أخبار

رغم كل الوعود …مازالت المرأة الدرزية محرومة من الميراث

هند  الهجري أرملة  في الستين من العمر تقاسم إخوتها ورثة أبيها بينما حصلت هند على غرفة صغيرة فقط تحت مسمى (غرفة المقاطيع)، على الرغم من أن إخوتها الذكور  يملكون المال والإرث وبإمكانهم تقديم جزء من حقها الطبيعي بالميراث للعيش بشكل كريم لكنهم لم يقدموا شيئاً، وهي تعمل اليوم ببيع المناديل الورقية والقداحات في شوارع مدينة السويداء لتأمين لقمة عيشها اليومية.

هند مجرد قصة عابرة لعشرات القصص من نساء المجتمع الدرزي الذي مازال حتى اليوم يحرم المرأة من حقها في الميراث تحت بند (الوصية) وتحت بند الأعراف والتقاليد التي تعطيها غرفة واحدة للسكن، دون التفكير للحظة أن هذه المرأة قد تتعرض للطلاق أو فقدان زوجها أو أي ظرف آخر يجبرها على العمل وتربية الأطفال ومواجهة الحياة وحيدة دون معيل ودون مال ودون حقها الطبيعي في الإرث.

 

بتاريخ 07/06/ 2018 نشر موقع أنا إنسان تحقيقاً تحت عنوان غرفة المقاطيع منفى خاص لنساء تناول وبشكل مطول هذه الظاهرة في المجتمع الدرزي، وأجرى عدة لقاءات حول هذا الخصوص كان من بينها شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز يوسف جربوع، حيث صرح حينها لـ”أنا إنسان قائلاً :” لا تفرق الشريعة لدى الموحدين بين الذكر والأنثى في الحقوق، وفي الإرث تعامل الفتاة معاملة الشاب ولا أفضلية لأحدهم على الأخر، ولكن المجتمع تأثر بالبيئة المحيطة وخاصة البدوية”. وبين أن الوصية لدى الموحدين هي فريضة على الموحد، لا يجوز المساس بها، تقوم على العقل القادر على توظيف الوصية ببعد أخلاقي والمقترن بعدم الظلم، ولكن هناك من يسيء استخدام هذه الفريضة لجهله بحكمة مقصدها.  ورأى جربوع أن “قانون الأحوال الشخصية قاصر عن الشريعة التوحيدية، ولا يوجد مانع من إعادة النظر به، وخاصة بعد تطور وعي المجتمع، وانتفاء كثير من الأسباب الدافعة بالمجتمع للإجحاف بحق المرأة، كخوف العائلة من خسارة ملكية العائلة الزراعية لصالح عائلة أخرى، حيث كانت تقرن مكانة العائلة بملكيتها التي كانت يجب أن تبقى بيد الذكور منها، فهم الذين يحملون اسمها ومسؤولية المحافظة على مكانتها”.  ودعا شيخ العقل الموحدين إلى إنصاف المرأة وعدم تمييز الذكر على حسابها، مطبقين ما تنص عليه شريعة التوحيد، وتحكيم العقل في الوصية”.

(لقاء على قناة مساواة مع الشيخ عماد أبو ريش من الطائفة الدرزية يتحدث خلاله عن واقع الميراث في الطائفة الدرزية)

بعد نشر المادة قدمت بعض الجهات وعوداً بالعمل على هذه الظاهرة وخاصة مع ارتفاع نسبة العنوسة بين النساء ونسبة الأرامل نتيجة وضع الحرب في سورية، وبقاء أغلب هذه النساء بلا معيل أو مردود مالي يساعدهن على تأمين معيشتهن في ظل الوضع الاقتصادي الخانق الذي تمر به البلاد حالياً.

لكن جميع هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح، ولم يحقق منها أي شيء، حتى المجتمع المدني الذي يعمل على قضايا المرأة في السويداء هو الآخر لم يستطع تحقيق أي نتيجة حقيقة وملموسة في هذا الشأن لأسباب عديدة أغلبها خارج عن إرادته، لكنه رغم كل المعوقات والتحديات التي تواجهه هو مطالب بالعمل على تفعيل العمل بهذا القضية والمحاربة لأجلها.

اليوم بإمكانك النظر إلى شوارع السويداء لتجد العديد من النساء بلا معيل يعملون في ظروف قاسية وصعبة لتأمين لقمة عيشهن، وعند سؤال أغلبهن تجد أنهن محرومات من حقوقهن في الميراث.

جريمة قتلت من أجل الميراث:

سجلت محافظة السويداء بتاريخ 16/6/2019  جريمة قتل بحق السيدة (ناديا عادل الجمال) حيث عُثر على جثتها مصابة بطلق ناري، وقد تبين بعد التحقيقات أن شقيقها (فادي عادل الجمال)  أقدم على قتلها بسبب عدم تنازلها  عن حصتها في الميراث.

أبو مجد مراد رجل ستيني من مدينة السويداء يرفض توريث الأنثى حيث يقول:”  لا يجوز توريث الأنثى فربما تبيع ما ورثت وهي في بيت زوجها وفي حال الخلاف وعودتها إلى بيت أبيها ستكون قد خسرت حصتها من الإرث وعادت الفائدة إلى الصهر  الذي يعد غريباً عن العائلة”.

ويقول رفيق أبو ريان: “عندما يُرزق الإنسان بمولودة أنثى فهذه من نعم الله عليه لإن الأنثى بطبيعتها حنونة عطوفة وهي الملاذ الآمن للوالدين عندما يكبران، ومن حقها أن ترث مثل الذكر لإنني أخاف على بناتي لو كتبت الإرث كله للذكور أن تتحكم زوجات أولادي الذكور بمصير بناتي ويصبحن غريبات في بيت والدهن وهذا مالا أتمناه.”

ناصر رجل في السبعين من عمره يرى أن من يحرم الأنثى من حقها يحرمه الله من كرامته، فالذي يرزق بطفلة دليل على محبة الله له فكيف يتجرأ على أن يحرمها من حقوقها.

أبدت هالة وهي أم لثلاث فتيات استياءها من عدم إنصاف القانون وتطبيق الوصية، حيث أوصى زوجها بجميع أملاكه لإخوته وأولادهم الذكور لإن زوجها لايريد أن يذهب رزقه وأملاكه لأصهرته الغرباء عن العائلة.

( تقرير لوكالة سمارت للأنباء : وقفة تضامنية ضد جرائم قتل النساء )

القانون والشريعة

قانون الأحوال الشخصية راعى خصوصية “طائفة الموحدين الدروز”، من خلال المادة /307/ من قانون الأحوال الشخصية /59/ لعام 1953 وتعديلاته، والذي بيَّن أنه “تنفذ الوصية للوارث وغيره بالثلث وبأكثر من الثلث”، ما يعني أن ابن طائفة الموحدين يستطيع أن يحرم من الإرث من يشاء، وأن يوصي بأملاكه لمن يشاء.

أحد فقهاء الشريعة الدرزية الشيخ كرم أوضح أن الشرع في طائفة الموحدين الدروز ينص على “المساواة والعدل بين الذكر والأنثى في مسألة الإرث فيما أعطي المورِّث الحرية في التوريث لكن بالعدل والعقل، وهذا ما يعتبر بمثابة أداة زجر أدبية للورثة، للمحافظة عليهم”.

ومازال قانون الوصاية ساريا رغم مر العقود والجمعيات التي تطالب بحقوق المرأة ورغم الفقر وضرب الكرامات.

تابع أيضاً ( لقاء على قناة FRANCE 24 Arabic مع الشيخ مرسل نصر الرئيس السابق للمحاكم الدرزية) 

الحملة مازالت مستمرة:

في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها مدينة السويداء، وخاصة أن وضع البلاد قادم على توقعات بتراجع اقتصادي نتيجة واقع الحرب مع توقعات بتردي الأوضاع المعيشية بشكل أكبر، وبالتالي فإنه بات من المطلوب العمل على حماية واقع المرأة في السويداء وتحديداً النساء اللواتي لا معيل لهن، ومن ضمنها حقها الطبيعي في الميراث وتأمين سند لها في ظل هذه الظروف الصعبة، وهنا لابد من التوجه مرة أخرى نحو الجهات الفاعلة في الطائفة الدرزية ومنهم مشيخة العقل وهنا لا نطلب الحصول على وعود أو تصريحات وإنما نتائج حقيقية وحلول على أرض الواقع لتكون السند لعشرات النساء في مدينة السويداء، ويضاف إليهم المجتمع المدني للضغط بشكل أكبر لتحقيق نتائج ملموسة.

 

بيسان ابو عسلي

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *