أخبار

حكايتي مع أثار قريتي التي سرقت … في وضح النهار

سماح الحسين – خاص ” أنا قصة إنسان ” 

تقع قرية الهويّا في الجنوب الشرقي للسويداء وتتميز بطبيعتها المدهشة من كهوف ومغاور طبيعية, ويعمل أغلب سكان هذه القرية في الزراعة وتربية المواشي وتربية الدواجن, حيث يبلغ عدد سكان القرية قرابة 5500 نسمة حسب آخر احصائيات ويتميزون بتكاتفهم وتلاحمهم مع بعضهم البعض في كل المناسبات, وتتمتع قرية الهويا بتواجد الكثير من الأثار والأوابد التي تعود الى حقب زمنية غابرة في القدم .

أنا نايف.ع من قرية الهويّا, مواليد ال1988, عشت في القرية طوال مرحلة طفولتي ومراهقتي, هذه القرية التي لا تنتهي خباياها وأسرارها, ولا ينتهي الحديث عن جمالها, وأهميتها, والعصور التي مرت بها.

مذ كنت صغيراً لطالما سمعت عن خرافات هذه القرية وأحجياتها من كبارها, ولا يمكن أن أنسى ذلك الرجل العجوز الذي قال لي يوماً: الهويّا كنزٌ مردوم بقرية .

الهويّا كان اسمها المشرفة, عن مملكة المشرفة التي وجدت في العصر الروماني, فيها تلّتين, تل يسمى تل العقرب أوالحصن, هو تل بركاني صخري, مليء بالكهوف منها من صنع الإنسان ومنها طبيعية. أما التل الآخر ترابي ..

أثار 1في أسفل تل الحصن كان يوجد كنيسة بيزنطية قديمة أثرية, أذكر جيداً في إحدى الأيام حين كنت صغيراً عندما أتى للقرية وفد فرنسي برفقة أشخاص من وزارة السياحة السورية,كنا نراقبهم ونلاحقهم أنا وأصدقائي دائماً, فتبعناهم في إحدى المرات للكنيسة ورأيناهم يخرجون تمثال كبير لمريم العذراء وصليب ضخم من الذهب, وبعدها قاموا بطمس ملامح الكنيسة وأصبحت شبه مردومة ..

زار الوفد الفرنسي كل البيوت القديمة والمغاور, لكنهم ركّزوا على دار كبير لعائلة “طليعة”, وهو سجن روماني قديم فيه الكثير من الأعمدة المتقاطعة موجود حتى يومنا هذا.

أما في وسط البلدة فكان يوجد جامع أثري, فيه قبة وقناطر, أصبح الآن منزل يقطنه أحد أهالي القرية بعدما قاموا بإزالة القبة عنه.

ويوجد أيضاً كنيسين يهوديين ضمن المغاور الموجودة في القرية, أصبحتا شبه مهدمتين, بعد محاولات كثيرة من قبل أهل البلدة وغيرهم في البحث عن الآثار والكنوز, لم يستطيعوا الحصول منها إلا على حجارة أثرية منحوتة بالعبرية, زينوا بها بيوتهم وحدائقهم.

أما عن منزلنا الكائن في وسط قرية الهويّا فيوجد في أسفله مغارة تنزل إليها عبر 23 درجة متناسقة, بابها حجري, وعليه كتابة بالعبرية, فيها صخور كرماخ طبيعية, وثلاثة سراديب:

اثار 2السرداب الأول : متجه نحو دار جارنا من عائلة خضير, يسكنه رجل لا يسمح لأحد بالدخول للمكان ويضع أبواب حديدية وأقفال, وهو منزل قديم تحت الأرض, قررت يوماً أنا وصديقي الدخول إليه خلسة في إحدى ليالي الشتاء الباردة, واتجهنا للمنزل واجهنا مشكلة في فتح الباب فقمنا بخلع القفل بالمطرقة, ودخلنا المكان, مشينا في سرداب ضخم مليئ بالغرف والآثار القديمة, مساحته كبيرة جداً شعرنا وكأننا في قرية ثانية تحت الأرض, مشينا مسافات طويلة, وجدنا غرفة بابها حجر مظلمة لا يمكن الرؤية فيها حتى مع تسليط الضوء عليها يبقى المكان معتم وسواده كالح, أصابنا الخوف, ولم نتجراً الدخول, تابعنا المشي وكنا مذهولين بالأشياء الموجودة, من عجلات لعربات قديمة وأبواب حديدية وخشبية ضخمة, بطول 3 أمتار تقريباً, والجدران والأسقف الغريبة الشكل التي لم نرى مثلها أبداً, بعدما تملكنا الخوف من المكان المهجور خرجنا مسرعين, نادمين أننا لم نأخذ معنا هواتفنا المحمولة لتصوير المكان, حينها تأكدنا من المقولات التي يتداولها أهل البلدة حول وجود قرية تحت قريتنا الهويّا.

السرداب الثاني: متجه نحو التل إلى مغارة تحت دار كبير لعائلة الشعشاع قد زرتها مرة, مؤلفة من ثلاث طوابق, اثنان منهم تحت الأرض, وهو بناء روماني قديم شبه مهدوم.

أثار 4السرداب الأخير باتجاه دار لعائلة الأطرش دخلناها إحدى المرات, فيها مغارتين, إحداهما مغلقة بالحجارة, قاموا أهل البيت بإغلاقها بعدما  استخرجوا منها المغاربة الذهب كما يقال, فلحقت لعنة بأبناء البيت “سمر” التي توفت و “حمد” الذي أصبح مجنوناً ومازال على قيد الحياة, والملفت في منزل الأطرش أنه يوجد فيه صخرة سوداء ضخمة جداً طولها 11 متراً .

من مغارة بيت الأطرش تدخل لكهف كبير فيه بير ماء, ويقال أنه فيه ذهب مدفون لكن لم يستطع أحد الوصول إليه خوفاً من ما يذكر حول تعويذة و رصد في المكان.

بدأنا أنا وأصدقائي بالتنقيب والبحث على الكنوز والآثار في سن ال15 من عمرنا علّنا نجد ذهب أو أشياء ثمينة نستطيع بيعها,  بداية كنا مجموعة صغيرة, مؤلفة من ثلاثة أشخاص, عملنا على استكشاف إحداثيات القرية وطبيعتها, لكن صغر سننا وعدم خبرتنا في التنقيب أو البحث لم يمكّننا من إيجاد شيء, ومع مرور أربعة أعوام تقريباً, تعرّفت على شخص يدعى “أبو الطماير” الذي تسمى بهذا الاسم لشهرته في البحث عن الكنوز الدفينة, فقمنا بتشكيل مجموعة مؤلفة من 6 أشخاص, وبدأنا بالتقصي حول كيفية التنقيب عن الذهب والكنوز الأثرية المدفونة واستخرجها, بقيادة “أبو شاكر” الخمسيني, من درعا لكنه يقطن في السويداء,كان يعمل في البناء والحجر, ولديه معرفة واسعة حول طبيعة المنطقة وجغرافيتها, ومعلومات كثيرة عن طبيعة الأتربة والحجار والصخور الموجودة في القرية, حدّثنا عن مشاركاته للوفود التي زارت القرية ونقّبت فيها وأكّد لنا أن أحد الوفود التي عمل معها بالبحث عن الكنوز, وهو وفد تابع لأحد المسؤولين الكبار في الدولة السورية كانوا يخرجون الذهب والآثار الثمينة المدفونة ومن ثم يردمون المكان الأثري,رغم كل ما حصلوا عليه من كنوز وذهب لكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى ما يسمى ب”خزنة المشرفة” الموجود في البلدة كما يقال, هذه الخزنة التي أصبحت إحدى الخرافات الحقيقية, والموجودة في التل, على منحدر, يوجد معبد ديني يتبع للطائفة الدرزية اسمه الشيخ حمزة إبن علي قديم جداً وكبير ويعد من بقايا الحضارة الرومانية, مبني على صخرة, يقال أنه عندما تصبح الشمس عامودية عليها, يظهر بريق ذهب, إذا دققت النظر بها. لم يستطيع أحد التنقيب في هذه المكان, لإنه مكان ديني مقدس لدى الطائفة الدرزية ومنعوا أهل البلدة هذا الوفد من التنقيب والبحث في المكان.

بجانب هذا المعبد, منزل جدّي القديم, وإذا زرت المكان سترى الأرض محفورة حفر عشوائية والجدران مهشمة, وهي الآثار التي تركها أشخاص حاولوا الدخول إليها والتنقيب بها, سمعنا كثيراً عن مغاربة كانوا يأتون إلى سورية للبحث والتنقيب في بلدتنا الهويّا لغناها الأثري و الحضاري, وأخبرنا أحد أقربائنا أنه أتى مغربي و3 أشخاص معروفين من البلدة لبيت جدي ودخلوا إلى المغارة الموجودة فيه واستطاعوا إخراج جرّة فيها ليرات ذهب, لكنه قام بتنييم كل من معه وفر إلى بلاد المغرب.

أثار 3عملنا بداية بشكل عشوائي, كنا نذهب كل مرة لموقع جديد نبحث فيه وننقب عن الدلائل التي ترمز على وجود الكنوز المدفونة, بدأنا العمل في موقع نبعة ماء تسمى “حبكي” يقال أنها مملكة قديمة مليئة بالكنوز والآثار, وجدنا فيها صخرة كبيرة دائرية الشكل, تسمى خشعة, فيها رموز على شكل أجران, والأجران حسب ما أخبرنا “أبو شاكر” دليل لوجود الذهب في المكان, فتتبعنا أعشاش للنمل الكبير لأن النمل يدل على وجود فراغات تحت الأرض, حفرنا كثيراً حتى وجدنا آثار لعربة قديمة من قطع حديدية وإطارات عجلات وحدوات أحصنة, وفشلنا في إيجاد أي شيء يؤكد وجود ذهب أو قطع ثمينة, فردمنا المكان, وانتقلنا للعمل بأحد المغاور الموجودة في القرية, حيث وجدنا رموز منقوشة على صخرة تشير لوجود شيء ما في المغارة, فبدأنا بالحفر في المكان الذي دلنا عليه “أبو شاكر” حسب حساباته أنه فيه الذهب, حفرنا أول مترين حجارة وتراب, ثم بدأ يظهر رمل ناعم لونه أسود يشبه الرماد, يشير هذا النوع من الرمل على وجود دفين في المكان, بعدها وجدنا ردم, وفي آخر طبقة من الأرض وصلناها حجارة مرصوصة بدأنا نزيلها بأيدينا لأنه لا يمكن كسرها, عندها قال لنا أبو شاكر أن الكنز حتماً موجود وبتنا نصل إليه, ثم وجدنا حجر كبير دائري وكأنه غطاء, لكننا خفنا فتحه لأن الغازات المحبوسة فيه سامة وقد تقتلنا لو استنشقناها, فقررنا أن نزيحه قليلاً حتى تخرج منه الغازات, حاولنا بكل الأدوات البدائية التي كانت بحوزتنا, ولم نتمكن منه, فحفرنا محيطه أكثر وجدنا أنه باب لمغارة, عليه مادة حسب ما أخبرنا أبو شاكر تدعى “طينة الحكمة” وهي مادة قوية جداً من الصعب إزالتها, كان يستخدمها الرومان بإغلاق المغاور بالحجارة والصخور وتثبيتها بها, مساحة الحفرة لم تكن كافية لإزاحة الحجر, فحفرنا  حفرة ثانية كبيرة, وعزلنا حول الحجر الكبير, حاولنا بشتى الطرق إزاحته لم نستطيع, ففقدنا الأمل وقررنا أن نردم المكان ونتركه بعدما فشلنا في الوصول للكهف وما فيه, أما في الجهة الشرقية للقرية يوجد مكان فيه الكثير من الحجارة, فأخبرنا أبو شاكر أنها مغارة, وبدأنا نزيل الحجارة ونحفر حتى وصلنا لصخرتين, إحداهما مثلثة الشكل محفور عليها رمزين على شكل سهم, تشيران إلى اتجاه وجود الدفين,والأخرى مربّعة, بينهم حجر, لكن أبو شاكر لم يستطع تحديد مقاسات وجود الدفينة فلم نكمل العمل في المكان, فانتقلنا إلى مكان في القرية فيه حجارة مرصوصة تسمى “رجمة حجارة” وقال لنا أبو شاكر أنه دليل على وجود قبر في المكان, فأزلنا الحجارة وحفرنا لنجد أربعة حجارة كبيرة مصفوصة بجانب بعضها البعض, حفرنا متران تحت الأرض لنصل لنهاية القبر ولم نصل, قررنا حينها أن نحاول إزاحة الحجارة الكبيرة, لكن باءت محاولاتنا بالفشل, فردمنا المكان, وما زلت حتى الآن أحاول الوصول لشخص يمكنه أن يجد طريقة لفتحه.

بعدها أكثر الأشياء التي أذهلتني, عندما وجدت جحر صغير جداً لا يتسع إلا لشخص واحد, فيه جدار عامودي الشكل, وصخرة طبيعية أخرى, على الصخرة إشارات ورموز كثيرة من أسهم وهلالات و أجران و نجوم رباعية وثلاثية وصلبان, أخبرنا “أبو شاكر” عن هذا المكان فقال لنا أنها خريطة تشير على اتجاه وادي قيسمة, وهو وادي قديم تجري فيه المياه من سد زريق,وصولاً للأردن, فيه مغاور ودور قديمة وآثار رومانية يسموه أهل القرية وادي الذهب لكثرة المقولات أنه مليئ بالكنوز الدفينة, لكن عوامل الطبيعة أخفت هذه الكنوز والدلائل عليها والناس التي حاولت التنقيب عن الكنوز بشكل خاطئ قد خربت المكان وغيرت معالمه, فقال أبو شاكر لا يمكن تحديد الخريطة التي وجدناها على الواقع فمعالم المكان تغيرت كثيراً.

الحجر الأحمر المزيف:

وفي إحدى الأيام حدثت معنا قصة لا يمكن أن أنساها, عندما وجدنا حجر في إحدى القبور اليهودية, بحجم بيضة الإوزة, شفاف يوجد فيه مادة كالماء, يشبه ما يقال عن الزئبق الأحمر الثمين, خبأناه جيداً وعندها بدأنا بالمساومة أنا وصديقي “أبو الطماير” باحثين عن من يشتري هذا الحجر الثمين, فتوصلنا إلى أحد الأشخاص في القرية المجاورة يمكنه مساعدتنا في بيعه, حينها تواصل مع أحدهم من خارج حدود الدولة, ليعقد صفقة بيع الحجر, ومضى أيام على وصول الزبون من الخارج, وعندها وصل القرية بدون موعد متفق عليه,  فالتقيناه وهو شخص أجنبي لا يتكلم العربية, جاء بسيارته البسيطة جداً, وعرضوا علينا حقيبة مليئة بالدولارات حتى لا نبيع الحجر لغيره, وأيضاً كان يحمل جهاز بحجم صندوق صغير, لفحص الحجر, وبعدما قام بفحصه وجدنا أنه حجر من الزئبق الأبيض, الذي لا قيمة له, بعدها تحدث إلينا وأخبرنا أن مديره سعيد جداً أننا نقوم بهذا العمل, كما قام أحد الشباب بتقديم الأحجار الكريمة المنقوشة التي وجدت مع حجر الزئبق, فرماها برميها وقال أنها ليست قيّمة, وأعطانا 60000 ليرة سورية, لكل شخص منا 10 آلاف .

هذه ال 10 آلاف ليرة سورية كانت غنيمتنا الوحيدة من كل ما قمنا به من محاولات تنقيب وبحث عن الكنوز والذهب.

وبقيت معنا ذكريات وأيام لا تنسى, عن مغامرات خضناها في محاولة حل أحجيات هذه القرية, وسرّها الكبير, نرويها الآن للعالم ونحدّثهم عن قرية منسيّة, فيها حضارات .. وكنوز .. وآثار .. وشعوب .. طُمّست , دون أن يعلم بها أحد .

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *