أخبار

رصاصة .. وحب … بين جبل محسن والتبانة اللبنانيين

نسرين مرعب- لبنان- ” خاص أنا قصة إنسان” 

عندما نسمع قصص الأجداد عن طرابلس ، نرى أنّ ما شهدته في السنوات الأخيرة من معارك “جبل – تبانة” وما حملته من بعد طائفي ، ما هو إلا وليد اللحظة ، وليد السياسة التي فرقت الجيران وأهل البيت الواحد … في السبعينات من القرن الماضي لم يكن بين زوايا هذه الفيحاء لا سني ولا علوي ولا شيعي ولا مسيحي بل كان فيها فقط “طرابلسي” ، وحينما تسألهم عن التفرقة التي طغت على المدينة يجيبك القدماء بسخرية قائلين “بعمرنا ما عرفنا الطائفية” .

IMG-20151206-WA0017من هذه النماذج التي تصوّر التعايش والتزاوج بين أهل طرابلس ، السيد زكريا وهيب طيبة ، والذي في جلسة معه يعيدك إلى ما قبل الحروب ما قبل التباعد السياسي الذي قسّم الأخوة ليخبرك أنّ هذه المدينة مدينة القلب الواحد والنبض الواحد . إنّه من المهتمين بشؤون باب التبانة ومن سكان الحارة البرانية مسلم سني ، جمعه الحب والزواج في العام 1971 بجارته الفاتنة التي جمعت بين الشيعية والعلوية . عاهدة المتحدرة من أم سورية علوية من صافيتا ومن أب شيعي من بعلبك ، هذه الجميلة علقت قلب زكريا بها ، فما كان منه إلا أنّ طلب يدها للزواج .

زواج زكريا وعاهدة كان يسيراً سهلاً دون معارضة أو توقف عند المذاهب الثلاثة المتباينة ، فيقول لنا : “طلبت يدها من أبيها فوافق فوراً ، هو يعرفني جيداً ولم يكن في حينها من حواجز مذهبية بل لم يكن أحد يسأل ما مذهبك ؟ ” ويضيف : “لم نواجه أيّ من الصعوبات ، فالعلوي والسني هم بيت واحد وباب واحد ويخبرنا عن عادة سكب الطعام للجيرة التي يؤكد أنّها ما زالت حاضرة حتى اليوم بالرغم من الصورة السلبية التي تحاول فرضها بعض الوسائل الإعلامية على طرابلس ” ..

ويحدثنا بشغف عن تلك الأيام التي لم يكن بها أيّ من التفرقة ، فحارة السيدة مثلاً كان المسيحيون بها يضعون الحجاب ، ليس لأنه يفرض عليهم من أهل المدينة بل لأنه بالنسبة لهم هو فريضة فالسيدة مريم العذراء محجبة ، ويؤكد أنّ التعايش والتشارك ما زال حاضراً بهذه المناطق والحارّات حتى في أيامنا هذه . ليتنهد قائلاً : “شوفوا شارع عبد الحميد بباب التبانة وكيف التعايش السني – العلوي ، الكل إخوة ما بتقدر تفرٌّق”

عمر الحب الذي تم تقدّيسه بالزواج بين زكريا وعاهدة تخطى الأربعين عاماً وتخطى كل جولات الحروب والمناحرات السياسية التي سجنت المدينة . وفي دردشة مع السيد زكريا عن انعكاس ذلك الجو المشحون بالرصاص والبارود والتطرف على حياته الأسرية وحبه لزوجته ، أكد لنا أنّه لم يؤثر أبداً ، لا على علاقته بزوجته ولا بأهلها وأقربائها ، لأن ما كان يحدث لا يشبه طرابلس ولا طبيعة أهلها ولا المناخ الحقيقي للفيحاء . ليُضيفَ مبتسماً لدهشتنا : ” ليش مستغربين هيك طرابلس حب وفرح وتعايش وهيك باقية وهيك حتضل ، صدقي يا بنتي كل الجولات ما فيها تفرق الأخوة ” .

نعم هي طرابلس ، وما زالت وستبقى ، لعنة الرصاص لن تغيبها ، هي الحب الذي غلب قوة الرصاصة، هي قصص العشق المخفية بين الزوايا ، هي قسم التعايش والبيت الواحد .

 وقصة السيد زكريا ببساطة نموذج يتكرر في طرابلس ، ويتواجد بكل حيّ بها ، نموذج الصورة الحقيقية لقلب لبنان ولعاصمته الثانية .

التعليقات: 4

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *