أخبار

تخليت عن الإقامة في السويد … وعدت إلى سوريا

لافا خالد – سويسرا – خاص ” أنا قصة إنسان “

شيار عيسى الحديث عن الأمل حديث ذو شجون أستمده من قصة طفلٍ ولد بعد وفاة والده في حادث سيارة عندما كان يبلغ من العمر خمسة وعشرين سنة، ليترك وراءه زوجة في الأربعة والعشرين من عمرها وثلاثة أطفال أكبرهم كان عمره ست سنوات وأصغرهم انا الذي ولدت بعد وفاة والدي بشهرين وطبعا اعرفكم بنفسي اسمي ” شيار عيسى “

عاشت العائلة بمنزل صغير في أحد أفقر أحياء المدينة وأبعدها عن الخدمات، كالطرق المزفتة والمدارس التي اضطر الأخ الأكبر أن يتركها ويضحي بمستقبله ليعيل أخوته وأمه التي كانت تزرع الخضروات وتربي الماشية وتعمل كخياطة بالتوازي مع عمل ابنها.

وفي ذلك المناخ لم يكن للأخ الأصغر قامة وعمراً، فرصة ليكون طفلاً، فالطرق الطينية الطويلة المؤدية للمدرسة الابتدائية والإعدادية وتكاليف دراسته التي كانت تثقل كاهل عائلته وكانت تضعه أمام تحدّ بألّا يخذل نفسه ويخذلهم.

هنا يبدأ مشوار السفر إلى حيث أقاصي أوربا.

شيار عيسى حين قررت أن أسافر للسويد عام 2006، لم أكن أعلم شيئاً عنها باستثناء أنها فردوس الله على الأرض، لكن الواقع كان صادم. عانيت هناك أقسى أنواع الغربة النفسية والعزلة الاجتماعية التي توصل الإنسان لحد انفصام شخصيته، وحالة رهيبة من الدونية وخاصة في ظل عدم توفر فرص عمل للمهاجرين.

كان الشاغل الأكبر لدي حينها هو تعلم اللغة بسرعة كبيرة، فانهمكت في متابعة دورات اللغة، حيث بدأت الدراسة منذ الأشهر الأولى، وبعد أن أنهيت تعديل الشهادة الإعدادية درست المرحلة الثانوية ونلتها بمعدل ممتاز وتم قبولي في جامعة أبسالا التي تعد أفضل جامعة في اسكندنافية ومن أفضل الجامعات في أوربا في فرع العلوم السياسية، من ثم درست الماجستير وتخرجت عام 2014 بتفوق.

كانت الدراسة تتطلب مني ساعات طويلة من للإنجاز نظراً للفارق في مستوى اللغة بيني وبين الطالب السويدي الذي كان يتقن اللغتين الإنكليزية والسويدية” لغتي المناهج”، بينما كنت مبتدئاً مما شكل لدي دافعاً لكي أعمل أكثر وأتخطي تلك العقبة أيضاً.

بالتوازي مع الدراسة، كنت أخصص ساعات للعمل في المنظمات والعمل السياسي، حيث عملت في حزب الخضر السويدي أحد أكبر الأحزاب السويدية وكنت عضواً في قيادة المحافظة، كما أنني انتخبت كرئيس للجمعية الكردية السويدية وكذلك اتحاد الطلبة الكرد في السويد.

في الغربة شعور غامض لا يمكن توصيفه حينما يبتعد الإنسان عن وطنه، ذاك الوطن الذي تكثر فيه مظاهر الحياة والجمود معاً، والمصيبة هي لو كان الوطن يرزح تحت نيران الحرب.

بالرغم من كل ذلك قررت العودة في هذه الظروف لأكون جزءاً من حركة التغيير، حتى لو كان جزءاً مجهرياً صغيراً، ولكي أكون في صف من يعمل ليل نهار من أجل قيم “السلام، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية “، وبالرغم من كل المآسي إلّا أنني أشعر بمعنى الحياة، فللوطن لون ومعنى آخر وعبق منعش لا تجده في غربتك…الناس، البيوت الهادئة البسيطة، الشوارع التي تعاني الإهمال.

سوف أعمل لأجل كل شيء، خدمة لهذا الإنسان الذي يكافح الطغاة والحرب لينتصر… وإنني أعمل منذ مدة تقارب السنة ونصف السنة في مركز المجتمع المدني والديمقراطية بمدينة القامشلي، وقمت بإعطاء عشرات الورش التدريبية والمحاضرات في أغلب مدن محافظة الحسكة عن “قيم الديمقراطية، تمثيل المرأة، السلام، الانتخابات، الشفافية ومكافحة الفساد”.

شيار عيسى الحياة في الشمال السوري تختلف جذرياً عن رفاهية الشمال الإسكندنافي، وعقبات الحياة في مدينة القامشلي كثيرة، كالأمان والخدمات وخاصة بعد أن عشت ثمانية أعوام في بلد تتوفر فيه كل أشكال الحياة المرفهة، لكن القناعة بأن كل السكان هنا يعيشون تحت نفس الظروف تخفف المعاناة، كذلك القناعة بأن ذلك الطفل” أنا” الذي فقد والده قبل أن يبصر النور وأمه حين كان شاباً صغيراً واستطاع أن يتخطى كل العقبات في حياته لن يضعف أمام ما يقوى على مجابهته كل سكان مدينته.

التعليقات: 2

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *