أخبار

نساء الأنقاض السوريات

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 كان الواقع الألماني بعد الهزيمة مريرا فملأ الموت والخراب البلاد، ولأن الرجال حطب الحرب ووقودها انخفض عدد الرجال الألمان خاصة مع وجود أكثر من خمس مليون قتيل، فكان على النساء القيام بما وسعهن للنهوض بالبلد من هذا الدمار.

في هذه الأثناء بدأت لويزا شرودر وهي سياسية في الحزب الاشتراكي وناجية من عمليات الاغتصاب التي تعرضت لها الكثير من الألمانيات بحشد النساء ودفعهن للعمل معا في إزالة الأنقاض لتنطلق حركة “نساء الأنقاض” من برلين لتنضم إليها قرابة 60 ألف امرأة ووصل عدد النساء فيما بعد إلى نحو 80 ألف امرأة.

قامت هؤلاء النسوة بالتخلص من الركام واستخراج الأحجار السليمة من بين الأنقاض لإعادة استخدامها مرة أخرى في البناء إضافة إلى تجميع الحطام لنقله بعد ذلك خارج المدن.

وخلال ما يقارب التسعة أشهر قامت الالمانيات بتكسير حطام أكثر من ثمانية عشر مليون مبنى وتحويله إلى التراب الذي جمعنه على هيئة جبال في أنحاء ألمانيا.

بعض الباحثين مثل ليوني تريبر كان لها رأي مختلف فهي ترى بأن امرأة الأنقاض شخصية وهمية وبأن إزالة الأنقاض بعد الحرب كانت مهمة تولتها بالدرجة الأولى شركات بناء عقدت صفقات مفيدة لصالحها مع المدن.

“لم تلعب النساء إلا دورا ثانويا في إزالة الأنقاض في المدن الألمانية”، كما تقول المؤرخة، فرغم أن 60 ألف امرأة تقريبا شاركت في برلين مثلا في إزالة الأنقاض، إلا أن هذه نسبة لا تزيد على خمسة بالمائة من سكان المدينة من نسبة النساء آنذاك على حد وصفها.

وعلى اختلاف الآراء لا يمكن التقليل من أهمية جهد ثمانين ألف ألمانية بذلن ما بوسعهن للنهوض ببلدهن من الدمار وشاركن ما تبقى من الرجال عملهن بكل صبر على الرغم مما عانين خلال الحرب.

اليوم تحاول النساء السوريات النهوض مجددا ببلدهن وبأنفسهن وبعوائلهن، في كل المجالات، وقد تبدو الاستفادة من تجربة نساء الأنقاض الألمانية أمرا مهما، فالطاقات التي تملكها النساء كبيرة على الرغم من الخسارات التي منين بها، كما أن عددهن يفوق عدد من بقي من الرجال في البلد، العدد الذي يبدو في انخفاض فأينما حللت وجهك ستجد الوجود النسائي طاغيا وبقوة.

قبل فترة وأثناء عمليات إصلاح بعض الطرقات الرئيسية وتأهيلها في العاصمة دمشق وأثناء مرورك من شارع فارس الخوري تحديدا ستلاحظ أن معظم العاملين في تأهيل هذا الطريق هن من النساء، مشهد قد يبدو غريبا على سكان العاصمة دمشق إلا أن النساء العاملات يشعرنك بأنه أمر طبيعي.

قد لا تفضل بعضهن الخوض في حديث مع أحد فهمهن إنهاء العمل الموكل إليهن إلا أن أم أحمد لم تجد مانعا في ذلك حين سألتها ما الذي خطر ببالك حين أتيت للعمل هنا ضحكت وقالت “ما ضل رجال بالبلد لتشتغل فمنشتغل نحنا” في البداية واجهت أم احمد صعوبة بالعمل الذي بدا شاقا عليها نوعا ما لكنها سرعان ما تأقلمت مع عمليات الحفر ونقل الركام وخاصة بوجود بعض الآلات التي تساعدهم في العمل.

لكن ما لم تعتد عليه أم أحمد هو نظرات سكان الحي وبعض العاملين معها المستغربة لوجودهن وزميلاتها في العمل وعلى الرغم من عدم اكتراثها للأمر إلا أنها فضلت تغطية وجهها باللثام الذي تغطي رأسها به ليرتاح بالها أيضا وبالفعل عمدت بعض زميلاتها إلى تغطية وجوههن أيضا.

تؤكد أم أحمد أنها لا تشعر بالخجل من عملها “فالشغل مو عيب، أفضل أن أعمل بكرامتي بدلا من ان أكون بحاجة لأي كان”.

في جرمانا على أطراف العاصمة دمشق وبعد أن كثر الحديث عن مشكلة النفايات المتراكمة على أطراف الشوارع في المدينة استجابت بعض الجمعيات المحلية لحاجة المدينة وبالفعل انتشر عمال وعاملات نظافة يعملون مع هذه الجمعيات.

وجود نساء عاملات في مجال النظافة جاء بعد قلة عدد الرجال فمعظم الذين كانوا يعملون قبلا في تنظيف الشوارع تم سوقهم إلى الخدمة الاحتياطية أو الإلزامية.

سمية إحدى العاملات صادفتها أثناء عملها على الشارع الرئيسي وفي حديث قصير دار بيني وبينها أخبرتني أنها معيلة لأسرتها بوجود والدها المريض ربما تشعر قليلا بالحرج من نظرات المارة المستغربة لكنهم سيعتادون على رؤيتها على حد قولها وتضيف “كل الأعمال تشبه بعضها المهم أن أتمكن من الحصول على ما يكفي لأسرتي وألا يعاملني أحد بطريقة مهينة، الراتب جيد هنا ولا أحد يضايقني”.

في دوما في الغوطة الشرقية عادت أم أيمن إلى منزلها على الرغم من الدمار الذي أصاب الحي الذي كانت تقطنه قبل نزوحهم عام 2012 فقد تعبت من العمل لتأمين إيجار المنزل الذي كانت تسكنه مع عائلتها في دمشق الذي كان في ارتفاع مستمر.

كان المنزل بحاجة إلى الكثير من الإصلاحات فقررت البدء بنفسها بذلك بدأت نقل أكوام الردم وقامت بتركيب شبابيك من النايلون بشكل مؤقت إلى أن تتمكن من شراء شبابيك جديدة اشترت بابا جديدا قامت بتركيبه بنفسها فقد أرادت توفير أجور العمال ورأت بنفسها القدرة على إنجاز الأعمال.

تقول أم أيمن “بعد اختفاء زوجي في دمشق قبل خمس سنوات وجدت نفسي مسؤولة بشكل كامل عن أسرتي قررت أن أمضي قدما في الأمر وها أنا الآن عدت إلى منزلي وتمكنت من ترميمه مؤقتا إلى أن تتحسن الأحوال وأصلحه بشكل كامل”.

تشعر أم أيمن بالقوة وتبذل كل ما بوسعها لتؤمن حياة كريمة لأطفالها، تبتسم وتضيف “كل امرأة قوية بداخلها يتركونا على راحتنا ويشوفو شو قادرين نعمل”.

نور ابراهيم

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *