أخبار

حكايتي مع كوباني … وحرب الايام الصعبة

لافا خالد – خاص ” أنا قصة إنسان “

كوباني المدينة المتميزة بكل شيء والتي أصبحت أيقونة ضد الإرهاب، في هذه المدينة الوادعة التي عانت الظلم والتهميش أبصرت النور “كاتب هذه السطور مصطفى عبدي”.

941225_460599947366019_1460324352_n (الظلاميين الدواعش، تركيا، النظام، والمعارضة السورية)، الكل يحارب على امتداد جغرافيا مدينتي، الكل له أهداف وغايات مغايرة لتلك التي يريدها أبناء المدينة الكرد الأصلاء هناك، حتى اسم المدينة يعربونها، الى ” عين العرب” وهي المدينة التي لا عين فيها ولا عرب.

دبابات، مدافع، قصف جوي، سيارات مفخخة، اشتباكات… كل أسلحة العالم وجيوشه اجتمعوا على كوباني، الحرب فيها لم تبدأ فجأة، فقد سبقها عامان من الحصار الطويل والاعتقالات، حصار شمل حتى حليب الاطفال والدواء، ورغم ذلك كان أهلها يفضلون البقاء والمقاومة على النزوح عنها، ولكن ما حدث في 14/9/2014 كان مختلفاً، فتنظيم داعش حشد كل سلاحه الثقيل الذي غنمه في الرقة ومطار الطبقة ووجهه إلى صدر كوباني، كما وحشد عشرات الآلاف من مقاتليه بتهديد حرق كوباني، وذبح اهلها، والصلاة في جوامعها، وهو التهديد الذي كانت جبهة النصرة ترسله أيضا، وقبلها الجيش الحر.

غادر الناس على عجل، تاركين ورائهم كل شيء وهم يحاولون النجاة بأرواح أطفالهم والنساء، وداعش يمطر المدينة المنزوية والبعيدة في أقصى الشمال بالمئات من القذائف يومياً، وهو يتقدم ويحرق كل ما يصادفه، ومع نهاية الشهر التاسع أصبحت المدينة خالية تماماً من المدنيين، وتحولت لمنطقة عسكرية كاملة، لتبدأ فيها حرب شوارع طويلة.

مدن كثيرة كانت هدفاً لتنظيم داعش قبل كوباني، تلك المدن كانت تستقبلهم بالذبائح والحفلات، لكن حرب كوباني كانت بنكهة مختلفة تماماً، نعم… لقد أصبحت كوباني أول مدينة سورية ترفض احتضان داعش، حينما قرر أهلها ترك قراهم ومنازلهم والنزوح باتجاه الحديد، وكانت أول مدينة يقسم ابنائها المقاتلون على الصمود فيها حتى آخر طلقة، وآخر مقاتل، وهذا ما حدث بالفعل.

12019787_866519273463098_5953949581437312001_nنعم… فقد أثبت مقاتلوها الذين أصبحوا رمزاً عالمياً للمقاومة أنهم لن يتركوا مدينتهم رغم أنهم تراجعوا لآخر خطوط الدفاع، وهو ما فرض على المجتمع الدولي والتحالف الذي تقوده أمريكا أن يتدخلا لمساعدتهم بعد أن انتشرت اسطورة المقاومة في الفضائيات، وبعد أن تحولت شوارع أوروبا لساحات تظاهر لم تتوقف وهم يطالبون بدعم شباب وبنات كوباني، وفك الحصار المفروض عليهم من قبل تركيا.

بالفعل تدخل التحالف الدولي في اللحظات الاخيرة، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة مختلفة كلياً، مرحلة انكسار هيبة داعش، وقوته، معلنة بدء حرب تحرير كوباني شارعاً بشارع، ولم تتوقف لتمتد إلى تل أبيض، ومنها إلى سلوم، وجبل عبد العزيز، ومبروكة والشدادي، فكانت هزيمة التنظيم في كوباني هي بداية لهزيمته في سوريا كلها.

مصطفى عبدي أضاف معرجاً على حياته الإعلامية التي بدأت قبل اندلاع الثورة بعقد:” كانت لي تجارب في العمل الاعلامي منذ العام 2004 حينها كنا طلبة في جامعة دمشق وتعاونت مع مجموعة أصدقاء في تأسيس جريدة ثقافية /جراخ/ وإصدار ثلاث أعداد منها باللغة العربية والكردية، ولاحقاً توقفنا عن النشر بسبب مضايقات أمنية أفضت لاعتقالي، لأنتقل في العمل إلى النشر بأسماء مستعارة في عدة مواقع الكترونية منها / سما كرد/، وبعدها قمت بالتعاون مع عدد من الاصدقاء منهم / صالح حبش، صلاح مسلم، مروان اسماعيل/ بإطلاق منتدى ثقافي الكتروني / منتدى شباب كوباني / عام 2006 ليصبح اول نافذة إعلامية، وثقافية فتحت لأبناء كوباني حرية التسجيل في الموقع، والكتابة ونشر الأفكار بدون رقابة.

مع انطلاقة الثورة، ساعدت التنسيقات الشبابية في مجال الإعلام والنشر الالكتروني والبث المباشر، لم أكن أمتلك مالاً لأقوم بتصميم وشراء موقع الكتروني، لذا اعتمدت على نفسي واستفدت من الانترنت في تعلم لغات البرمجة والتصميم حتى اتقنتها، ولأقوم بعد ذلك بتصميم وإطلاق موقع الكتروني / كوباني كرد/ في العام 2011، كأول موقع كردي من داخل المدينة يهتم بنشر أخبار الناس، ويكون صدى لتطلعاتهم.

11693812_904953772916710_4990101965396592417_nأسست أيضا أول إذاعة مجتمعية/ راديو في كوباني وذلك قبل الحرب بشهرين، وتركت العمل فيها لاحقاً، لأتحول إلى العمل مع الإذاعات الدولية، وتفعيل بث عدد منها في كوباني، حالياً لا أعمل مع أية جهات إأعلامية، ولا أتقاضى أي راتب من عملي الإعلامي، وإنما بدأت العمل مؤخراً مع منظمة CFS التي تهتم بشؤون منظمات المجتمع المدني في سوريا.

عشت ثلاثة تجارب اعتقال بسبب عملي الإعلامي، اعتقلت عند النظام السوري في العام 2004، وعند فصائل عسكرية قالت إنها من الجيش الحر في العام 2012، ومن قبل PYD في العام 2013، والاعتقال الأخير كان أحد الأسباب في أن أفكر في اعتزال العمل الإعلامي، كوني تعرضت أيضا لتهديدات شملت عائلتي، وبالفعل اعتزلت الإعلام لفترة ولكن مع حرب داعش الكبرى على كوباني تراجعت عن القرار، خاصة مع نقص التغطية الإعلامية للحرب من الداخل.

كانت كوباني تعيش تعتيماً إعلامياً قبل الحرب واثناءها، حملت كاميرتي الصغيرة وبدأت أوثق موجات النزوح، كنت مع المقاتلين، نقلت رسائلهم إلى العالم وضرورة مساعدتهم ودعمهم بالسلاح ومساعدتهم للوقوف في وجه الإرهاب. بقيت متواصلاً مع العشرات بل المئات من وسائل الإعلام والوكالات العالمية.

في كثير من الأوقات كان يصعب عليّ التوفيق في الرد على كل الجهات الإعلامية، لقد كانت أياماً عصيبة جداً وصعبة، وكانت الحرب الإعلامية فيها جزءاً مكملاً من حرب الدفاع عن المدينة.

اعتمدت الموضوعية قدر الإمكان، وتجنب نشر الأخبار غير الصحيحة، وهو ما ساعدني لأكسب مصداقية غالب وسائل الإعلام، الذين كانوا يتواصلون معي عبر الهاتف بداية، والتقيت بغالبهم لاحقاً في كوباني أو في مدينة سروج التركية المتاخمة لكوباني.

في الحرب، كانت الأخبار كثيرة، متعددة، وكانت الإشاعات أكثر، كنا نمضي وقتاً إضافياً لنفي تلك الإشاعات التي كانت أيضا جزءاً من الحرب الإعلامية، وهنا برزت مع مجموعة من الأصدقاء منهم جاك شاهين، مروان اسماعيل، شمس شاهين، والراحل نزار مصطفى، صدر الدين كنو، وزكريا مصطفى ، حيث بدأنا نهتم في النشر بلغات أجنبية، وفي تويتر ضمن فكرة الحرب الإعلامية حيث كان داعش أيضا ينشط فيها، واستطعنا الوصول لدرجات متقدمة في حربنا المستجدة في تحديد أمكان بعض المجموعات ليتم استهدافها، أو للكشف عن أن داعش بدأ بحفر الحنادق او بتحليل الفيديوهات التي كان ينشرها وتحديد المواقع بدقة.

كل ذلك الظهور كان له بالمقابل ثمنه، فقد تعرضت عائلتي للتهديد مراراً أثناء تواجدي في كوباني، ولاحقاً أيضا كان هنالك خوف كبير دائم يرافقني، لقد ارتبط اسمي بمعركة كوباني، وبالتالي بت هدفاً للتنظيم.

قبل فترة قصيرة، بدأت داعش حملة لاستهدافي من خلال الـ / تلغرام، الهاتف، الواتس اب/ ووصلتي العشرات من التهديدات، وتم نشر صورتي مذبوحاً في صفحات تقول أنّها تابعة لوكالة أعماق/، الأرقام التي كانت تتصل بي نشرتها في صفحتي، غالبها كان ماليزياً، ومن لبنان، ومن تركيا، ومن الخطوط السورية، وهو ما دفع فريق أنيموس لإبلاغي بضرورة أن أغير مكان انتقالي وأن أختفي عن الظهور لفترة، كما وأني حصلت على حق الحماية من وزارة الداخلية الفرنسية بتاريخ 20 شباط 2016.

الإعلامي دائماً مستهدف من قبل جميع الأطراف المتصارعة في سوريا، حتى من قبل الأطراف السياسية، للأسف فكلهم يعتبروننا أعداء لأننا ننتقد ونظهر أخطائهم، وهي مشكلة كبيرة نعيشها، فالغالبية لا تستطع استيعاب الإعلام الحر، بل وتحاربه، وذلك نابع من عقليتها المشبعة بالإعلام المؤدلج، الذي يلتزم بسياسة المديح والقفز على الأخطاء.

حاولت قدر المستطاع أن أمنح مدينتي التي تحرقها الحرب حقها، كواجب أخلاقي، لم أرهن عملي يوماً بالمال، وسعيت قدر الإمكان لتقديم ما أستطيع، والتزامي ليس بأي حزب، بقدر ما هو التزام بقضيتي الكردية في سوريا، ليتمكن الشعب الكردي من الوصول لضمان كامل حقوقه.

كم كان صعباً عليَّ وداعي لخيرة شباب وبنات كوباني على الجبهات، وهم الذين كانوا قبل سنة أعضاء في فرق فنية وثقافية ومسرحية، وطلاب علم.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *