أخبار

زوجات تحت الطلب

مالك أبو خير

اعتقلت المخابرات الجوية خطيبي مع بداية الحراك السلمي في سورية، ثلاث سنوات وأنا انتظر خروجه إلى حين إخبار ذويه أنه استشهد تحت التعذيب وطُلب منهم استلام هويته ووثيقة وفاته، كان الخبر صادماً لي لكن والدي بدأ بالضغط عليّ في الزواج وتخفيف الكاهل المادي عنه، كان يقولها صراحة دون أي تجميل:” أنا ماعاد قادر أتحمل مصروفك ومصروف اخواتك السبعة”.

جارتنا لم تنتظر كثيراً بعد خبر استشهاد خطيبي فجاءت إلى والدتي ومعها عرض زواج سخي، الزوج يبلغ من العمر 50 عام ولديه ثلاثة أطفال وأحواله المادية جيدة ويعيش في باب توما ولديه بيت وعدة محال تجارية، وهكذا عرض لم يفكر والدي حتى مجرد تفكير باستشارتي وحدد موعد العرس بعد أسبوع من قدوم العريس للمنزل ودفعه مقدم مالي 400 ألف ليرة سورية.

من الشروط التي فرضها العريس أن تكون مهمتي تربية أطفاله الثلاثة والخدمة في المنزل، أما العمل فهو ممنوع منعاً باتاً بالإضافة إلى الهاتف الخلوي والفيسبوك والواتساب فكل ذلك يدخل ضمن قائمة الممنوعات، ويمكنني الحديث مع أهلي فقط عبر الهاتف وتحديداً الهاتف الأرضي، وفي حال مخالفة هذه الشروط قالها العريس بكل صراحة لوالدي :” ستعود إليك مطلقة، انا علي أكلها وشربها وملبسها وهي عليها تلتزم بكلامي”.

زواجي كان ” تحت الطلب ” أي زوجة وفق شروط محددة وفي حال رفض والدي وهذا مستحيل فإن الكثير من العائلات التي تعاني من ضعف مالي سوف توافق، فقد أصبحت هناك حالة استغلال واضحة للعائلات النازحة من مناطق الحرب وأصبح الفقر الذي تعانيه هذه العائلات ساحة مفتوحة للاستغلال بشتى الطرق وأسلوب زواجي أكبر دليل.

والدي ليس بالشخص السيء فقد كان مديراً لإحدى المدارس بريف دمشق وكان لديه أراضٍ وأملاك لكنها أصبحت الآن في مهب الريح وخسرنا منزلنا الكبير في الغوطة وأصبحنا عاجزين عن تأمين مصروفنا بعد اليوم 15 من كل شهر ونعجز أحياناً عن دفع الإيجار المرتفع، وهو مع مرور الوقت ومع خسارته لإخوته وأصدقائه الذين ماتوا خلال السنوات الماضية وصل إلى وضع نفسي رهيب تطور هذا الوضع مع مشاهدة صورة إخوته الثلاثة ضمن الصور المسربة لشهداء تحت التعذيب، وزاد الأمر سوءاَ عجزه عن تأمين أبسط احتياجاتنا.

فاطمة صاحبة القصة من ريف دمشق، تعرفتُ عليها عبر الطبيبة النفسية انطوانيت التي لجأتْ إليها فاطمة بعد زواجها حيث كان لها حكاية أخرى بعد زواجها تطورت وأدت بها للذهاب إلى السيدة انطوانيت التي وقفت إلى جانبها ودعمتها حيث تقول د.انطوانيت:” هناك حالة استغلال بشعة بحق غالبية العائلات النازحة في دمشق، وتحديداً التي تعاني الفقر رغم أن معظمهم في السابق كانت أحوالهم المادية جيدة لكن الحرب دمرت كل ما يملكون، وطبعاً المرأة هي أهم عوامل الاستغلال حيث أصبح البعض عندما يريد زوجة ضمن مواصفات خاصة به يتوجه إلى هذه العائلات لإنه يعرف أن وضع الفقر الذي تمر به العائلة وحالة التشرد ستجعلهم يوافقون، كما حال فاطمة بل هناك حالات أسوأ بكثير أذكر لكم منها قصة فتاة تبلغ من العمر 22 عاماً فقدت والدها وإخوتها ولم يبقَ من عائلاتها سوى أمها وأختها الصغيرة جاءها عرض زواج من رجل أربعيني وكان شرطه للزواج أن تخدم أمه وزوجته المريضة وأطفاله وتلبي رغباته كزوجة مقابل أن يدفع لامها واختها إيجار المنزل مع مصروف بسيط كل شهر والفتاة وافقت، وهي اليوم خادمة تحت اسم الزواج وقد دُمرت حياتها بالكامل وخصوصاً أنها تركت الجامعة بعد رفض الزوج إكمال تعليمها بل إنه يمنعها من الخروج إلا برفقته”.

وتتابع انطوانيت: ” هناك سوق نشيط للزواج في دمشق وأنا أصر على تسميته بـ ( سوق )  لكون الزواج يتم عبر استغلال المرأة وتحديداً من العائلات النازحة من مختلف المحافظات، ويتم فرض شروط مؤلمة على الفتيات نظراً لحالة الفقر والتشرد دون أي رحمة أو شفقة تجاههن والمصيبة أنه وفق القانون وتحت اسم الزواج والستر، وكأن الستر لا يتم إلا من خلال استغلال حاجة الناس ووضعها، والمؤلم أن المرأة نفسها هي سيدة هذه السوق وأقصد هنا ( الخطابة ) التي تبحث للرجل عن فتاة تناسب شروطه مقابل أجر مادي بل وفي بعض الأحيان تمارس ضغطاً نفسياً على الفتيات للموافقة أي أن المرأة نفسها هي من تمارس الظلم فهي لاعب أساسي في هذا السوق”.

بالعودة الى قصة فاطمة فقصتها الأكثر تميزاً بين القصص التي سمعتها عن حالات استغلال بحق النساء النازحات، لكون فاطمة أخدت قراراً يعتبره البعض تمرداً فبعد زواجها بسنة ونصف تعرفت على انطوانيت التي عالجتها نفسياً وساعدتها في علاج أغلب الكدمات التي تعرضت لها نتيجة ضرب زوجها لها وقد استطاعت الحصول على الطلاق منه، واليوم هي تعمل ضمن مؤسسة خيرية بأجر مادي مقبول وتتابع حياتها بشكل طبيعي وهي مؤمنة أن خيارها القادم في الزواج سيكون بما يرضي إنسانيتها وكرامتها ولن تقبل بزواج لا يحقق هذه الشروط.

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *