أخبار
هكذا كنتُ أعمل وأدفع الرشوة

هكذا كنتُ أعمل وأدفع الرشوة كي أنام في المنزل الذي استأجرته؟!

آلند شيخي 

ذات مرّةَ كنتُ عائداً من العمل ،تائهاً في السّرفيس ،سرفيس وادي المشاريع بالتحديد في دمشق ،طيلة الطريق وأنا أفكّر كيف سأدخل إلى البيت الذي استأجرته مع بعض أصدقاء الطلبة أمثالي من مدينة الحسكة.

كان الأمر يحتاج إلى موافقة أمنيّة ،وعقد إيجار، هذا عدا الرشاوي التي تطلبها عناصر الدفاع الوطنيّ المسؤولين عن دخول وخروج أي مواطن ،بينما يتغاضى الأنظار عن أصحاب الرّشاوي ،ومن ينتمون إلى ابناء الطبقة المحسوبة على النظام السوري ،

أنا الطّالب في كلية الآداب قسم اللغة الأنكليزيّة،(آلند شيخي) من مدينة الحسكة، كُرديّ الأصل ، مؤجّل لدى التجنيد حسب القوانين المعمولة بها ،في الدولة السورية ،فقط لأنّه طالب ،دخل إلى الجامعة مملوءاً بالعقد الماديّة الخاصّة ،وزدات هذه العقد بفضل عناصر الجيش العربيّ السوريّ ،يعمل بعد دوامه الجامعيّ في إحدى المحال في المزّة حي الشيخ سعد – أي أنا ،الغر  طالب السنة الأولى الذي بلغ بالكاد التاسعة عشرة من عمره بالكاد بزغ ذقنه- لم يكن إرهابياً أو إنفصالياً يُهدّد أمن البلد ، ولم يحمل السلاح ،ولا يوجد في عائلته متشدّدين أو شهداء ،أغلب أصدقائه كانوا وجوديين لهم ذقون أو ( سكسوكة ) تشبهاً بـ ماركس ،ولينين .

على كلّ حال نادى شوفير السرفيس قائلاً : (حي الوزان حدا نازل )

فأجابته : أي معلم بزكاتك نزلنا هون.

نزلتُ لأكمل الطريق مشياً قبل الحاجز  بحوالي 500 متر ، وذلك تفادياً أن يتم إيقافي من قبل عناصر الحاجز لأنهم يوقفون جميع السيارات المارة ويطلبونهم بالبطاقات الشخصية ووثائق أخرى كثيرة.

توجهت بهدوء تام نحو الحاجز ، أقترب منه و أمثل بأنني لستُ مبالي وغير ملبك وأدعي قائلاً “يارب ما يقلي عطيني عقد الإيجار  و روح نام بالبيت اليوم “.

وصلتُ للحاجز ولكن! اليوم لقد وضع الجندي ماهر- احد عناصر اللجان الشعبية – كرسيّه على الطرف اليميني للشارع ، لكي يُوقفَ جميع المارة مشياً. وينادي ماهر : تعى تعى ، أنت أنت ، تعى لهون. وتبدأ المحادثة هنا …

الجندي ماهر: لوين طالع ؟

أنا : ولله على الرز .

الجندي ماهر :(هات هويتك ) نظر اليها ثم تابع قائلاً :شو شيخي ! من عامودة؟

أنا :أي.

الجندي :كردي ولاه؟

أنا :نعم

الجندي :وَين ساكِن يا شيخي؟

أنا : بموقف سولاف مستأجر هنيك.

الجندي ماهر :هات العقد والموافقة الأمنيّة…..

أنا :ولله مامعي ما طلعناهن لانو طلبوا منا أوراق كتير وعندي إمتحانات

تابع الجندي بساديةً رافعاً نبرة صوته أكثر: أبتروحوا للجيش وبتسكنوا هون بِدون موافقة أمنيّة يا جامعيّ.

هنا تغير لوني وبدأتُ أفكر  بالعودة إلى المدينة الجامعية وأنام بين أحد عشرة شاباً في غرفة لا تتجاوز طولها 4 أمتار في الوحدة الأولى،هكذا عنَّ في نفسي فقلت له : أريد العودة إلى السكن لن أدخل إلى الحي وطلبتُ هويتي.

الجندي : أفِ هويّ ، هويّ تعني باللهجة الساحلية ( بطاقة شخصية). حمل الجندي هاتفه ، وبدأ يتحدث مع هذا وهذا ويتسلى ويتصفح في الفيس بوك. في حين بقيتُ واقفاً أنتظر  رحمته.

بعض مرور حوالي نصف ساعة ، ترحم علي الجندي ماهر وقال لي : (ليك ليك في هون كشك بالزاوية ، روح جبلي باكيت كلواز أحمر وعلبة متيّ (الخارطة ها) ، وتعى أرجَع خود هويتك.

وللعلم فإن دخان “الكلواز  الأحمر” هو دخان اجنبي أي بمعنى آخر هي مادة مهربة ولكنها تباع في الكشك المقابل للحاجز وليست ممنوعة، فصاحب الكشك تطبق عليه المقولة المشهورة في الساحل السوري ( من عنا)، ويبلغ سعر علبة سجائر الكلواز الأحمر تبلغ 275 ل،س ، وسعر علبة المتى تبلغ 300 ل،س ، الحساب 575 ل،س . هنا يجب علينا أن نحسب الدخل اليومي للطالب الذي يعمل إلى جانب دراسته ، فراتبه تقريباً يصل إلى 20 آلف أحيانا، إذا أشترى الطالب علبة متة وباكيت من الدخان لأحد جنود الجيش السوري فستكون فاتورته 17250 ل،س شهرياً ، أي بمعنى يجب عليه أن يكمل معيشته ب 2750 ل،س طيلة الشهر. هذا موقف صغير جداً من المواقف التي تحدث مع كل السوريين يومياً طيلة السنوات الستة من الثورة السورية في المناطق التي يسيطر عليها قوات الحكومة السورية.

والتعليق لك يا من قرأت هذه المادة