أخبار

خطوة بين حيّين

حسن عبد الرحيم

متناثرون على الشاطئ بانتظار البلم . يقترب من الماء يحدق في تقدم الامواج وتراجعها .. والتوتر قد نال منه ما نال .. ثم يستدير ويجيل بصره بين المجموعات الجالسة على الشاطئ ليتغلب على توتره . هناك شاب ومعه صبية يتحسسان ستر النجاة لطفلين معهما .. لابد انهما عائلة.

على بعد خطوات رجال اربعينيون يتحدثون بصوت منخفض و بعدها مجموعة ثانية وثالثة وووو يهم ان يقترب منهم لكنه يتراجع خجلا يكمل سيره ليبتعد عنهم قليلا .. تأخر المهرب و يبدو ستتأجل الرحلة لليلة الغد قبل ان يعود باتجاه شركاء الرحيل انتبه لجسد مستلق وحيدا اقترب منه فنهض الشاب وسأله هل فشلت المحاولة الليلة ؟ كان ينتظر ان يبادره احد بالحديث وتحقق ما ينتظر شاب من عمره على مشارف الثلاثين وتشي لهجته انه ابن مدينته.

اجابه : لا اعلم .. ننتظر البلم لم ينتظر ان يدعوه الشاب وجلس مقابله انتظر ان يبادره الشاب بحديث ما لكن الشاب كان ينظر باتجاه البحر وكأنه لا يرى سوى الماء سأله عن بلده فتأكد مما يتوقع.. هو ابن مدينته .. ابن دمشق اخيرا وجد من يستأنس به.

مجرد الحديث لشخص في رحلة الى المجهول يزيل التوتر بدأ يروي للشاب سبب رحيله : .. انا حسام .. لقد طلبوني للاحتياط ولا اريد ان اموت بهذه الحرب القذرة 4 سنوات منذ بدأت ولم اتخذ منها موقفا . لست مع النظام ولا مع المسلحين . كلاهما على غلط.

يا رجل الطرفان مجرمين .. بل كل الاطراف انتهيت من دراستي في كلية التجارة و انهيت خدمتي العسكرية و كنت اعمل مع ابي في تجارته.. ابي يملك محلا معتبرا في احد اهم اسواق دمشق القديمة الحمد لله انه منعني من المشاركة في المظاهرات . ربما لو اني خرجت فيها .. ربما كنت اليوم متورطا في هذه الحرب.

لاحظ ان الشاب يستمع لحديثه و كانه يسمع النشرة الجوية الروتينية.. لكنه يرتاح بالحديث .. فصمت قليلا منتظرا ان يبادله “رفيق الرحلة” الحديث خاب امله.. اكمل : في السنة الاخيرة كان قلبي يتقطع وانا ارى من بلكون بيتي في الطابق الاخير القصف الذي يتعرض له الحي الشرقي.. يا الله على وحشية القصف .. يا رجل عمارات كاملة اصبحت كتل ركام.

لكن ماذا افعل !!هو قدرهم وليس باستطاعتي فعل شيء لكنني لن اكون حطبا في هذه الحرب .. دفع ابي مبلغا طائلاً ليهرّبني باتجاه تركيا ومنها لاي بلد في اوربا .. المهم الا اموت في هذه المحرقة.

طوال حديثه لم يصدر عن الشاب اي كلمة فقط حرك وجهه قليلا عن البجر باتجاهه اكمل : انا اكبر اخوتي .. الاصغر مني طلاب جامعة وثانوي وساسعى لان يلحقوا بي .. هكذا اوصاني ابي .. صعب علي فراقهم لكن الهروب والفراق افضل من الموت العبثي من شهرين كنت على البلكون عندما قصفت الطائرة العمارة التي بجانب كازية الامان.. يا لطيف .. الطوابق الخمسة تهاوت فوق بعضها .. لم ينجل الدخان الا وكانت مجرد ركام يقال انه قتل تحتها اكثر من عشرين انسانا .. الم تسمع بها؟ .. اكمل الشاب ادارة وجهه نحو حسام صمت دقيقة واجابه : سمعت بها وتركت بقبوها حاسة السمع باذني اليسرى .. وتركت ايضا امي و اخوتي الاثنين في القبو تحت انقاض طوابقها الخمسة

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *