أخبار

جريمة … تحالف نظام الأسد والمعارضة السورية في تنفيذها

قليل من يعرف عن عمل النقابات وأهميتها في بناء الدولة وحماية حقوق المواطنين، وخاصة في دورها الأهم في تنظيم إيصال صوت العمال والمجتمع نحو السلطة وممارسة الضغط على عليها من أجل تحقيق مطالبها، دون نسيان أن الكثير من كوادر هذه النقابات في الدول المتقدمة يتم انتخابهم لتثميل الشعب وتحقيق مطالبه.

وأكثر ما كان بحاجته الثورة السورية هي وجود مثل هذه النقابات التي كانت كفيلة بترشيح أصوات سورية من قلب الشارع لتمثيل صوته وبشكل مختلف تماماً عن آلية ترشيح الاشخاص الموجودين في المعارضة السورية الحالية الذين يتم ترشيحهم وفق معايير دولية وعلاقات شخصية بعيدة كل البعد عن مطالب الشارع وهمومه.

قد يظن البعض أنها ظاهرة خاصة بالنظام الرأسمالي ، وأنها بالتالي تصبح غير ضرورية أو غير ذات نفع إذا ما أخذ المجتمع بالنظام الاشتراكي حيث يسيطر الشعب على وسائل الإنتاج، إلا أن ذلك ليس صحيحاً ، فالنقابات موجودة في أعتى الدول الإشتراكية ، ولكنها هناك تكتسب مفهوما مختلفا، إذ يقع عليها عبء المشاركة في تنفيذ خطط التنمية والعمل على رفع الكفاءة الإنتاجية والمستوى الثقافي والاجتماعي لأعضائها، وتناصر النقابات العمالية ، الحقوق المتساوية والأجوروتحارب التمييز ضد العرق ، والجنس، والتوجه الجنسي ، والإعاقة ، وتشجع على الاحترام وصيانة الكرامة في مكان العمل.

سوف نستعرض في هذا التحقيق ماذا حدث بحال النقابات السورية في زمن حكم النظام السوري من جهة وفي ظل حكم المعارضة السورية السورية في المناطق التابعة لها من جهة أخرى،

حكم البعث … وقتل العمل النقابي:

 

طوع نظام الأسد الأب 1970/2000 ومن بعده الابن ، مكونات الشعب السوري ، خلال السنوات التي سبقت ثورتهم على النمطية والتماثل ، ليضمن مراقبتهم والتحكم برغباتهم ، ووضع ضوابط لهذا التطويع أطلق عليها تسميات كـ “طلائع البعث ” و ” الشبيبة” ولتكتمل مسيرة التدجين والخوف من طرح الأسئلة المستعصية يٌنسبهم الحزب الحاكم لـ “إتحاد الطلبة ” ، لينتهوا كأعضاء عاملين في  “حزب البعث” السلطة الحاكمة في البلاد ، ويدخلهم للنقابات والروابط التي يديرها بعقلية العصابات والمحسوبيات والتغطية والتعمية على السرقات والتجاوزات.

احتكر “حزب البعث” السلطة ، وسيطر على المجتمع السوري ، من خلال إطلاق دلالات رمزية كـ (إلى الأبد) و (بالروح والدم) ولازال يتغى بأسطوانة دولة المؤسسات إلى ساعة كتابة التقرير .

واستطاع هذا الحزب الحاكم ، قولبة المجتمع السوري وتطبيعه داخل منظمات ونقابات لاتقبل التقلبات السياسية ولا المجتمعية ، وترفع شعارات الحزب الحاكم السرمدي الوجود .

كما استطاع “حزب البعث” جر النقابات للشارع السوري بمسيرات كان يطلق عليها (مسيرات عفوية) تعزز تلك الكذبة وتدعم وجوده ، ورَسمت هذه الوصاية السياسية على النقابات تدريجياً أشكال النمو والحراك البشري المهني المجتمعي الذي تحول لهرمية تمتدح السلطة وتسن القوانين التي تساير هواه ، ولاتراعي حقوق العامل إلا من خلال “كليشيهات” اخترعها النظام وروج لها عبر التلفزيون والصحف .

وتقبض الأجهزة الأمنية وتسيطر على تلك المنظمات والنقابات ، ولاتسمح بالإختلاف بينها ، وبدا ذلك جلياً خلال (الأزمة) السورية ، والتي صمتت على مسيرة الغلاء ، والإنهيار الإقتصادي وسوء الإدارة الحكومي ولم تطالب حتى الآن بشكل جدي تصحيح الأجور أو إعتماد حد أدنى لها ، ليبقى العامل السوري حتى الآن تحت سلطة الرغيف والأمن المتمثل بمن انتخبهم في النقابات .

ألحق الحزب الحاكم “الاتحاد العام لنقابات العمال” – تأسس عام 1937- ، بنظام البعث فيما بعد، وصار صوت النظام الذي يصمّ آذان الطبقة العاملة بخطاباتٍ مدبّجة بعناية تطبخ في مكاتب هيئات التوجيه المعنوي والمخابرات ، ليبقى الحارس الأمين للسلطة بلجم أفواه العمال عن الصراخ ، ويقبل مصادرة حقهم الطبيعي في التظاهر أو الإضراب ، ليبقى العامل السوري مقايضاً سلعة الخوف بالأمان والوظيفة.

تربى الخوف في عقول السوريين حتى وإن اجتذبهم القطاع الخاص ، أو سافروا خارج الحدود ، فكسر قالب المواطن النمطي كان يعرضهم للاعتقال في المطارات أو المنع من السفر فهم يخافون حتى خارج أسوار مملكة الصمت تلك ، متناسين وربما متجاهلين مايتعلمونه خارج تلك الجدران “أن النقابات ضمن الشروط الطبيعية يجب أن تلجم جموح وديكتاتورية السلطة ، ولايمكن أن تكون جزءا من منظومة السلطة” .

واختار النظام السوري قيادته النقابية العمالية بعد انتخابات صورية ، يطبخها الحزب الحاكم بإشراف أجهزة أمنه الشمولية .

المعارضة السورية .. شريكة الاسد في الجريمة:

 

السؤال يتكرر وطبعاً لا يكرره من نصب نفسه لساناً للثوار السوريين ، وبديلاً مدنياً ديموقراطياً لنظام بشار الأسد ، قاتل السوريين ، “كم فرصة أضاعتها المعارضة” …. “وإلى متى سيتم تجاهل بناء المؤسسات المدنية والنقابات العمالية” ، متى ستلتفت لبناء الأرض الصلبة التي تقوم عليها الدول التي تتبنى الايدلوجية كحاجة وليست ترفاً ، متى ستنظر تلك المعارضة لحاجة السوريين التي ليست من أولوياتها .

هيئات وروابط ونقابات ، لاتمثل المعارضة السورية وتنكر ارتباطها فيها من خلال نبش “أنا إنسان” السابق والمستمر ، رابطة المحامين الأحرار ، رابطة الصحفيين السوريين ، نقابة الأطباء الأحرار ، …… الخ ، تأكد لنا ذلك خلال سؤالنا بشكل رسمي أو من تحت الطاولة ، أن المعارضة السورية متمثلة بالحكومة السورية المؤقته التي لاتملك أجندة أو فكرة لإنشاء أي نقابة أو مؤسسة تضمن حقوق العمال السوريين في تركيا أو مناطق درع الفرات ، غصن الزيتون ، إدلب ، ومن خلال مراجعتنا السابقة لبعض محاولات التنظيم والمأسسة لكيانات نشأت هزيلة ومرتبطة بتمويل مشروط يديرها من اتضح مستقبلاً ، عدم كفاءتهم والتي تم وأدها كـ (التنسيقيات والهيئة العامة للثورة والمجلس الأعلى لقيادة الثورة ، وحدة تنسيق الدعم).

حتى حكومة الإنقاذ – التابعة لهيئة تحرير الشام – لم تستطع ومن خلال 11 وزيراً ، تمرير قرار أو دراسة مشروع إنشاء نقابات بعيدة عن سيطرة فصائلها وهيئاتها الدينية .

تتهم حكومة الإنقاذ بأنّها الذراع السياسي لهيئة تحرير الشام، منذ تأسيسها أواخر العام 2017، ومن أول إجراءات الحكومة التي انطلقت بـ11 حقيبة وزارية هو إنذار مكاتب الحكومة السورية المؤقتة بضرورة إغلاق أبوابها خلال فترة زمنية لا تتعدّى 72ساعة، والخروج من المنطقة.

وبالتوازي مع طرد تحرير الشام للفصائل المناهضة لها ، وإحكام نفوذها على كامل منطقة إدلب ، فرضت الإنقاذ مطلع العام الجاري سيطرتها على المنطقة التي تشمل ريف حماة الشمالي الغربي (قبل سقوطه في آب الماضي) مع محافظة إدلب ، وريف اللاذقية الشمالي الغربي المتّصل بريف إدلب الغربي، بالإضافة إلى مدن وبلدات في ريف حلب الغربي.

نفّذت الإنقاذ مشاريع “خدمية”، وفق ما روّجت ، لكنّها كانت أدنى من المستوى المتوقّع أو المروّج له بحسب الأهالي الذين طالبوا مؤخّراً بخروجها من المنطقة بعد أن أرهقتهم بفرض الضرائب مثل الزكاة والضريبة الأخيرة على زيت الزيتون ، وهو ما أثار غضب تحرير الشام التي حاصرت كفر تخاريم وقصفتها بالمدفعية والهاون والرشاشات الثقيلة.

هذا الظرف من التشرذم داخل صفوف المعارضة ، أتاح لقوى سورية كالإخوان المسلمين مد ذراعهم الطويل ، وأطلوا برؤوسهم من تلقاء أنفسهم من منافيهم في بريطانيا وأمريكا والأردن وغيرها، داخل تلك المؤسسات والتغلغل فيها من خلال القيادات والتمويل للسيطرة عليها وتحويل تبعيتها لفصائل سلفية تسيطر على المناطق المحررة ، ليقع السوريون ولسوء حظهم داخل هذه المجالس والهيئات والروابط داخل تجمعات الإرتزاق ، وتتحول الثورة من مشروع مواطن ووطن لرهينة للمصالح والتمويل تلك “الجزرة” التي تركض وراءها المعارضة .

كان واضحاً أن المعارضة السورية كانت تريد قتل عمل النقابات أيضاً وبتصميم متعمد، لانها تعلم تمام العلم أن عملها يعني تثميل حقيقي لمطالب الشعب بعيداً عن أجنداتهم السياسية ومصالحهم الضيقة، فهم يريدون ترشيح الأسماء التي تناسبهم وفق أهوائهم وليس أسماء تخرج من عمق القاعدة الشعبية السورية تطالب بتحقيق مطالب سورية حقيقية.

حقائق هامة لابد من ذكرها:

عن واقع عمل النقابات في سورية يؤكد السياسي السوري عدنان الدبس أن هذه النقابات كانت محط اهتمام الأحزاب السياسية أيضاً وبالذات اليسارية منها ، وموضع صراع اليمين واليسار في تاريخ سوريا ممن حاول تقويض عملها وخاصة العمالية منها فكانت العين عليها لا تغفل من السلطات المتعاقبة في تاريخ سورية .

ويتابع  قائلا:” بالحديث عن نقابات العمال التي يشكل جمهورها قاعدة الأحزاب اليسارية والقومية عموماً في سوريا كان لهذه الأحزاب الدور الأوسع في قيادة تلك الطبقة بحكم أنها تشكل قاعدتها الثورية ، بالتالي عندما استلم البعث الحكم جهد لأن يهيمن على تلك النقابات بما قدمه لها من خدمات عبر تأميم المعامل وضبط قوانين العمل  ضمن المفاهيم “الاشتراكية”  للاقتصاد السوري ، مما شكل له قوة في توجيهها والتأثير على  دورها في سبيل خدمة أجندته على طريقة القضم التدريجي لنشاطها مستغلاً  مطالب العمال المحقة والروح الوطنية للعمال في تلك الفترة لاستغلالها عبر شعاراته الفضفاضة كالأمة العربية وتحرير فلسطين وتعاضد الشعوب والسلام إلى أن نال مبتغاه في إفقار تلك الطبقة وجعلها أداة طيعة تحت قبضته الأمنية خدمة للسلطة لا للوطن فضاعت الحقوق وبقيت الشعارات الطنانة التي كانت و لا تزال ترن في أعراسه الاحتفالية ومؤتمراته الشكلانية .

والذي ساعد في تدجين هذه النقابات بعد الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد عام السبعين على حزبه كانت القوى السياسية التي انخرطت في جبهته التي سماها وطنية تقدمية مستغلاً انتهازية تلك الأحزاب وبرامجها الوضيعة في إشراكها في قيادة الدولة والمجتمع عبر تمثيل صوري يرضي فيه مكاسب الانتهازيات القيادية في صفوف تلك الأحزاب ليستطيع عبر سرطان هيمنته في تقويض دور هذه النقابات بعد أن سيطر أمنياً عليها  وعلى  كافة مفاصلها وكان مراده بعد أن انقض على نقابات العمال ،  التفّ الى الهامش الضيّق لاستقلال النقابات المهنية التي تشكل الدرجة الأدنى من اهتمامه بحكم طبيعتها الطبقية الأكثر انفراجاً اقتصادياً والأقرب إلى الليبرالية

إلى أن كان الإضراب العام  في بداية الثمانينات  الذي دعت له نقابة المحامين في سورية محور تحدي لسلطة النظام بشكل علني  ضد الإجراءات التعسفية وقانون الطوارئ والأحكام العرفية التي أخذت بُعداً جديداً في تاريخ سوريا وكان لها دور في رفع الصوت ضد هيمنة السلطة الحاكمة والتي انضمت اليها نقابة الأطباء والمهندسين والتي شكلت المنبر الأخير في تاريخ سوريا حتى يومنا هذا فاعتلى فيه صوت الحق في وجه الظلم  والتي انقض عليها النظام السوري بوحشية فاعتقل قادتها وتم تصفية البعض في المعتقلات ,وبموجب قرار من رئيس الجمهورية حافظ الاسد تم حل تلك النقابات  ومن ثم اعادة تأسيسها في عام  1982 بعد صدور قانون يحكم بربط عمل ونشاط النقابات المهنية بحزب البعث .وكانت هذه الاحتجاجات  آخر مظاهر الاستقلالية للنقابات كافة .

فما كان من سلطة القمع بعدها إلا بمحاصرة نشاط النقابات ووأد أي حركة احتجاجية لها وتحويلها إلى أبواق رخيصة ومأجورة للسلطة، منتجاً سياسية التعيين لا الانتخاب في مهزلة مازالت مستمرة حتى اليوم. وتزامن ذلك  الحدث في فترة برز فيه صراع دام بين السلطة والتيار الإسلامي الراديكالي قي صفوف الاخوان المسلمين مستغلاً هذا الصراع لإرساء قبضته الأمنية على مفاصل الدولة بكافة مؤسساتها المدنية بعد أن قام بتصفية المؤسسة العسكرية من المعارضين أو الحياديين لسلطته .

وبالعودة إلى نقابات العمال لابد من ملاحظة أن رئيس اتحاد نقابات العمال هو بالضرورة أحد أعضاء القيادة القطرية لحزب السلطة الحاكم وعليه أصبحت كافة النقابات في سوريا عبارة عن مؤسسات مطلبية في الواجهة وبوقاً يصدح لصالح السلطة سياسياً . ومع إعطائها النفوذ المباشر لتكون أقرب إلى المؤسسات الأمنية عبر إلزام العمال والمهنيين بالانتساب الإجباري  لا الطوعي لتلك النقابات ممسكاً برقابهم بموافقات تشبه الموافقات الأمنية  في اعطائهم حق العمل في البلاد من تلك النقابات للسيطرة عليهم .

و بمسيرة متكاملة وشاملة بدءً بطلائع البعث وشبيبة الثورة والاتحاد الوطني لطلبة سوريا والاتحاد النسائي وانتهاءً بالنقابات العمالية والفلاحية والمهنية يصبح المجتمع السوري برمته تحت قبضة البعث الحاكم أمنياً بما فيها المؤسسة العسكرية، ساعدته في ذلك أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية من تفريغ كافة المؤسسات الحكومية والمدنية وخاصة  النقابات من دورها و تأثيرها الفاعل حتى استطاع ارساء قواعد حكمه التسلطية الاستبدادية التي استمرت إلى يومنا هذا.

وبالنظر إلى ما شهدته نهاية السبعينات من تبلور لقوى سياسية معارضة يسارية وقومية لعبت دوراً في فضح لعبة السلطة ودورها في تقويض المجتمع السوري والتي استطاعت سلطة النظام بحجة الإرهاب مستغلاً صراعه الدموي مع الجناح  الإسلامي الراديكالي لحركة الإخوان المسلمين في سحق تلك المعارضة وزجها في السجون لعشرات السنين وكان لانتصاره على التيار الإسلامي المعارض أن أخذ البلاد رهينة لقبضته الحديدية وامتد هذا حتى عام  2011 حين انتفض الشعب السوري في آذار الذي خرج إلى الشارع عار بدون أي قوى منظمة  تشكل له حاملاً وداعماً لأهدافه ومطالبه المحقة و مصوبة أهدافه .

في العودة  إلى الحامل الرئيسي المنظم للقوى الشعبية ألا وهو النقابات العمالية والمهنية  بالهيكلية التنظيمية لقيادتها المشكلة من حزب السلطة وأحزاب الجبهة التي شكلت مفاصلها من أصغر هيئة قيادية لها من المعمل إلى قمة الهرم بتعيينات أمنية بانتخابات صورية وغالبيتها تكون بالتزكية ، واذا بحثنا معمقاً عن أسباب غياب دور هذه النقابات في الثورة السورية نجد أنه :

  • وقوف أحزاب الجبهة ضد الثورة .
  • غياب نضالات الأحزاب المعارضة بالمطلق في قواعد تلك النقابات.
  • تشكل نقابات مهنية حرة ضد النقابات الموجودة على غرار تشكيل الجيش الحر مقابل الجيش السوري.
  • غياب أي مرجعية ثورية أو برنامج ثوري في الساحة لجر القواعد النقابية لتنتفض في مواقعها بحيث تسحب الشرعية من الهيئات القيادية التابعة للسلطة الأمنية للنظام.
  • رفض فكرة مأسسة الثورة من قبل الهيئات السياسية المعارضة ومن قبل الناشطين في الثورة لعدم خبرتهم وضحالة ثقافتهم السياسية والمجتمعية ، باعتقادهم بأن الشارع المنتفض قادر على إسقاط النظام دون الأخذ بعين الاعتبار دور القاعدة التي تشكّل قاعدة مؤسسات الدولة التي جهدت السلطة بقبضتها الأمنية لإخضاعها لطاعتها  .

وبهذا الأسباب مجتمعة لم تصل  إلى مرحلة المشاركة في الثورة السورية ولا حتى النخر في جسم هذه المؤسسات ، حيث اقتصر كل الجهد بعد أن تسلحت الثورة على نخر المؤسسة العسكرية عبر الانشقاقات لتشكيل جيش بديل ولم تنجح بذلك  .

ولا بدهنا من تسليط الضوء على عملين جريئين قامت بهما نقابتي المحاميين في مدينتي  السويداء والرقة بالاعتصام ضد العنف المفرط لسلطة النظام على الشعب  التي أستطاع النظام إجهاضها فوراً  إضافة لاعتصام عشرات المحاميين في دمشق في القصر العدلي  الذي تم تطويقه وتقويضه أيضاً. ويرجع ذلك الى غياب معارضة تعي وتدرك وتمسك باليات الصراع مع الاستبداد .

وفي الختام لابد من التذكير بالجهد الذي قامت به هيئة التنسيق العمالية التي تشكلت في سبتمبر 2011 من قلب المؤسسة العمالية – اتحاد عمال دمشق – وهي عبارة عن خلية عمالية من أعضاء مكاتب نقابات عمال دمشق حيث قامت بإصدار أربعة بيانات متتابعة  ورقيا وليس فيسبوكيا وكان كل بيان يتجاوز 2000 نسخة وتوزيعها بشكل سري بين العمال في معاملهم و وظائفهم وتسريبها من تحت أبواب المكاتب النقابية للهيئات القيادية مستنكرة  فيها دور النقابات المغاير لدورها المطلبي المستقل  وللدور القذر الذي تم فيه استخدام العمال لقمع المحتجين السلميين والذي يعد  انتهاكاً لوظيفتها ومهامها ودورها الموكل لها حسب اللوائح القانونية والنظم القواعدية لتشكلها في الدفاع عن مصالح أبناء الطبقة العاملة في تحقيق الرفاه الاقتصادي والمجتمعي  والتي لم ترى هذه الهيئة  النور فعلياً لملاحقة أعضائها أمنياً بسبب عددهم القليل والذي لم يتجاوز العشرة تنظيميا رغم تأييد غالبية قواعد النقابات لمضمون تلك البيانات التي استقبلوها بفرح مكبوت ، وغياب السند السياسي والمجتمعي الداعم لها من قلب الحراك واعتقال قسم منهم وهروب البعض والتخفّي ومن ثم مغادرة البلاد.

حيث شرحت هذه البيانات أهمية دور الحركة العمالية في دعم الثورة ومأسستها ومحاربة الدور الذي تفرضه الهيئات القيادية العمالية باستغلال العمال وبعض الموظفين كأدوات لقمع الثورة والتي جرّت البعثيين وقسما من الشيوعيين المحسوبين على الجبهة من العمال لأن يكونوا  أدوات للسلطة الأمنية  في قمع الجماهير المنتفضة وخاصة الطلبة  في الأشهر الأولى من الثورة، حين اسُتخدم العمال وخاصة عمال التنظيفات  بعد تحميلهم الهراوات والعصي الكهربائية  لضرب المحتجين السوريين وتفرقتهم ، ودخولهم الجامعات لقمع المظاهرات الطلابية ، والإبلاغ عن أسماء الرافضين  من العمال المشاركة في هذا العمل تحت التهديد بالطرد والفصل التعسفي من وظائفهم  وعملهم، اضافة الى دور النقابات السلبي والمتخاذل  في التوقيع على فصل العمال ممن تبين لهم مشاركته في الاحتجاجات والمظاهرات وفعلياً تم فصل  العمال المشاركين بالتظاهرات السلمية من وظائفهم  وأعمالهم ومحاربة كل من يتجرّأ على المشاركة في التظاهر بلقمة العيش اضافة الى تسليح بعض العمال في كل مؤسسة وتشغيلهم كحراسة للمنشآت تحت ذريعة التصدّي للارهابيين في بداية الثورة ولا ننسى هنا أن الاعتقالات طالت مئات العمال في بداية الثورة ولم تنبس النقابات ببنت شفه عن غيابهم عن أعمالهم بسبب الاعتقال بل اعتبرتهم خارجين عن القانون وباتوا في عداد المفصولين بسبب غيباهم عن العمل .

 

مرهف مينو – خاص أنا إنسان 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *