أخبار

علق على الصليب حتى الموت … حكاية من دير الزور المنسية

أحمد الخليف

في البداية سأعرفكم بصاحب هذه القصة هو الشيخ أبو عبد الرحمن إمام و خطيب لأحد المساجد في مدينة دير الزور، كان الشيخ من الذين يُشهد لهم بالتقى و الأخلاق و هو علم من أعلام الورع و التقوى عند معظم أهل المدينة، وقد عرف عنه إيمانه العميق بالله عز و جل، و نزاهته و اشتهر بالأمانة و صدقه و تفانيه و كرمه، ولد في السادس و العشرين من آب/أغسطس 1958 في أحد أحياء دير الزور، في كنف أُسري مُلتزم لدى عائلة مستورة الحال، عندما بلغ الشيخ السادسة عشر من عمرها قام والده بإرساله إلى حلب ليتعلم أصول الدين و الفقه فيها، سلك الشيخ طريق العلم الشرعي في المعاهد الشرعية بحلب على أيدي مشايخها، ثم عاد شيخنا إلى مدينته دير الزور وهو ابن خمس وعشرين سنة، ليفيض على أبناء حيّه ومدينته و من يقصده بالعطاء العلمي و الديني و النصيحة.

اعتقل عدة مرات من قبل قوات الأمن السورية، و قد تجاوزت مجموع أيام الاعتقال 150 يوماً دون أيّ أسباب مُعلنة، وتولى إمامة أحد مساجد دير الزور و هو ابن اثنان و ثلاثون عاماً و بدأ بإعطاء حلقات الذكر و دروس القرآن الكريم فيه ثم تولى خطابته وهو ابن خمس وثلاثون.

دائماً ما يمر الشيخ أبو عبد الرحمن بالحي، مرتدياً طاقيته البيضاء و ثوبه الرمادي اللون و تلك المسبحة التي لم تكن تفارق يده، فيهرول أطفال الحي إلى الشيخ ليمد يده إلى جيبه مخرجاً منه بعض السكاكر يجود بها عليهم، ثم يتابع طريقه إلى المسجد.

الشيخ و الثورة السورية :

كان الشيخ أبو عبد الرحمن من المناصرين للحراك السلمي المطالب بالعدالة والمساواة، و اعتقل أيضاً عدة مرات من قوات الأمن السورية، لكن في المرة الأخيرة التي خرج فيها من السجن كانت تبدو عليه آثار التعذيب و الإهانة، حتى أنّ لحيته كانت قد حُلقت.

حين بدأ الطيران الحربي التابع للجيش السوري قصفه على مدينة دير الزور، رفض الشيخ و أسرته الخروج من المدينة، و أبى إلّا أن يبقى فيها و في منزل أجداده أرضيّ الطابق، دائماً ما يشتد القصف على الحي فيأتي أهل الحي إلى الشيخ و أسرته، طالبين منهم الخروج، لكنه دائماً ما يقول عبارته المشهورة :

“بيت تخرجُ من سقفه دعوات إلى الله ترد القذائف لا تردها قذائف”

كان يقصد الشيخ أن دعواته التي تخرج إلى الله أقوى من القذائف، ثم يتابع قائلاً :

نحن نحتمي في القبو، انتبهوا لأنفسكم و ادعوا الله.

رغم القصف الذي كان يطال المسجد، كان الشيخ أبو عبدالرحمن دائماً ما ينظف الركام و تلك السجادة بنية اللون، ثم يقوم بوصل إذاعة المسجد إلى البطارية التي يحملها كل يوم ليشحنها و يستطيع رفع الآذان من مسجد الحي و إقامة الصلاة فيه.

لم ينتمي الشيخ أبو عبدالرحمن إلى أيّ تيار أو فصيل معارض أو ينحاز إليه، بل كان دائماً ما يحاول فض الخلافات بين الفصائل المعارضة للنظام السوري و توحيدهم و تذكيرهم بأنّهم خرجوا لنصرة هذا الشعب و عليهم توحيد الصف لا شقه.

تنظيم داعش و الشيخ أبو عبد الرحمن :

كان الشيخ أبو عبد الرحمن من الرافضين تنظيم داعش بعد دخولهم للمدينة، و كان دائماً ما يجلس أمام بيته، على كُرسي القش الصغير، مناقشاً عناصر داعش، و كان الناس دائماً ما يشهدون بانتصار الشيخ أبو عبدالرحمن على عناصر داعش و كشف القناع عنهم أنّهم حمقى لا يفقهون شيئاً عن الدين.

أصدر أحد أمراء داعش أمراً بمنع الشيخ أبو عبد الرحمن من رفع الأذان في المسجد أو الإمامة و الخطابة فيه، لكن الشيخ أبو عبدالرحمن لم يكن ينصت و تابع ما كان يعتبره واجباً دينياً، رغم أن عناصر داعش منعوه عدة مرات تحت تهديد السلاح.

اعتقل التنظيم الشيخ، فبدأت أسرته بالسؤال عنه لعدة أيّام لكن دون جدوى، بعد فترة وجيزة أذاعت عناصر داعش، أنّها ستقوم بإعدام الشيخ أبو عبدالرحمن بتهمة “مزاولة السحر و الشعوذة”، و فعلاً جاء اليوم الموعود و قامت عناصر التنظيم بصلب الشيخ و قتله أمام أعين الناس في إحدى الساحات العامة و تعليقه ليومين حتى يكون عبرة لغيره و منع أسرته من دفنه.

بعد عدة أيام عاد عناصر التنظيم إلى أسرة الشيخ، معتذرين منهم أنّهم قتلوا الشيخ عن طريق الخطأ، و أنهم اكتشفوا أن ما كان يقوم به الشيخ هو رقية شرعية، طالبين منهم العفو و المسامحة، و أيضاً بسبب الخوف من بطش تنظيم داعش، صرّح ابن الشيخ بأنّ ما حدث هو أمر الله، والحمد لله على كل حال .

لم تطله قذائف النظام فطاله نصل سكين داعش

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *