أخبار

مواطنون دون وطن

مواطنون دون وطن
رشا العنداري

كان يوما ماطرا بالآلام ،غائما بقدر مايحمله من التباسات،لكننا وبسرعة الموت نزعنا معاطف صيحاتنا الهيستيرية ،حلمنا لم يكن بحاجة لمعطف مضاد للقذائف…

لم يكن هناك متسع من الوقت كي يكذب أحدنا في حقيقته..
طريق مزدحمة بالأرواح سلكت نفس الدرب،شتان بين موج البحر وضجيج القنابل،هو الفرق بين موت طهور وخيبة الرجاء.
أذكر في تلك الليلة صوتي الحشور في حنجرتي على متن ذلك القارب تمنيت لو صرخت بكل ما أتيت من قوة كما كنت أصرخ في المظاهرات جملة واحدة تدق ذهني لم يتسع لها المدى فابتلعها قلبي “أنا إنسان”.
أنا إنسان.. لطالما أرقتني هذه الكلمة مذ غادرت أرضي ومذ ودعت ذكرياتي وراح جسدي يسير بخطا متثاقلة،أيقنت معنى أن تسير جسدا دون روح…
دمشق…وأين لروحي أن تكون إلا هناك.
رعب الفكرة أنني لن أسترد روحي
كانت الأفكار تغزو رأسي وكلما تمعنت بفكرة تأتي أخرى لتشتت تركيزي وأنا كثملة في هذه الطريق لم يرافقني إلا كلمات نزار قباني..
مواطنون دون وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مسافرون دون اوراق.. وموتى دونما كفن
ومن فرط ازدحام الأصوات فقدت صوتي والشجاعة في أن أبوح بما أشعر.. فهل كل هذه الأجساد المصلوبة رهن الصدفة قادرة على تحمل المزيد!!!
كيف لي أن أندب وأبكي أمام أم لو استطاعت أن تحمل جثة ابنها من تحت ركام دارها لفعلت!!.
أمام طفلة تمسلك الهواء بملء يدها كأنه ساعد والدها!!
ورجل يبكي قهرا يزلزل الجبال.
وأنا كهؤلاء بلا روح ولا أقنعة ،نحمل نفس ملامح الوجه ونفس الرائحة والعيون الذابلة ذاتها..
الحقيقة المطلقة أن كل ماجرى كان كافيا ليروض صوتي كان كفيلا أيضا لتخذلني حنجرتي كما لم تفعل من قبل.
لافرق بين الصناديق الخشبية إن كان محمولة فوق الأكتاف أو كانت تطفو فوق الماء كهذا القارب ،هو الفرق فقط بالأرض التي تحملك…..

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *