أخبار
سوريون على الحدود التركية يحتجون وحرس الحدود يردون بغازات مسيلة للدموع (عن الانترنت).

لسان حال الإعلاميين في الشمال السوري: كلهم شركاء في قتلنا

يتعرض الإعلاميون في محاولاتهم إيصال الحقيقة لصنوف مختلفة من المخاطر، لا سيما في سوريا التي تعاني منذ 8 سنوات، حيث سقط أكثر من 445 شهيداً إعلامياً منذ اندلاع الثورة في آذار/مارس 2011.

الإحصائية الصادرة عن مركز الحريات التابع لرابطة الصحفيين السوريين إدارياً ويهدف إلى الدفاع عن الحريات الصحفية في سوريا ويعمل على توثيق الانتهاكات ضد الإعلاميين، كانت جزءاً من التقرير السنوي عن الانتهاكات بحق الاعلام في سوريا، وصدر بعنوان (الصحافة في سوريا: الخطر أينما كنت!) أشار إلى أن بعضهم قضى خلال حوادث إطلاق النار في التظاهرات السلمية، وآخرون قتلوا في سجون النظام تحت التعذيب، ومنهم من قضى على يد المجموعات المتطرفة، ومنهم من سقط في أرض المعركة خلال تغطية الأحداث، وحتى عائلاتهم لم تسلم من التهديد والمضايقات والاعتقال، ويخشى كثيرون الحديث علناً عنها لتواجدهم في مناطق تسيطر عليها تنظيمات متطرفة أو تقمع الأصوات الصحفية.

ولإعلاميي الشمال السوري ومن هاجر قسراً إليها من الصحفيين من مناطق سورية المتعددة حكاية أخرى، فعلى الرغم من أن مناطق ريف إدلب قد تحررت من نظام الأسد، وبالتالي لم يعد الإعلاميون عرضة للاعتقال والقنص والقتل من النظام، إلا أن هذا الأمر لم يدم طويلاً، حيث ظهرت جهات أخرى تحاول أن تقوم بما عجز عنه النظام، وذلك بالإساءة لرموز الثورة وناشطيها وإعلامييها ممن قضى المئات منهم شهداء ومعتقلين في سبيل نقل الواقع ومحاربة الظلم.

إذ تعرضت وسائل الإعلام ومراكزها لأعمال مداهمة واقتحام وتهديد من قبل الفصائل المتشددة ومنها تنظيم القاعدة (جبهة النصرة) التي داهمت راديو فرش الكائن في مدينة كفرنبل أكثر من مرة وكان أولها بتاريخ 10/1/2016 وقامت بتكسير معداته وتهديد كوادره واعتقال عدد منهم، وكذلك الحال بالنسبة لمقر مجلة مزايا المحلية التي تعرضت للمداهمة هي الأخرى بتاريخ 17/1/2015 وتم تكسير محتوياتها والتحذير من معاودة العمل فيها.

حنان. اسم مستعار لإحدى الصحفيات العاملات في المجلة أكدت بأن المداهمة تمت من قبل هيئة تحرير الشام، وعن تفاصيل الحادثة تروي قائلة «كنا في اجتماع داخل مقر المجلة حين هاجمتنا مجموعة من المسلحين الملثمين، وقاموا بتوجيه الشتائم ضدنا، واتهامنا بالكفر والعهر، كل ذلك وهم يقومون بتكسير محتويات المجلة، وتحت تهديد السلاح قاموا بطردنا خارج المكتب وتوعدونا بعقاب عسير إن عدنا ثانية»، غير أن حنان وزميلاتها عاودن التردد إلى المجلة متحدين كل القرارات والأوامر الصادرة عن المتشددين والمحاربين للفكر والانفتاح، وتصدر المجلة في كفرنبل وتوزع في ريف إدلب الجنوبي وهي تخص قضايا المرأة والطفل والمجتمع المدني.

لم تكن حوادث الاعتداء على مراكز وسائل الإعلام الوحيدة وإنما خسرت إدلب وريفها عدداً من أبرز إعلاميها عن طريق اغتيالهم بطرق متعددة، وهو ما حدث للمصور والإعلامي السوري خالد العيسى (24 عاماً) الذي توفي بتاريخ 25 يونيو 2016 متأثراً بجروحه التي أصيب بها جراء انفجار عبوة ناسفة استهدفته مع زميله الإعلامي هادي العبد لله أثناء تغطيتهم الميدانية في حلب، ويعتبر العيسى من أبرز ناشطي إدلب الذين عملوا على توثيق الجرائم المرتكبة في سوريا في أخطر الظروف، وكان قد تعرض لعشرات الإصابات معظمها بسبب تواجده في أماكن تتعرض للقصف خلال تغطيته الطويلة لما تتعرض له المدن السورية.

«موجع حقاً أن تمر لحظات بذاكرتك المتخمة بالألم على أيام مضت كنت برفقة زملائك، لتجدهم فجأة قد فارقوا الحياة وبطرق بشعة فقط لأنهم حاولوا أن يوصلوا الحقيقة بأمانة وصدق»، يقول الإعلامي يوسف الأحمد (فضل عدم ذكر الوسيلة التي يعمل بها) متأثراً لحال أصدقائه الإعلاميين الذين فقدوا حياتهم بسبب عملهم الإعلامي ، ويضيف «إن الجرائم المرتكبة بحق الإعلاميين في تصاعد مستمر من قبل جميع الأطراف المسلحة المشاركة في النزاع المسلح وذلك كله وسط إفلات تام من العقاب ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات»، ويؤكد الأحمد على ضرورة التحرك الجاد والسريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العمل الإعلامي في سوريا، وضرورة احترام حرية العمل الإعلامي،  والعمل على ضمان سلامة العاملين فيه وإعطائهم رعاية خاصة.

وفي مدينة كفرنبل وفي وضح النهار أطلق مسلحون النار على الناشطين الإعلاميين رائد الفارس وحمود الجنيد (يعملان في منظمة اتحاد المكاتب الثورية في كفرنبل) يوم الجمعة 23 تشرين الأول/أكتوبر 2018، وقد عرف عن الفارس والجنيد مساهمتهما الكبيرة في المظاهرات السلمية ضد نظام الأسد سيما في مدينة كفرنبل التي اشتهرت بلافتاتها.

عن الحادثة يقول الإعلامي علي دندوش وهو الناجي الوحيد من حادثة الاغتيال، بأنه كان بصحبة الشهيدين ويجلس في مقعد السيارة الخلفي حين توقفت سيارة فان بجانبهم، وخرج من نوافذها بندقيات ورشاشات وأطلقوا النار عليهم ما أدى لمقتل الناشطين على الفور ليلوذ المجرمون بالفرار دون معرفة هويتهم. بدا واضحاً تأثر دندوش من الحادثة ووعد بعدم التراجع، والسير على نهج من رحلوا مهما كانت التضحيات حيث يقول «لن يخيفني غدرهم وسأمضي بعملي الإعلامي حتى النهاية».

من جهته اضطر الإعلامي منذر النفوس وهو كاتب صحفي لأن يعمل بالخفاء، وأن يتوارى عن الأنظار بعد تعرضه المتكرر للاعتقال والتهديد من قبل هيئة تحرير الشام التي لم تكف عن ملاحقته. يقول النفوس «فكرت بمغادرة البلاد للتخلص من الضغوط النفسية التي باتت تؤرقني بعد تعرضي للاعتقال والتهديد، غير أنني تراجعت عن قراري لأنني أرفض الهروب ، كما أنني أرفض توقفي عن عملي الذي أعتبره واجباً قبل أن يكون عملاً»، ويتابع بالقول «لقد كان عام 2018 عاماً ثقيلاً إذ شهد مقتل واعتقال العشرات حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الانسان مقتل 24 عاملا في المجال الإعلامي على أيدي أطراف النزاع في سوريا».

وبحسب منظمة مراسلون بلا حدود فإن سوريا تقبع في المرتبة 174 من أصل 180 دولة حول العالم في نسخة 2019 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة (يمكن معرفة المزيد من خلال الرابط https://rsf.org/ar/ranking )، كما يعاني «الصحفيون من الترهيب سواء من القوات السورية أو باقي المجموعات المسلحة بما في ذلك المتطرفون كالدولة الإسلامية وهيئة تحرير الشام أو القوات التي تدعمها القوات التركية أو الكردية»، وأيضا بحسب مراسلون بلا حدود فإن «اعتقالات واختطافات واغتيالات متواصلة تجعل العمل الصحفي في سوريا خطيرًا وصعبًا. ففي 2018، قُتل 10 صحفيين على الأقل، ثلاثة منهم تم اغتيالهم في ظروف مريبة، كما أن التثبت في السجلات المدنية يبين أن خمسة صحفيين مساجين قتلوا في سجون بشار الأسد. ومنذ بداية العام، هرب عشرات الصحفيين عند تقدّم قوات النظام (خاصة في الغوطة ودرعا)، خوفًا من اعتقالهم». إلا أن كل هذا لم يردع الأصوات الشجاعة عن قول الحقيقة والوقوف شهوداً أمام آلة القتل المتعددة الأشكال والمسميات.

 

التعليقات: 1

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *