أخبار

خيم مهترئة وإهمال كبير لواقع السوريين في الشمال

يعيش حوالي مليون نازح في مخيمات الشمال السوري المحرر حالةً من القلق والمعاناة والتخبّط مع اقتراب فصل الشتاء، ففي كل عام تزداد مآسي النازحين مع تساقط الأمطار الغزيرة وتشكّل السيول التي تجرف خيامهم، فضلاً عن معاناتهم من البرد القارس مع غياب مصادر التدفئة، وسط حضورٍ خجولٍ للمنظمات، فكيف سيكون شتاء النازحين هذا العام؟

مخيمات عشوائية

فريق “منسقو استجابة سوريا” أحصى وجود (962,392) نازحاً ضمن المخيمات الأساسية والعشوائية ومراكز الإيواء وبعض الأبنية الغير مكتملة البناء في محافظة ادلب، وتعد منطقة حارم أكثر المناطق التي تضم نازحين، حيث يقطن فيها 635187)) نازحاً، بسبب قرب تلك المنطقة من الحدود السورية التركية، ويقيم معظم السكان في خيمٍ قديمةٍ مهترئةٍ لا تقاوم الأمطار والعواصف ولا تقي برد الشتاء أو حر الصيف.

وتعتبر المخيمات ومركز الإيواء المقامة في الشمال السوري عموماً ومخيمات منطقة حارم خصوصاً، من أكثر المخيمات التي تحوي خيم غير مؤهلة فعلياً للسكن وخاصةً خلال فترة الشتاء، لذلك تم اللجوء في بعض المخيمات إلى الاستغناء عن الخيام والتحوّل إلى بناء غرفٍ اسمنتيةٍ للحد من كوارث فصل الشتاء، حيث وصل عدد الغرف المقامة ضمن المخيمات إلى (11211) غرفة ضمن تجمعات قاح وسرمدا والكرامة والرحمة وأطمه التابعة لمنطقة حارم، وفق ما ذكر فريق “منسقو استجابة سوريا”.

وقال مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” محمد حلاج لموقع أنا انسان: إن “اقبال بعض سكان المخيمات على بناء الغرف يعود لعدم قيام الجهات الفاعلة في معظم المخيمات بأعمال الصيانة الدورية للخيم وتبديل التالف منها، كما توجد العديد من الكرافانات المسبقة الصنع والجاهزة للسكن في بعض المخيمات، إلا أن العدد الأكبر من النازحين يقطنون في خيمٍ مهترئة، وبالتالي يعانون من مشكلاتٍ عديدة”.

غرف حجرية لإنهاء مأساة الشتاء

غياب المساعدات والدعم من قبل الكثير من المنظمات، دفع بعض الأفراد الى إطلاق مبادراتٍ لدعم النازحين، وحول ذلك قال رئيس “رابطة مهجري حمص بالشمال السوري” غيلان الأتاسي: “في ظل معاناة كثيرٍ من النازحين والمهجّرين المقيمين في الخيم التي لا تقي من برد الشتاء وحر الصيف، اقترحت فكرة تساعد النازحين في التخلص من تلك المشاكل، عبر بناء غرفٍ حجرية بدل الخيم بكلفة لا تزيد كثيراً عن كلفة الخيمة”.

المشروع عبارة عن بناء غرف (هنغارات) على شكل نصف دائري بطول 6 أمتار وعرض 4 أمتار، حيث يتم في البداية بناء أرضية اسمنتية بارتفاع 15سم، ومن ثم انشاء أقواس حديدية، وبعد ذلك بناء قطع حجرية (خفان)، ويتضمن المشروع انشاء كل سبع غرف بجانب بعضها البعض، ويكون هناك فراغ 3 أمتار بين كل غرفتين، بحيث يمكن الاستفادة منها وبناء حمام أو تواليت مشترك، من خلال فتح باب من داخل الغرفة الى الحمام مباشرةً.

ويتطلب بناء الغرفة الواحدة 1200 حجر خفّان (بلوكة) بسعر 120 ألف ليرة سورية (200 دولار)، و20 كيس اسمنت بـ 30 ألف ليرة ( 50 دولار)، وقلّاب رمل بـ 15 ألف ليرة( 25دولار)، إضافةً الى أجرة العامل 65 ألف ليرة (110 دولار)، ما يعني أن كلفة بناء الغرفة الواحدة يبلغ 230 ألف ليرة (380 دولار)، بينما تصل كلفة الخيمة ما بين (150 – 200) ألف ليرة (250 – 330 دولار).

وأوضح الأتاسي لموقع أنا انسان أن فكرة الغرفة أفضل للنازحين من حيث الكلفة ومقاومة السيول والأمطار، إضافةً إلى أنها تؤمن دفء أكثر مقارنةً بالخيمة، وخاصةً أن تصميم هذه الغرفة على شكل نصف دائري، يساهم في توزيع الهواء الساخن في كامل الغرفة ولا يبقى في الأعلى فقط، ما يُوفّر نفقات أكثر على النازح، كونه سيكتفي بتشغيل المدفأة عدة ساعات فقط، بينما يضطر قاطنو الخيمة لتشغيل المدفأة فيها بشكلٍ مستمرٍ لإبقائها دافئة.

وأضاف الأتاسي: “الغرفة الحجرية تعتبر أفضل كذلك من البيوت الطينية، والتي تحتاج لترميم بشكلٍ دائم، كما أن تلك الغرفة تعتبر أكثر أمناً كونها مدعّمة بأقواسٍ حديدية، وعُرضت على مهندسين وتأكدوا من سلامتها، وتم بناء حوالي 25 غرفة في مخيمات اطمة كمرحلةٍ تجريبية، لكن اكمال المشروع يحتاج لدعمٍ كبير، علماً أن المشروع عام وليس خاص أو ربحي، وطرحنا فكرته على الائتلاف والحكومة التركية وبعض المنظمات لكن لم نتلقَ حتى الآن أي رد”.

مشروع بيوت مجانية لــ 15 ألف نازح

بدوره أعلن أحد أبناء مدينة الباب بريف حلب بسام حجي مصطفى، تبرعه بقطعة أرض شمال الباب ورثها عن أبيه تبلغ مساحتها 20 هكتار، ودعا المنظمات لاستثمار تلك المساحة، لإقامة مخيمات ومنشآت لإيواء النازحين من أجل وقف مأساة النزوح والتشرد في العراء ولاسيما مع اقتراب فصل الشتاء.

وقال حجي مصطفى: “المشروع تطوعي وليس ربحي لدعم النازحين، وتلقيت أصداءً ايجابية، حيث تواصلت معي بعض المنظمات وعرضت بناء 400 بيت، وهناك أفراد تبرعوا بإنشاء بيت أو أكثر على نفقتهم الخاصة، لكن مساحة الأرض التي تبرعت بها كبيرة تستوعب بين 2000 – 3000 شقة، ويمكن تقسيمها الى قطاعات صغيرة مساحة كل قطاع 75 متر مربع، ولو افترضنا أن كل شقة تستوعب خمسة أشخاص، فإن الأرض يمكن أن تأوي 15 ألف نازح ومهجّر”.

وأضاف حجي مصطفى “في حال تأمين دعم لبناء ألف بيت، سنقوم بتشكيل لجنة والبدء بالعمل، ومن ثم يبقى الباب مفتوحاً لتأمين الدعم لباقي المساحة، علماً أن اللجنة ستتضمن ممثلين عن الجهات الداعمة ومهندسين وممثلين عن إدارات شؤون النازحين كي يتولوا اختيار المستحقين، كما سيكون هناك لجنة قانونية لتعمل على تقديم أوراق تمليك، بحيث تصبح تلك البيوت التي سيقيم فيها النازحون ملكاً لهم، فأنا متبرع نهائي وليس مؤقت”.

الأرض التي سيُقام عليها المشروع تقع على طريق عام بين قريتين بريف الباب الشمالي، ما يعني أن الموصلات متوفرة ويمكن تأمين الكهرباء والمياه بكل سهولة، وستكون الأولوية في الاستفادة من المشروع الى الأرامل واليتامى بالدرجة الأولى، وكبار السن وبعض الحالات الانسانية في الدرجة الثانية، اضافةً الى العوائل شديدة الفقر.

حملات خيرية سنوية لنشر الدفء

المبادرات الفردية لدعم النازحين لمواجهة الشتاء كانت عديدة، حيث أطلق ناشطون سوريون من فعاليات المجتمع المدني في مدينة اسطنبول التركية منذ العام الماضي، حملةً بعنوان “نحن لبعض” لجمع مساعداتٍ عينية من أغطيةٍ وملابسٍ وأحذيةٍ وسجاد، لتقديمها إلى سكان المخيمات العشوائية في الشمال السوري المحرر.

وأفاد قصي رجب أحد القائمين على الحملة: “بدأنا العمل الشتاء الماضي في اسطنبول وولاياتٍ تركية أخرى، عبر جمع ألبسة شتوية جديدة، أو مستعملة على أن تكون بحالةٍ جيدة وغير منسقة، وبعد فرزها وتغليفها، تم ارسالها إلى الشمال السوري، وتوزيعها على النازحين المتواجدين ضمن أربعة مخيمات في ريف الباب”، مشيراً أن “الحملة مستمرة هذا العام لدعم النازحين، ولا سيما في ظل الغياب شبه التام للمنظمات الانسانية”.

وأضاف رجب: “نخطط لاطلاق حملة جديدة، بحيث تكون مفيدة ومختلفة عن الحملة السابقة وعلى نطاق أوسع، ولاسيما بعد موجات النزوح الكبيرة هذا العام، لكن التأخر في بدء المشروع يعود للصعوبات التي نواجهها في تأمين الألبسة الشتوية والمساعدات ومصادر التدفئة للنازحين، علماً أن فريق الحملة يعمل بشكلٍ تطوعي وليس هناك أي دعم”.

كذلك أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ “دفء الشتاء”، لجمع التبرعات ومساعدة الأسر المحتاجة، من ملابس وأغطية ومدافئ وسجاد، وفي المقابل يطلق “فريق ملهم التطوعي” كل عام حملةً بعنوان “خيرك دفا”، تعتمد على جمع المساعدات من ميسوري الحال، وتوزيعها على المخيمات سواء ألبسة وأغطية شتوية أو مادة “البيرين” للتدفئة، ويبدأ الفريق بتوزيع المساعدات مع بداية تشرين الثاني، ويتم استهداف أكثر من 3 آلاف عائلة بشكل سنوي كل شتاء.

مشاكل متكررة في المخيمات

مأساة النازحين في مختلف المخيمات في الشمال المحرر تكاد تكون واحدة، وقال مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” محمد حلاج: “إن العوازل المطرية من أهم أولويات فصل الشتاء في المخيمات وهي عادةً صالحة للاستعمال لشتاءٍ واحدٍ فقط، لكن النتائج التي توصل لها فريق منسقو استجابة سوريا عبر دراسة أجراها الشهر الحالي، أظهرت ارتفاعاً كبيراً بنسبة الاحتياج للعوازل المطرية مقارنةً بالعام الماضي، إذ ارتفعت نسبة الخيم التي تحتاج لعوازل مطرية من 94% من الخيم العام الماضي إلى 96% هذا العام”.

مضيفاً: “أمّا نسبة الخيم التي تحتاج إلى تبديل كامل فتشكّل 33% من مجمل الخيم، وكذلك بلغت نسبة الخيم التي تحتاج إلى إصلاح 29%، كما أن العديد من المخيمات خصوصاً في تجمع أطمه لم يتم تزويدها بأية عوازل مطرية منذ عامين، كذلك أدّى اهتراء العوازل المطرية أو عدم وجودها وتلف الخيم، لتسرب المياه إلى داخل الخيم في العديد من المخيمات، وفق ما ذكر فريق “منسقو استجابة سوريا”.

وأردف حلاج: “كانت مدافئ الفحم الشتاء الماضي الأكثر توزيعاً على النازحين، رغم أنها تسبّب ضرراً كبيراً مقارنةً بمدافئ المازوت والكاز، كما تم توزيع مدفأة واحدة لكل عائلتين في العديد من المخيمات خصوصاً ضمن تجمع أطمه، وبشكل عام فإن أغلب المدافئ الموجودة اليوم ضمن المخيمات غير صالحة للاستعمال وبحاجة إلى استبدال بشكلٍ كامل، إضافةً إلى أن النازحين ليس لديهم القدرة المادية على شراء مدافئ جديدة في الوقت الحالي، لذلك فهناك عوائل كثيرة تقضي الشتاء بلا مدافىء”.

بدوره قال الناشط الاعلامي في مخيم “نحن معاً” شمال إدلب أبو صدام: “إن معظم النازحين يعانون من سوء الواقع المعيشي، وبالتالي فإن غياب دعم المنظمات، دفع السكان للبحث عن الألبسة القديمة وأكياس النايلون وعيدان الخشب وبعض النفايات لاستعمالها كمصدرٍ للتدفئة في الشتاء، لدرجة أن أغلب المخيمات أصبحت خالية من الأوساخ”.

وأضاف أبو صدام: “كثير من المخيمات تعاني من سوء الطرقات، والتي تتحول عقب سقوط الأمطار الى بركٍ من الوحل يصعب السير فيها، حتى أن الطلاب لا يستطيعون الذهاب الى المدارس، وبنفس الوقت لا تستطيع السيارات الدخول أو الخروج، كما أن الصرف الصحي السيء وعدم شفط الحفر الفنية يؤدي الى انسدادها بشكلٍ متكرر وخاصةً مع غزارة الأمطار”، مشيراً الى أن “المنظمات لا تتدخل كل عام إلا بعد وقوع الكارثة وغرق الخيام”.

يذكر أن فريق “منسقو استجابة سوريا” ناشد في بيان نشره على معرّفاته الرسمية تحت عنوان “قبل أن تقع الكارثة” الشهر الماضي، جميع المنظمات والهيئات الإنسانية مِن أجل تقديم المساعدة لـ نحو مليون نازحاً يقطنون في (1153 مخيماَ) بينها (242 تجمعاً عشوائياً) غير مخدّم إطلاقاً، خاصةً مع اقتراب فصل الشتاء ونزوح عشرات آلاف المدنيين مِن مناطق ريفي حماة وإدلب باتجاه “المناطق الآمنة نسبياً.

هاني العبد الله

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *