أخبار

رسائل صوتية خلّدت ذكرى قرية معرشورين.. ماذا روى محمد؟

“أخشى على قلبي من أن يفطر حزنا، إذا ما رأيت منزلي وقد تهدم بشكل شبه كامل. ولكنني كتبت على إحدى جدرانه سوف نعود، وأؤمن بأننا سنعود” كانت تلك كلمات محمد خالد القسوم، صديقي من معرشورين، أرسلها لي بتسجيل صوتي على “الواتس”، عندما أرسلت له برسالة أطمئن فيها عن حاله، بعد أن أبلغني أصدقاء مشتركين بيننا بأن منزل محمد تعرض للقصف. ليؤكد محمد لي إيمانه وأمله بالعودة إلى قريته وبيته.

أرسل صورة له وهو يقف أمام جدار بيته وقد كتب عليه باللغة الانجليزية “we will back to live in peace” قبل مغادرته لمنزله الذي قصف في اليوم التالي للرحيل بتاريخ  21 كانون الأول 2019.

تكثر أخطائي الإملائية وأنا أكتب لمحمد على “الواتس” عبارات العزاء والمواساة، وكلانا يعبر عن خوفه من اقتراب سقوط  قرية معرشورين بيد قوات النظام. تلك القرية التي طلب مني محمد أن أكتب عنها إن استطعت، معتقداً أن الكتابة عنها أقل ما يمكن أن نفعله لنخلد ذكرى قرية صغيرة نالت نصيباً من القهر والحزن وقليلا من الحرية. 

وافقت، وبدأ محمد يرسل لي تسجيلات صوتية يحكي فيها عن القرية كان أولها: “معرشورين، قرية أشورية قديمة، تقع شرق مدينة معرة النعمان وتبعد عنها حوالي 3 كيلو متر، اتخذت موقع استراتيجياً بسبب وقوعها على طريق (m5) الواصل بين حلب ودمشق. وما يميز معرشورين عن غيرها من قرى ريف إدلب الجنوبي الشرقي، هو أنها لم تكن زراعية فقط بل صناعية أيضا وبامتياز، فهي تشتهر بمعامل “الحصر” والاسفنج والسجاد، فيوجد في القرية أكثر من 100 معمل للحصر”. 

 

معر شورين وشهيدها الأول

كان محمد يذهب مع عدد من شباب قريته إلى مدينة معرة النعمان، ليلتحقوا بالمظاهرات السلمية المطالبة بالحرية هناك في بدايات 2011. وشيعت معرشورين أول شهيد لها في واحدة من تلك المظاهرات، يحكي محمد: “الطفل ابراهيم رشو (14 عاما) خطفته من طفولته رصاصة قناص تابع للنظام، كان قد تمركز في أحد مباني معرة النعمان”. ولكن بالرغم من ذلك ظل شباب معرشورين يذهبون كل جمعة إلى معرة النعمان للمشاركة بالمظاهرات، إلا أن  حواجز الموت والاعتقال كانت قاسية.

يقول محمد: “كي يمنع النظام شباب قرية معرشورين من المشاركة بمظاهرات معرة النعمان، أقام حواجز للأمن والجيش خارج القرية أحاطت بها من جهتي الشمال والغرب. الأمر الذي دفع بشباب معر شورين لإحياء مظاهرات مطالبة بالحرية وتغيير النظام داخل القرية، فكان رد النظام عليهم عشرات من القذائف، استهدفت القرية يومياً من قبل حواجزه تلك، ومن قبل قواته المتمركزة في معسكر وادي الضيف والذي يبعد عن القرية 2 كيلو متر”. 

ويتابع محمد: “قتل القذائف أطفال ونساء وشيوخ، التي منها أدت إلى مجازر، إحدى المجازر كانت بعائلة لشخص يدعى أبو عمار حيث استشهد أربعة من أحفاده. ومن أبشع  المجازر، مجزرة حدثت في منزل عبد القادر الطويل فقد فيها ثمانية من أفراد عائلته دفعة واحدة”.

 

شاهد بالفيديو :تشييع الشهيد ابراهيم رشو في معيشورين28_5_2011

 

معرشورين تتنفس الأمان والاستقرار بصعوبة

في أواخر عام 2014 تنفست القرية الصعداء، بعد أن تم تحرير الحواجز المحيطة بها، واستيلاء فصائل المعارضة المسلحة على وادي الضيف. “استقرت القرية نسبيا  وارتاح أهلها من القذائف العمياء. ومعر شورين واحدة من القرى التي رفض أهلها بشدة أن تكون تحت سيطرة الفصائل الإسلامية المتطرفة، تلك الفصائل التي حاولت مراراً فرض سيطرتها على القرية، ولكن مقاومة أهلها كانت أقوى، فبقيت القرية  تحت سيطرة فصائل الجيش الحر” يقول محمد. 

إعادة إحياء العملية التعليمية التي كاد أن يقتلها الوضع الأمني الصعب، كان التحدي الأكبر لأهالي معرشورين عموماً ولمحمد على وجه الخصوص، وعنها يقول: “قدمت بعض المنظمات الإنسانية مساهمات ومساعدات لعدد من المدارس من قبيل ترميمها وتجهيزها لتكون مكان مقبول نسبيا للتعليم، كما ساهم أهالي معرشورين بجمع التبرعات ليستمر التعليم في المدارس ولتخصيص رواتب لأولئك المدرسين الذين تطوعوا للنهوض بالعملية التعليمية. كنت أنا واحدا من المدرسين المتطوعين، وبدأت  بتدريس مادة اللغة الإنكليزية للتلاميذ في مدرسة السرجاوي. وقد ضمت مدرسة السرجاوي ما يقارب 1000 طالب وطالبة”.

“أحببت مدرستي، بل عشقتها، ويقتلني أنها بات اليوم خالية بعد أن كانت تضج بفرحي وفرح تلاميذي” معبرا محمد عن حرصه على تعلم الطلاب في المدرسة.

 

المجازر تلاحق معرشورين

لم تهدأ أحزان القرية حتى بعد تحريرها. “في منتصف ليلة 20 كانون الأول 2017، استهدفت الطائرات الروسية بستة صواريخ منازل المدنيين في معر شورين، لتحدث مجزرة رهيبة حصدت أرواح (19 شخصا). ما زلت أذكر بعضهم، محمد ووالده حذيفة، أم وأولادها الثلاث مع أحفادها الستة إضافة إلى اثنتين من كناتها، ورجل يبلغ الستين من العمر. كانت ليلة دامية وقاسية، كان يمكن أن أكون أنا أحد شهداء المجزرة، ولكن حظي بالحياة كان أكبر، إذ سقط إحدى الصواريخ على بعد 200 متر مني”. يبعث محمد لي رسالته هذه وأشعر أنا بصوته المختنق. 

منزل محمد

ويختنق صوت محمد أكثر وهو يحكي عن مجزرة وقعت بتاريخ 16 تموز 2019: “صديقي أمجد وجميل، استشهدا بقصف صاروخي مع (12 مدنيا) آخرين في تلك المجزرة القذرة”.

 

معرشورين تغفو وحيدة

كباقي أغلب قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، بدأت معر شورين تتعرض للقصف المستمر منذ منتصف 2019، وشهدت القرية نزوحات متكررة لأهلها ويحكي محمد: “شهدت القرية نزوحين كبيرين، كان النزوح الأول في شهر حزيران 2016، نتيجة لقصف الطائرات الحربية والمروحية للقرية، واستمر هذا النزوح مدة شهرين. ثم عاد القصف ليشتد ويصبح أكثر وحشية  وجنونا في بدايات خريف 2019، مما أدى لأن يكون النزوح أكبر وأكثف من سابقه”. 

وظل أهالي معر شورين يعانون حالة من عدم الاستقرار طيلة صيف وخريف 2019 ، إلى أن جاء شتاء 2019 لتنام بعده القرية وحيدة بعد أن خلت من سكانها، وهنا يبعث لي محمد رسالة يتنهد فيها صوته ويقول: “نزح ما يقارب 13 ألف شخصاُ من معرشورين، كان من ضمنهم كثير من مهجري داريا وغوطة دمشق ودرعا وحمص، خلال شهري تشرين الثاني وكانون الأول 2019، وبذلك خلت القرية تماما من كل قاطنيها، وكنت أنا من أواخر المدنيين الذين تركوا القرية نتيجة لقصف هيستيري أحدث دمار بلغت نسبته 40% من منازل وأبنية معرشورين”. 

 

إلى اللقاء معرشورين

“أؤمن، أؤمن بالعودة إلى قريتي يوماً ما، لن أقول وداعاً، بل إلى اللقاء معرشورين” يرسل محمد لي رسالته الصوتية تلك على الواتس، والألم يعتصر قلبينا لدى وصول خبر سقوط معر شورين بيد قوات النظام بتاريخ 26 كانون الثاني 2020.  

 

وردة الياسين

 

شاهد بالفيديو :موطني بلد الجمال ووطن الحرية #معرشورين

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *