أخبار

سمحوا لي برؤية ابني لمدة ثلاث دقائق … قبل إعدامه ميدانياً في سجن صيدنايا

لمى راجح 

في تاريخ 23/11/2
2013عند حدود الساعة الثامنة مساءً داهم رجال الأمن بيتي وتم اعتقال ولديّ فارس ومحمد، في حي برزة بدمشق، حتى الآن مازلت أذكر ذاك المشهد، حيث قيد رجال الأمن يديهما إلى الخلف وساقوهما إلى السيارة، بينما التف الجيران حولي دون أن يحاول أحد منهم التدخل.

وقفت مدهوشة، شعرت بقبضة الأسى تحكم فكيها على صدري وتعتصره، ترجل فارس وأخيه عن فرسهما، لتبدأ رحلة صراعهما مع الجوع والذل والتعذيب في سجون الأسد. ولتبدأ روحي في رحلة شقائها هي الأخرى.

تم اعتقالهما في بادئ الأمر من قبل “فرع الجبة” في حي ركن الدين، أو على الأقل هكذا قالوا لي، استعنت أنا وزوجي بالأهل والأصدقاء لكي نتمكن من زيارة ولديّ، وأثناء ذلك التقيت بأحد عناصر الأمن، دفعت له مبلغ من المال كي أتمكن من زيارة محمد فقط، بينما تم تحويل فارس لـ “فرع السياسية ” في حي المزة.

عندما رأيت محمد لم أصدق ما آل إليه مظهره، فقد بدى نحيفاً ضئيلاً، وآثار التعذيب وصمت معصميه، مظهره كسر ظهري، كيف لا وهم يقومون بتعذيب أولادي.. !!

حاول محمد أن يتمسك أمامي بحبال كبريائه، كي لا يقع في منحرف الذل وهو بين جدران المعتقل، تكابد على نفسه، محاولاً تهدأت روحي، وإقناعي أنه بات بمنأى عن الخطر بعد أن نكر تهم القتل الموجهة إليه، ولكنه أثار حفيظتي حول فارس، وأخبرني أنه تعرض لجميع أنواع التعذيب بعدما وجهوا له تهمة قتل خمسة عشر عنصراً من عناصر النظام، فيما بعد تم ترحيله إلى مكان آخر، لتكون هذه آخر مرة يرى محمد أخيه فارس.

اعتقل فارس وهو طالب في كلية الإعلام، شغفه في العمل الصحفي، قاده للعمل مع عدد من القنوات الإعلامية لكي ينقل لهم حقيقة ممارسات النظام السوري بحق الشعب السوري. كما عمل مع بعض تنسيقيات الثورة، بالإضافة على أنه ساعد جندي منشق في الهرب خارج سوريا

استغربت من هول التهم التي وجهت لفارس، وهو الذي لم يتجرأ يوماً على أذية مشاعر أحد، وعرف بمواقفه السلمية منذ لحظة اندلاع الثورة، فكيف لهم أن يتهموه أنه ارتكب جرائم قتل.. !!

استطاع زوجي بمساعدة أحد أصدقائه من الاطلاع على ملف فارس، وعرفنا أنه تم تحويله لفرع السياسية في حي المزة، ليتم فيما بعد ترحيله إلى سجن صيدنايا وينفذ حكم إعدامه ميدانياً بعد ثبوت تهم القتل الموجهة ضده.

سجناء صيدناياهرعت لطرق أبواب المسؤولين وكل شخص يخطر في بالي، علي أتمكن من زيارة فارس في فرع السياسية قبل تحويله لسجن صيدنايا. دفعت مبلغ من المال لأحد عناصر الأمن لكي أتمكن من رؤية فارس. يومها بدا نحيفاً، وآثار التعذيب تركت شقوقاً واضحة على جسده، لم يسمحوا لي بالتفرد بولدي، بل كان معنا أحد عناصر الأمن، كمستمع أو ربما كمراقب.

لا أعلم حينذاك إن كان أحد ما أخبره أنه سينقل بعد فترة إلى سجن صيدنايا، فقد أفصح لي عن أمله بالحرية والعودة لمقاعد الدراسة في كلية الإعلام، ومن دون وعي لمت فارس على اعترفاته  بتهم القتل الموجهة ضده، فاستخف بالأمر وأكد لي أنه سينكر جميع التهم عندما يعرض على قاضي التحقيق !!

لحظتها لم أتمالك أعصابي وقلت له: “عن أي قاضي تتحدث آلا تعلم أنه سيتم تحويلك إلى سجن صيدنايا…”

انهار فارس ورأيت دموع  القهر تنسحب خلسة على خده وبتباطؤ شديد حتى لا ألحظها، فوجدت نفسي أصرخ في وجه العناصر على ما فعلوه بولدي، فطردوني ووجهوا لي شتائم تنم عن تشفيهم بي وبفارس.

توالت علي الأيام وشعرت كأنها برزخ من دهر، فقد بت أم لولدين أحدهما محكوم بالإعدام والآخر معتقل ولا أعلم متى سيتم الافراج عنه.

في تاريخ 25/4/2014 أخبرني “الواسطة” أنه تم تحويل فارس لسجن صيدنايا عندها طرقت أبواب المسؤولين، ورجيت الكبير منهم قبل الصغير علي أستطيع تخفيف القرار القاضي بإعدام فارس، ولكن جميع محاولاتي فشلت.

فارقني النوم، وأصبحت مجرد خيال لأم تهذي كلما فكرت للحظة أنه سيتم إعدام ابنها، وهو البريء من جميع التهم، أسمع صوته في داخلي يخبرنه أنه يتم تعذيبه في المعتقل، وكلما حاولت تقبل فكرة أن ابني فارس سيختفي عن هذ الوجود، أعود لنقطة الصفر وللدوامة نفسها.

أردت توديعه وفي سبيل هذا استدنت مبلغ من المال ودفعته لأحد المسؤولين مقابل السماح لي بزيارة فارس في سجن صيدنايا، وعندها أعطوني ثلاث دقائق فقط لرؤية فارس…
من خلق السياج المعدني أطل فارس، وهو شبه عاري، حافي القدمين، وجهه أصفر، وشاحب، نحيف لدرجة بدت نتوء عظامه من تحت الجلد.

لم يتكلم كثيراً بل لازم الصمت وكأنه يودعني للمرة الأخيرة، وسألني عن أحوال أخوه محمد الذي تم تحويله إلى فرع 223 وعن أخته، ووالده، ووصاني بالاعتناء بنفسي وبأخته، ورجاني ألا أحزن عليه وأن أرضخ لإرادة القدر.

أيقنت أنها ستكون المرة الأخيرة التي أرى بها وجه ابني ، فبعد ذلك حاولت مرات عدة أن أزوره فنصحني “الواسطة” بعدم رؤيته، فمن عادات السجانين في صيدنايا أن يقوموا بتعذيب المعتقل بعد كل زيارة له من قبل أحد أقربائه.

وجدت نفسي بين نارين، نار تحرقني وتدفعني لرؤية ابني مرة أخرى، ونار تحذرني ألا أعرض ابني للتعذيب بسببي. اتخذت القرار بعدم زيارته، وتحملت ثقل عدم رؤيته على أن يقوموا سجانوه بضربه وتعذيبه.

في تاريخ 22/ 7/ 2014 تم إعدام فارس ميدنياً في سجن صيدنايا، عبر رصاصة استقرت في رأسه. علمت  في الأمر بعد شهر من إعدامه، وذلك في وفي تاريخ 21/8/2014 أحسست  بأن تلك الرصاصة استقرت في رأسي ليس في رأسه، ولم يكن من أمري إلا أن خرجت إلى  الشارع وصرخت  بأعلى صوتي “قتلوا ابني.. قتلوا ابني…”

بناء على طلب صاحبة القصة لم يتم نشر اسمها او اي معلومات تدل عليها لكونها ما تزال في دمشق في المناطق التابعة لسيطرة النظام السوري

التعليقات: 5

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *