتحجيم أيمن ومحمد جابر، وحل الميليشيات التابعة لإيران، فقدت ايران كثيرا من ثقلها في الساحل وباتت الأقلية منه تستذكر “أيام العز الايراني” وأكثرية تريد زيادة الوجود الروسي لأنها ترى في الوجود الايراني مهددا لعقيدة الانسان ولوجوده المذهبي.

وبعدما شكلت ايران ميليشيات اختصت بالترفيق، أي قوات ترافق القوافل التجارية، كان أبرزها ميليشيا صقور الصحراء، ولكثرة ما قتل من هذه القوات التي استخدمت لحماية أمراء الحرب وشبيحتها وزيادة رؤوس أموالهم، تم تغيير التسمية سخرية من “صقور الصحراء” إلى “عصافير الجنة”!

ربما يكون احتلال غزو العراق من قبل القوات الأميركية اللحظة التاريخية التي سببت الرعب والخوف لنظام الملالي في ايران فقرر النظام الايراني أن يكون له في الأراضي السورية موطئ قدم ونفوذ يجابه به الوجود الأميركي في المنطقة، وكان التشييع وسيلتهم لجذب الناس واستقطابهم ليكونوا في صف ايران سياسيا فيما بعد بشكل تلقائي.

وهكذا كان التركيز بداية على دمشق وأحياء مزارات آل البيت، ومن بعدها التخطيط لتواجدهم في المحافظات ومنها في اللاذقية، وفي صفوف الطائفة العلوية خاصة، ومع موجة التعاطف الشديد مع حزب الله خلال حرب تموز واستقبال عدد كبير من العائلات الشيعية من النازحين من الجنوب اللبناني أصبح المذهب الشيعي أكثر قبولا لدى جمهور علويي اللاذقية وتم تكريس ايران كحليف وحزب الله كذراع للسلطة السورية يستوجب الدفاع عنها ودعمها، وفي ظل هذا التعاطف القوي تم افتتاح مجمع الرسول الأعظم  عام 2006 هنا ليصبح بعد ذلك جامع وجامعة ومكتبة.

كما تم في عام 2014 افتتاح مدرسة الرسول الاعظم الشرعية في قرية راس العين بريف جبلة، وهي تدرس المذهب الشيعي الجعفري وتستقطب أعداد متزايدة، وتتبع وزارة أوقاف النظام السوري مباشرة.

وربما يكون الضجيج الذي رافق حملة التشييع التي قام بها الايرانيون يفوق حجم التشييع الفعلي، هذا الضجيج الذي أثاره الايرانيون بسبب دعمهم لنظام الاسد ومحاولتهم احتلال البلاد, لكن فيما بعد تبين أن من تشيع تم النظر إليه على أنه خارج عن الطائفة وغير مرحب به وبعائلته اجتماعيا.

وذلك لان مخاوف العلويين من الثورة كانت مبنية بمعظمها على الخوف على وجودهم وعقيدتهم, ولم يكونوا بحاجة لوجود آخر, وعقيدة أخرى, وإن لحليف, يهدد هو الآخر وجودهم وعقيدتهم باستبدالها بعقيدة أخرى.

لكن التشييع استمر بوتيرة متسارعة مستغلا الظروف الاقتصادية التي ازدادت سوءا شيئا فشيئا، وتم جذب الناس عبر مغريات متنوعة.

 

فكانت البدايات, في اللاذقية، على سبيل المثال، مع الناس الذين تم تأمين عمل لهم أمام الجامع حيث كانت فرص العمل هذه كافية لهم لكي يحضروا خطب السيد ايمن زيتون, أحد الأشخاص النافذين والمسؤولين في المجمع وخطيب فيه، يحضر المستفيدون من خدماته خطبه ليتم اعطاء الانطباع بأن مريديه أصبحوا كثر.

أحد الشبان  (م.ع) وهو شاب في مقتبل العمر لا مؤهلات دراسية عليا لديه,  حدثنا وقال أنه “وقعت مشكلة بينه وبين أهلي, أحد الذين تعرفت عليهم في جامع الرسول الأعظم استمع لي واحتضنني في منزله، داومت على حضور الصلاة في جامع الرسول الأعظم لكنني ضمنيا بقيت أعتبر نفسي علويا، وخلال أسابيع أمن لي الرجل الذي احتضنني عملا كنادل في مقهى براتب لم أكن أحلم بأن أحصل عليه يوم”ا، لم يستطع الشاب أن يجزم ان كان صاحب المقهى صديق الرجل الذي ساعده، أم أن المقهى هو ملك فعليا للرجل بشكل مباشر.

رجل آخر , يدعى (ج.ص ), لديه من العمر ستون عاما, كان قد تشيع بشكل فعلي ويعتبر أن ايران حليف وصديق وداعم مهم للنظام السوري في وجه “الارهابيين”، تشيع هو وأولاده الذين لا يمتلكون مؤهلات تعليمية هامة، “استطعت عبر معارفي بعد ان تشيعت أن أؤمن  تأشيرات عمل لجميع أولادي في دولة الإمارات، وهم يعودون سنويا في زيارات إلى اللاذقية بسياراتهم الجديدة السنة ذاتها”.

احدى الصبايا (ع.ن) في الثانية والعشرين من العمر, كانت ترتدي ملابس عادية وجينز عندنا التقيناها, ” درست في جامعة تشرين, درست اللغة العربية, كنت ارتدي اللباس الشرعيمع صديقتي لنحضر الصلاة في مجمع الرسول الأعظم، وحال ما كنا نخرج كنا نتوجه إلى أقرب بناية وتخلعان اللباس الشرعي ونمضي في طريقنا, لكني تمكنت عند تخرجي من الحصول على وظيفة أنا وصديقتي فيما زميلاتنا المتخرجات بمعدلات عالية لم يحصلن على وظيفة!”, أكدت هذه الفتاة لموقعنا أنا انسان أنها وبفضل علاقاتها مع المسؤولين عن المجمع تمت التوصية بها في الحكومة السورية لتوظيفها.

ورغم ذلك فقد تجنبت هذه الفتاة مرارا وتكرارا الصلاة على المذهب الجعفري, حيث تختلف الصلاة على المذهب الجعفري في الحركات والأدعية عن الصلاة الظاهرة التي يعتمدها العلويون في الجوامع, كانت في كل مرة تتذرع بأعذار صحية، مما دفع الموجهين في المجمع إلى اقتراح معاينة طبية مجانية للاطمئنان على صحتها!

في النهاية اضطرت للصلاة على المذهب الجعفري وكان موعد تخرجها من جامعتها قد اقترب.

لفت نظرنا أيضا الحديث المتداول بين صفوف الشبان الذين يرتادون المجمع , عن الموجه الإداري في المجمع الذي تحول من بعثي الى قومي الى شيوعي ومن ثم أعلن أنه أصبح علويا، على الرغم من كونه سني بالولادة، ليعلن مؤخرا أنه تشيع واعتنق المذهب الجعفري وقدم استقالته من وزارة التربية السورية ليصبح موجها في مجمع الرسول الأعظم!

يمتلك الموظف في مجمع الرسول الأعظم سلطة بمقدار منصبه الوظيفي كما بتزلفه وقربه من الأفرع الأمنية، ويستطيع بناء على ذلك استغلال نفوذه لصالحه الشخصي ولمصلحة عائلته.

بعض مشايخ الطائفة العلوية الذين لا وزن لهم عمليا ولا ثقل سياسيا لهم والذين نتحفظ على أسماىهم حفاظا على سلامتهم, حذروا من حملات التشييع وأدواتها التعليمية والمنفعية والسياسية، لكن مشايخ السلطة والمدعومين من قبلها التزموا الصمت حيال هذا التمدد الايراني في مجالس العزاء المقامة بكثرة لقتلى جيش النظام والميليشيات التابعة له، كما تجنبوا أي اشارة لذلك في الجلسات العامة.

كان التدخل الايراني لحماية النظام السوري نوعيا، لم ترسل ايران جيوشا ضخمة، بل أرسلت خبراء، وحتى عندما فكرت بتأسيس ميليشيات فإن المنضمين لها لم يكونوا ايرانيين تم جلبهم، بل تشكيل هذه الميليشيات بوساطة خبراء ايرانيين وكان المنضمون لها من جمهور حزب الله الواسع في الساحل السوري، وهكذا تم تشكيل صقور الصحراء وغيرها من الميليشيات المشابهة وتسليمها لرجال أعمال موالين للنظام كأيمن جابر، أو تسليم قيادتها للشبيحة من أبناء عائلة الأسد التي لا تنقصها الخبرة في مثل الأعمال!

 

أشرفت ايران أيضا على ارسال قيادات الدفاع الوطني في دورات تدريبية ذات طابع عسكري ودورات دينية إلى مدينة قم الايرانية، كما كانت قد أرسلت مرارا شبانا ورجالا تشيعوا في مجمع الرسول الأعظم منذ تأسيسه في العام 2006 ، لكن معظم من عادوا لم يصلوا على المذهب الجعفري، أو لم يصلوا ابدا بعد عودتهم, صرحت بهذه المعلومات عائلات عناصر متطوعين في الدفاع الوطني

كان السبب الأول للاستقطاب الايراني منفعيا، كما يبدو، وكان السبب الثاني طائفيا مستخدمين بروباغندا تقول أن هنالك جهاديين سنة قادمين من أصقاع الدنيا لقتل العلويين.

فيما كان السبب الثالث الحفاظ على الحياة حيث أن عنصر الدفاع الوطني على سبيل المثال يبقى في محافظته ويعفى تلقائيا من الخدمة الالزامية!

كل هذا وصل بحاضنة الوجود الايراني في الساحل إلى القبول بمعارض يشتم تركيا والسعودية وقطر لأن أموالهم خربت “الثورة”، وعدم القبول بموال يقول “الله يجيرنا من ايران”!

وفي هذه الحاضنة ذاتها لدى كثيرين ما يدفعهم للاعتقاد بل والجزم بأن سبب تفجير خلية الأزمة أن بعض أركان النظام اقترحوا أن الوضع يمكن استيعابه حتى تلك اللحظة دون تدخل ايراني، فتمت تصفيتهم جميعا.

 

هنادي زحلوط

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *