أخبار

ناجية من معتقلات السلطة السورية تروي مأساتها وتناشد: أنقذوا البقية

خاص – أنا إنسان

“العيش تحت القصف رغم كل مخاطره أهون ملايين المرات من البقاء في جحيم الأسد ومعتقلاته لثواني قليلة”، بهذه الجملة اختصرت “أنسام الشامي”، الآلام والمواجع التي عاشتها في سجون السلطة السورية على مدار مرتين، والتي دفعتها في النهاية لترك عائلتها والذهاب من دمشق إلى إدلب خوفا من تعرضها للاعتقال مرة ثالثة.

“أنسام الشامي” والتي فضّلت أن تسمّي نفسها بهذا الاسم، وعدم الكشف عن هويتها الحقيقة خوفا على عائلتها التي لاتزال في دمشق التي تفرض السلطة السورية سيطرتها عليها، حدثت موقع “أنا إنسان” عن جحيم الاعتقال وآثاره التي لاتزال ترافقها حتى اليوم رغم مرور سنوات على الأمر.

اعتقلت قوات السلطة “أنسام” لمرتين، الأولى في منتصف العام 2012، واستمر الاحتجاز لخمسة أيام، ولكن بعد أشهر ليست بكثيرة، نصبت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة كمين محكم لها، بتهمة التواصل مع أشخاص في الغوطة الشرقية التي كانت خارجة عن سيطرتها (السلطة)، حيث كانت تبلغ حينها 20 عاما ولكن صغر سنها لم يشفع لها.

تقول “أنسام” إن اللحظات الأولى للاعتقال تكون صعبة وبعدها يبدأ الأصعب، فكل ثانية تمر عليك كأنها دهر كامل، ورغم كل قوة إيمانك إلا أنك لا تستطيع إمساك نفسك عن طلب الموت في اليوم مرات عدة.

أمضت “أنسام” في الاعتقال الثاني شهرين تتنقل من فرع أمني إلى آخر وستة أشهر في سجن عدرا، وخلال تنقلها بين الأفرع ذاقت كغيرها الويلات من السجانين، سواء على مستوى التعذيب النفسي أو الجسدي.

لم يرحم السجان ضعف جسدها، فألقاها في المنفردة لمدة 15 يوما، ومنع عنها الطعام والشراب إلا الفتات، تقول: “بقيت في المنفردة 15 يوما، أعد الثواني والساعات ولا أعرف ما المصير الذي ينتظرني، ودعيت ربي أن يكون هذا أقسى درجات العذاب، ولكن لم أعرف أن هناك حربا نفسية سيشنها السجانون علي وعلى بقية المعتقلين”.

اقرأ: معتقلون يروون لـ”أنا إنسان” تفاصيل مروعة حول التعذيب في سجون السلطة السورية

وتتابع: “أصعب اللحظات عندما يقول لك المحقق إنه أحضر والدتك أو أخوتك وأنهم في الخارج وأنت تسمع صوت الصراخ، وتبدأ الأفكار تأكل خلايا دماغك، أحقا هذا صوت أبي؟ أم صوت أخي؟ أم صوت أمي؟، فأنت لا تستبعد أن يحضر السجانون حتى الأموات من قبورهم لكي يضغطوا عليك ويدمروا نفسيتك”.

لا تستطيع “أنسام” أن تمسح من ذاكرتها أي لحظة من لحظات الاعتقال، وخاصة تلك الثواني التي يجلب فيها السجان الشبان ويضعهم أمام الزنزانة المحتجزة بها، ويضربهم دون رحمة وهم عراة حفاة، يضربهم بمختلف الوسائل، وصرخاتهم تكاد تشق الأرض وتختفي فجأة، ليعلوا صوت السجان: “وقت بتعترفي منوقف ضرب، أنتي السبب بضربهم، وناطرك نفس المصير”، كما وصفت المشهد.

تعرضت “أنسام” خلال فترة احتجازها للضرب المبرح، وللتعذيب بالكهرباء، والشبح (التعليق من اليدين وبقاء القدمين في الهواء)، ولكن تقول إن ذلك أهون ألف مرة من العذاب النفسي والأثر الذي يمكن أن يتركه على المعتقل، فهي حتى الآن تخاف المناطق المغلقة، وتخاف أن تسمع أي صوت أثناء نومها، وذكرت على سبيل المثال: “في أحدى المرات كان صنوبر المياه في بيتي معطل، ليلتها لم أنم.. ذلك التفصيل الذي يمكن لأي شخص أن يتخطاه بشكل عادي، لا يمكن للمعتقل أن يمر عليه مرور الكرام، وسيفتح كل مواجعك، ويذكرك بكل المآسي”.

وتابعت: “الظروف التي يمر بها المعتقل لا يمكن وصفها، الضرب لا يتوقف، المعتقلون مكدسون فوق بعضهم البعض، الطعام أحيانا متعفن وأحيانا يحرمون منه، وفي حال توفره كميته قليلة جدا ونوع واحد، ربما حبة بطاطا واحدة أو إناء صغير فيه ملعقة من البرغل، وصراخ من يتعذبون لا يهدأ، فإن لم تكن تتلقى الضرب، كُتِب عليك أن تسمع صراخ غيرك والسجنان نتهك ضعفه”.

وزادت: “حقا لا أستطيع الحديث أكثر، ولا أستطيع أن أصف مأساة السجون بالكلمات، إجرام النظام السوري لا يمكن لأي كلمة أن تصفه”.

عند خروج “أنسام” من المعتقل بقيت شهور قليلة في مناطق سيطرة السلطة السورية، وأصرت على إتمام تعليمها الجامعي فهي كانت في السنة الثانية في إحدى كليات الهندسة عندما تم اعتقالها، ونجحت في التخرج وحمل شهادتها بيدها.

ولكن وحشية السلطة وتجربة الاعتقال السيئة والإصرار على مواصلة الدرب، والعمل لأجل الثورة السورية، قررت التوجه للشمال السوري وتحديدا إلى إدلب، مودعة أخوتها وأمها ووالدها، والذين كانوا مع خيارها هذا، لأنهم كانوا يخافون عليها من تكرار تجربة الاعتقال مجددا.

تقول “أنسام” إن العيش تحت القصف في المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة، والذي يمكن أن يفقدك حياتك أو أي جزء من جسدك في حال سقطت جريحا، أهون ملايين المرات من دخول معتقلات “الأسد”، التي لا يمكن وصفها بكلمة ولا يمكن اختصار ما يحصل فيها بكل جمل وحروف العالم أجمع.

وتضيف: “أتمنى من كل قلبي أن يكون هناك تحرّك فعّلي على أرض الواقع في قضية المعتقلين، وأن يتم إطلاق سراحهم في أقرب وقت ممكن، فلا أحد يعلم بمواجعهم سوى الله، والناس الذين عاشوا هذه التجربة المريرة ولكن كتب الله لهم حياة جديدة، فالداخل إلى معتقلات السلطة السورية مفقود والخارج منها مولود”.

“أنسام” واحدة من مئات آلاف السوريين الذين احتجزتهم السلطة السورية بسبب مناهضتهم لها، وجرّبت على أجسادهم شتى أنواع العذاب، دون وجود أي تحرّك دولي لإنقاذهم، والضغط على السلطة السورية من أجل الإفراج عنهم، رغم كل الأصوات التي ترتفع في هذا الشأن.

تابعنا على الفيسبوك : أنا إنسان

تابعنا على يوتيوب : أنا إنسان youtube

حسابنا على تويتر : أنا قصة إنسان 

مجموعتنا على الفيسبوك : أنا إنسان

 

التعليقات: 1

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *