أخبار

عشرات الأطفال المشردين يعانون القهر والذل في شوارع اللاذقية

إذا تجولت في مدينة اللاذقية هذه الأيام فإن الظاهرة الأبرز التي ستلفت نظرك وجود كثيف لأطفال يبيعون الكعك والعلك والجرائد المحلية أو حتى الورود وغير ذلك من مواد وبضائع رخيصة على أرصفة شوارع اللاذقية.

بدأ الحديث عن هذه الظاهرة يطرح على منصات التواصل الاجتماعي واختلفت ردات الفعل بشأنها، ففي حين أظهر كثير من الناس تعاطفهم مع هؤلاء الأطفال، عملت السلطة وقنواتها الرسمية على تسخيف الموضوع والسخرية منه, حتى أن أحد أعضاء مجلس الشعب “نبيل صالح”  كتب تعليقاً على صورة نشرها أحد الأصدقاء: ” لا أدري ما الغاية من التشهير بالطفل.. إن كنت صادقا في نواياك اعمل على حل مشكلته”. متناسياً أن إيجاد حل لمشكلة عمالة الأطفال هي مهمة الدولة وليست مهمة الشعب.

 تضاعفت أعداد العاملين بشكل ملحوظ نتيجة أسباب عديدة لعل أهمها غياب الأب وهو المعيل الأول للأسرة نتيجة الموت أو الخطف أو الاعتقال أو الإصابة، أو حتى الاختباء وربما وجوده على جبهات القتال مع أحد الأطراف.

( شاهد تقرير اورينت لأطفال تدمن استنشاق مادة الشعلة في شوارع دمشق)

ولا يخفى على أحد أن القصف العشوائي والمعارك المستمرة دفعت بكثير من العائلات إلى النزوح إلى اللاذقية بما عليها من ثياب فقط، فضلا عن التدهور المعيشي المتزايد في البلاد نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي الذي ينهشها، كل ذلك دفع بمزيد من الأطفال إلى الشوارع للعمل لإعالة أسرهم وبعضهم لم يبلغ العاشرة من العمر.

عند سؤال بعض أهالي هؤلاء الأطفال عن مستوى دخلهم وعدد أفراد أسرتهم قالت أم معتز وهي أرملة ولديها صبيان وبنت: “البنت غير الصبي، لا يصح لها أن تعمل، أما الصبيّان فيعملان في بيع المحارم”.

 وعند سؤالها عن عدم ذهاب ابنتها للمدرسة قالت: “بيع المحارم لا يكاد يكفي أجار الغرفة التي نسكنها فأنا وأبنائي نعيش من المحسنين، اجرة غرفتنا وحدها ٢٥ الف ليرة, وأنا لا يمكن أن أتحمل مصاريف دراسة ابنتي”، أما ملهم وعمره 8 سنوات ويعمل بائع بسكويت، يترجى المارة ليشتروا منه ليعيل أمه واخوته، قال ل “أنا انسان” ظرفي لا يسمح لي بدخول المدرسة، لكن عندما أكبر سأدخل الجامعة بكل تأكيد”.

( شاهد : فيديو لفتاة تتعاطى مادة الشعلة في شوارع دمشق)

https://www.youtube.com/watch?v=0LrpmM5–PE&feature=emb_logo

كما التقينا أباً مقعدا يعمل كل من ابنه وابنته في بيع الورد على كورنيش المدينة، لكنه رفض التحدث إلينا مباشرة والرد على أسئلتنا.

لم تعد عمالة الأطفال كما السابق حين كانوا يعملون بعد دوامهم المدرسي، فمعظمهم يبدأ عمله من الصباح حتى المساء ولا مجال للذهاب إلى المدرسة.

 في أيلول عام 2013 ورد في تقرير لليونيسيف أن قرابة 40% من إجمالي أطفال سوريا باتوا خارج مدارسهم، فكيف لنا أن نتخيل نسبة إجمالي أطفال سوريا الذين باتوا خارج مدارسهم مقارنة بعام 2013 خصوصا أن الهيئة السورية لشؤون الأسرة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ليس لديهما أي إحصائية عن عدد الأطفال المتسربين من مدارسهم وتعليمهم “الإلزامي”.

وعلى الرغم من الجهود الدولية لتحقيق تقدم في تعليم الاطفال السوريين, فقد ذكر تقرير مؤتمر بروكسل للعام ٢٠١٧ أنه ” … لا تزال هناك تحديات جوهرية؛ حيث ان حوالي 3.2  مليون طفل وشاب سوري خارج المدرسة”.

وأصدرت منظمة اليونيسف تقريرا تؤكد فيه أن عدد الاطفال الذين أجبروا على النزوح من منازلهم خلال ست سنوات من الحرب في سوريا يعادل حوالي 3 ملايين طفل، وحوالي 1.75 مليون منهم حالياً لا يرتادون المدرسة بشكل منتظم إما بسبب النزوح أو العنف أو انعدام الأمان، أو لأن مدارسهم تضررت أو تهدمت أو تحولت إلى ملاجئ للعائلات النازحة.

في السوق المغطى وسط اللاذقية قال أحد أصحاب المحلات التجارية الذي يتردد على محله أطفال عاملون كل الوقت ليشتري منهم:

“الأطفال ليسوا فقط باعة متجولين في الشوارع، بل يعملون في المقاهي الشعبية والمحال التجارية والمطاعم الصغيرة وبعض الأعمال الشاقة المجهدة التي تحتاج لقوة بدنية كالأفران ومحال توزيع الجملة، ويتم استغلال تعبهم دائما فالأجر لا يتناسب مع الجهد، فضلاً عن المعاملة السيئة والشتائم والتوبيخ والضرب والإهانات التي توجه لهم، كما يتعرضون في بعض الأحيان للتحرش الجنسي ممن هم أكبر منهم سنا في العمل أو من رب العمل، ليكتشفوا أنه من المحال تحقيق غاياتهم من العمل والتي تقتصر على العيش بكرامتهم وعرق جبينهم، فيتحول قسم منهم من بائع أو عامل إلى متسول أو لص في مناخ أسري ومجتمعي مفكك تماما، وليكونوا ضحايا بحاجة لعلاج جسدي وعلاج نفسي حقيقي بدل أن توجه إليهم عقوبات لا تقل عن عقوبات رب العمل.

ما يتعرض له الطفل السوري يخالف كل التشريعات الدولية والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الطفل، وهو ضحية جريمة مركبة تعدد الجناة فيها، على رأسهم المجتمع الدولي والنظام السوري الذي اكتفى برسائل إعلانية يدعو من خلالها الأطفال للالتحاق بالمدارس دون أن يفكر بأمورهم واحتياجاتهم المعيشية، بل على العكس من ذلك يعمل يحاول أن يظهر أنهم نتاج حراك 2011 وما آل إليه، متناسيا الظلم الاجتماعي والفقر والفوارق الطبقية التي كنت سبباً في ذلك الحراك.

 

هنادي زحلوط

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *