أخبار

فصلة يوسف … كردية سورية تقود حراك الرمق الاخير

حسين جلبي – خاص ” أنا قصة إنسان” 

تشهد المنطقة الكُردية السورية مؤخراً حراكاً جماهيرياً كُردياً موجهاً ضد الإجراءات القمعية التي يمارسها حزب الإتحاد الديمقراطي، و هو الفرع السوري لحزب العمال الكُردستاني التركي.

و الذي كان قد أعلن عن سلطة تتحكم بالملف الكُردي هناك، بموازاة سلطة النظام السوري التي تشكل مظلة لسلطته بحيث تشمل الجميع، لدرجة يجد معها الكُردي السوري نفسه مسؤولاً أمام جهتين، و ملاحقاً بالتالي منهما معاً، بحيث أن وفائه بإلتزاماته تجاه إحداهما لا يبرئ ذمته، في الموضوع ذاته تجاه الأُخرى. إن اللافت في الحراك الأخير، الذي بدأ منذ عدة أسابيع، و قد كان خجولاً في بدايته، حيث لم يكن موجهاً ضد أحد من خلال رفعه شعارات عامة هو مشاركة مختلف الشرائح و الفئات فيه و بشكل خاص المرأة لا بل قيادته من إحداهن، و كذلك تحديد أهدافه و تسمية المستهدف.

لم تمنح الأحزاب الكُردية السورية، و التي يصل تعدادها إلى العشرات المرأة الفرصة للتعبير عن نفسها بالشكل اللائق الذي يتناسب مع الشعارات التي تطرحها في برامجها، من جهة أُخرى هنالك الصورة النمطية للمرأة الكُردية التي بدأت تغزو الإعلام مؤخراً، و التي تظهرها كمقاتلة محترفة لا تعرف شيئاً آخر غير السلاح و تنفيذ الأوامر بصرامة دون تردد و بعيداً عن العواطف، بحيث أن كل حياتها و أحاديثها تتمحور حول القتال، و هي الصورة التي يعتبر حزب العمال الكُردستاني مسؤولاً عنها بدرجة كبيرة، لكن الفرصة أصبحت متاحة مؤخراً أمام نساء كُرديات مثل السيدة فصلة يوسف، للعب دور سياسي ما خاصةً أنها نائبة رئيس المجلس الوطني الكُردي، و هو تجمع يشمل العديد من الأحزاب الكُردية الرئيسية التي تتعرض للملاحقة و التضييق من قبل القوى العسكرية و الأمنية للحزب الديمقراطي.

لقد ساهمت إجراءات السلطة التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي، و التي يديرها مع مجموعة من الأحزاب الصغيرة التي تدور في فلكه في وضع المنطقة الكُردية على كف عفريت، فقد تسبب قيامه بملاحقة الشبان الكُرد لتجنيدهم رغماً عنهم في صفوفه إلى هجرة من تتراوح أعمارهم بين العشرين و الأربعين عاماً، بحيث تكاد المنطقة تخلو من هذه الفئة العمرية، و مقابل ذلك تتحدث إحصاءات غير رسمية عن إرتفاع النسبة المئوية للنساء إلى حدود قصوى مقابل الرجال، و إذا أضفنا إلى ذلك التهجير بشكل عام، و الحاصل على خلفية القمع الممارس و كبت الحريات و فرض الأتاوات لتحدثنا ليس عن عدم توازن بين الجنسين فحسب، بل عن تغيير ديمغرافي حقيقي للمنطقة الشمالية الشرقية من سوريا.

لكل ذلك، وبسبب إقصاء المجلس الوطني الكُردي عن الحياة السياسية، و التضييق على أحزابه لدرجة إعتقال أعضائها، و إحراق مكاتب بعضها و إغلاق بعضها الآخر بداعي عدم ترخيصها من قبل سلطة الديمقراطي، التي لا تعترف بها تلك الأحزاب بدورها يجد المجلس نفسه في موقع من ليس لديه شئ يخسره في توجهه إلى الشارع للقيام بالإحتجاجات، و هكذا قادت الإحتجاجات الأخيرة في الحسكة، و لأول مرة إمرأة هي السيدة فصلة يوسف، حيث أضافت لها بعداً لم يكن معروفاً من قبل من خلال خطابها الذي حمل شحنة عاطفية في إطار مطالب واقعية، إلا أنه تم الإعتداء بالضرب على المشاركات بصورة ذكرت بما كان يقوم به النظام في المدن و البلدات السورية في بداية الثورة، لا بل أن مظاهرة سابقة في مدينة ديرك/ المالكية أظهرت أن النظام يقود العملية، حيث أخرج حزب الاتحاد الديمقراطي مظاهرة مضادة جمع فيها أنصاره، بحماية عناصره الأمنية و العسكرية، التي اعتدت على المظاهرة الأُخرى في الوقت الذي تم فيه إعتقال بعض المشاركين من قبل تلك العناصر، و قد أظهر مقطع فيديو للإحتجاج الأخير في الحسكة قيام العناصر الأمنية للديمقراطي بضرب المتظاهرين، و كان منهم الكثير من كبار السن، بعد أن أصبحت المنطقة فقيرة بالعناصر الشابة، نتيجة الهجرة أو الإمتناع عن الظهور في الأماكن العامة، خوفاً من الملاحقة و السوق إلى التجنيد الإجباري.

لقد تم إحتجاز السيدة يوسف مع العديد من المتظاهرات في منزل مجاور لمكان الإحتجاج لمدة حوالي ساعة تمهيداً لإستكمال إجراءات نقلهن إلى المعتقل، إلا أن المفاوضات أثمرت عن مغادرتهن المنزل بعد ضمان عدم التعرض لهن، لينكشف بذلك زيف إدعاءات الحزب الديمقراطي و تشدقه بإعلاء شأن المرأة و منحها المناصب العليا في إدارته.

السيدة فصلة يوسف، و هي إذ تقود حراك الرمق الأخير في الشارع الكُردي السوري بعد أن فقد الكُرد الكثير، تمتلك الكاريزما اللازمة لتصبح قيادية تجمع حولها المواطنين من مختلف المشارب، و الذين يختلفون حتى النهاية حول القيادات الكلاسيكية لأحزابهم، التي تفرق ولا تجمع، لدرجة أصبحت أعداد الأحزاب لا تحصى نتيجة الانشقاقات المتواصلة لأسباب شخصية، و الواقع هو أن الظروف مهيأة للسيدة يوسف لتبوأ تلك المكانة الهامة، خاصةً بعد الوعي الذي أظهره خطابها في التظاهرات الأخيرة الموجه لمحتجي الحسكة، عندما سمت بشجاعة لا تفتقر إلى المرونة، و هي تواجه نظاماً شرساً برأسين المسؤول عن التهجير في المنطقة الكُردية السورية، و راحت تعدد الأسباب التي أدت إلى إفراغ المنطقة من الكُرد، و التي كان على رأسها فقدان الشعور بالأمان و فرض الأتاوات و الملاحقة و التضييق من قبل سلطتين، بحيث أن من ينجو، و على سبيل المثال من الخدمة الإلزامية لأحدهما، لا ينجو من التجنيد الإجباري للأُخرى، هذا بالإضافة إلى فرض حزب الإتحاد الديمقراطي آيديولوجيته على المدارس الواقعة في الأحياء الكُردية، بحيث أنه طبع منهاجاً مدرسياً يتضمن مناسباته الحزبية و راح يفرضه على التلاميذ الكُرد و يرغمهم على الدراسة به، و هو الإجراء الذي أفاض كأس الصبر، بعد أن أعلن النظام من جهته التوقف عن منح رواتب المعلمين في تلك المدارس، و عدم إعتراف وزارة التربية بتلك الدراسة، و إمتناع الكثير من الأهالي عن إرسال أطفالهم إلى ما أُطلق عليه “مداجن التفريخ الآيديولجي”، بحيث أصبح التلاميذ ضحايا بين حجري الرحى، و هو ما دفع ذويهم إلى الهجرة، أو التفكير بها للإفلات بأبنائهم من الطحن.

الواضح هو أن الإحتجاجات المناهضة لحزب الإتحاد الديمقراطي ستستمر، و الواضح أن ثمة دوراً ينتظر السيدة فصلة يوسف في الحرب التي تخوضها على جبهتين، الأولى في قيادة المطالب المحقة لكُرد سوريا تجاه حزب الإتحاد الديمقراطي  و من وراءه النظام، أما على الجبهة الثانية، و التي لا تقل أهمية فستواجه قيادات الأحزاب الكُردية الكلاسيكية، و معظمها نتاج عمليات إنشقاقية هدفت قبل كل شئ للإحتفاظ لنفسها بالكُرسي الأول.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *