أخبار

سوريات يتجاوزن أوجاع الحرب بأحلام الغد

انفجار ضخم ومرعب دوى بصوته عاليا بالتزامن مع انطلاق دخان كثيف أسود اختلط بسواد الليل المظلم قرب بيت حازم في قرية الباره بجبل الزاوية في ريف إدلب الغربي، لا يوجد ضوء ينير المكان سوى ألسنة اللهب المشتعلة والمنبعثة من دكانه لبيع المحروقات بسبب اشتعال مادة البنزين فيه الذي يتاخم منزله ..صراخ أليم قادم من اتجاهات متعددة زاد من ضجيج المكان..

تخرج “عائده” زوجة أبي حازم بأعجوبة من بين الركام والدماء تسيل من رأسها وجسدها ثم تتجه نحو دكان زوجها لبيع المحروقات تنوي أن تتفقد زوجها وأولادها الذين كانوا داخله عند سقوط البرميل المتفجر بينما لا يزال صوت المروحية يصدح في السماء.. لتكتشف أنهم رحلوا إلى السماء! ”أحداث تشبه يوم القيامة” بهذه العبارة لخصت مريم جارة بيت أبي حازم المشهد!

“عائده” لم تكن المرأة الوحيدة التي ذاقت الألم والعذاب بسبب إصابتها بشكل مباشر ذات مرة، وتارة أخرى بسبب فقدانها لأغلى ما تملك.. أولادها وزوجها، فهناك الكثير من النساء اللواتي تذوقن مرارة المعاناة وتجاوزن الألم النفسي الكبير بسبب الحرب الدائرة.. رغم ذلك يحاولن النساء صناعة الأمل من الألم، والانطلاق بعزيمة لظروف الحياة الجديدة.

 

“عائدة” تتجاوز المحنة

يقول الطبيب أنور الذي أشرف على علاج “عائده” :  “بالرغم من أنها تعرضت لنزيف في الرأس وبعض الشظايا في جسدها إلا أنها تعافت والحمد لله خلال عدة أيام بعد أن قمنا بمعالجتها بكافة الوسائل الممكنة، كان لديها إرادة قوية بالشفاء”

تقول “عائدة”: “بينما كنت على سرير المشفى للعلاج فجأة استيقظت على صوت بناتي الثلاثة وهن يصرخن قائلات: “أمي أرجوك لا تموتي وتتركينا أنت أيضاً.. عندها شعرت بأن إحساسي الغائب بالمسؤولية قد عاد لي  فجأة وشعرت برغبة عارمة في الحياة من جديد”.

كانت تعلم أنها فقدت زوجها وأولادها وما أصعب لحظات استذكار ولدها الرضيع ومشاعر الشوق له، تقول والدموع تملأ عيناها: “أكثر شيء آلمني هو سماعي خبر وفاة ابني الرضيع بهذه الطريقة! فقد توفي جراء ارتطامه بالأرض بعد أن دفعته قوة ضغط القذيفة المتفجرة إلى حوش الجيران!”

بعد أن تعافت “عائدة” خرجت من المشفى ولم تجد إلا ابنتها الصغيرة لما (10 أعوام) بانتظارها مع ابنتيها المتزوجتين، وبعد أن فقدت كل شي قررت “عائدة” البحث عن عمل لتكسب منه وتعيل نفسها وابنتها، فعملت في قطاف الزيتون وأعمال زراعية أخرى لدى ملاكي الأراضي  لكسب المال، إلى أن كتبت لها الأقدار الزواج من جديد.

 

“آمنة” تعيل أحفادها 

بكل نشاط وإقبال على الحياة تقوم “آمنه” (60 عاما) بزراعة أرض كبيرة من 5 دونمات ببذار الحنطة بمساعدة أحفادها الستة كي تكسب من الزراعة مردودا مالياً يوفر لها حياة كريمة، وعند سؤال لها عن حالها بعد فقد أولادها وزوج ابنتها قالت: “لا شيء أشد إيلاما من العذاب النفسي بفقد الأحبة لكن الحياة يجب أن تستمر”.

قصة “آمنة” حدثت منذ  8 سنوات عندما فقدت ولدها في سجون النظام دون أن تعرف عنه شيئا أو تسمع له ذكرا، وأيضاً استشهد ولدها الآخر في معارك ضد النظام السوري وكذلك فقدان زوج إحدى بناتها تاركين  6 أبناء، تقول: “كل أولئك أشعر بأنهم بحاجة لي ويجب أن اعتني بهم وأقوم على تربيتهم فهم بحاجة أن يدرسوا ويتربوا جيدا”. بعد ذلك الفقد أدركت “آمنة” بأنه لا فائدة من الحزن الطويل وأن االله قد عوضها بأبناء ابنتها الصغار كي تتسلى معهم وتربيهم على خطى آبائهم من جديد بمساعدة عمهم الوحيد “ياسر”.

تقول “آمنة”: “بالكاد نسيت آلام فقد زوجي المتوفي قبل 25 سنة في سجون النظام أثناء ثورة الثمانينات، لكن ما لبثت أن فقدت   أولادي أيضا أثناء هذه الثورة، ولم يبق لدي إلا الصبر والإيمان بأن هذه التضحيات  لن تضيع سدى”.

 

الشابة “ريتا” تكمل دراستها رغم فقدان يدها اليُسرى

لم يكن سهلا على ريتا (16 عام) أن تفقد يدها من مكان الكتف وهي في مقتبل سن الشباب والصبا لذلك جلست ريتا في البيت بحالة نفسية سيئة للغاية رافضة الحديث أو الظهور أمام زميلاتها من هن في مثل سنها وهي تشعر بعقدة النقص إلى أن تمكنت والدتها من اقناعها بالذهاب إلى مركز نسائي يتبع لمنظمة SRD لحضور جلسات في الدعم النفسي.

تقول والدة “ريتا”: “أصيبت ابنتي بشظية جراء صاروخ طائرة حربية ألقته إحدى الطائرات الحربية على وسط المدينة أثناء عودة ريتا من دوامها في المدرسة كان ذلك صعبا علي كأم وعليها بشكل خاص لكن ريتا حاولت تخطي المشكلة والتفكير في مستقبلها بشكل أفضل.

تقول ريتا بكل عزيمة وثقة: “لا بد لي من أن أكمل دراستي فإن كانت قد قطعت يدي اليسرى  فلا يزال لدي يد أخرى لأكتب بها” بهذا الإصرار على الحياة تبدو “ريتا” وقد ابتسم لها القدر وتمكّنت من تركيب طرف صناعي.

 

منظمات لمساعدة النساء المتضررات 

أقامت عدة مراكز برامج بهدف التخفيف من معاناة المرأة السورية خاصة المنكوبة منها أثناء الحرب تقوم على تمكين المرأة وتقديم المساعدة النفسية والمادية لها، مثل مركز “مزايا” في كفرنبل وفروعه في القرى المجاورة ومراكز تابعة لمنظمات ومؤسسات نسائية وغير نسائية مثل شبكة “أنا هي”  التطوعية.

ومن تلك المؤسسات أيضا منظمة “صانعات التغيير” عبر مركزها الخاص ومراكز أخرى تابعة لمؤسسة “بارقة أمل” النسائية في إدلب المدينة التي هدفها كلها المساهمة في تخفيف الحمل المادي والنفسي عن كاهل المرأة السورية تقول سعاد الأسود مديرة مركز صانعات التغيير: “انطلاقا من وعينا لحاجة المرأة للمساعدة في ظروف الحرب، تم تأسيس العديد من المراكز النسائية التي تحتوي على وسائل تعليم حرف نسائية تستفيد منها النساء ماديا  كالخياطة والتمريض والتطريز والنسيج وصناعة السيراميك، كما يُقام بعض النشاطات الهادفة لمساعدة النساء نفسيا ومعنويا بقيام محاضرات ودورات في الدعم النفسي وجلسات توعوية في حقوق المرأة”.

أما فاتن السويد وهي أخصائية نفسية من كفرنبل تؤكد بأنها أقامت العديد من محاضرات الدعم النفسي خاصة حول كيفية اجتياز المراحل الصعبة من فقدان الأحبة وفقدان الأطراف والإصابات البليغة للنساء بسبب الحرب.

 

مها رباح  

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *