أخبار

عائلة سورية بين الموت والمعتقل : رواية من أربعة فصول

 

سامر النجم أبو شبلي

 

لم يكن الموت قريباً من “عبد الرزاق خ”، الستيني كما كان قريباً خلال السنوات الماضية، وكالكثير من السوريين كانت خسارته فادحة. إذ خسر عائلته بطرق مأساوية، فيما يقبع أحد الناجين من أبنائه في أقبية النظام دون أي ذنب، نجا ابنه البكر من الموت إلا أنه لم ينج من الأمراض النفسية، أما هو فانفجر قلبه المكلوم الذي لم يستطع تحمل كل تلك المصائب.

بدأت قصة “عبد الرزاق” المنحدر من أحد أرياف درعا؛ عندما قُتلت زوجته مع ابنه الصغير البالغ من العمر سنتين بسقوط صاروخ بالقرب منهما حين حاولت الأم الهرب من هجوم شنته فصائل المعارضة على قوات النظام في قريته منتصف العام 2013.

كانت الصدمة كبيرة، ولكنه استطاع استيعابها من مبدأ إيمانه بالقدير، وما أصاب جيرانه مثله؛ خفف عنه هول الفاجعة، وتعايش مع مرارة الفراق مدة سنتين.

إلا أن هذا لم يكن سوى الفصل الأول، فيما تولت «داعش» الفصل الثاني، حيث يقول الناشط في الريف الغربي لمحافظة درعا “محمود السعيد”: «في العام 2015، قتلت عناصر تتبع لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» ابنه الأوسط رضوان حين اضطر للمبيت لدى صديق قديم له في بلدة عين ذكر في ريف درعا الغربي، وكانت البلدة تعتبر منطقة تماس مباشر مع مناطق سيطرة «داعش»، حيث يسيطر عليها فصائل تتبع للجيش الحر. وفي الليلة نفسها هجمت داعش على عين ذكر بقصد احتلالها، ونجحوا باعتقال قرابة 22 شاباً بينهم رضوان، حيث تم قتلهم بطريقة وحشية لا يمكن وصفها، وقطعوا رأسه وحرقوا جثته. وحين تم تداول فيديو مقتله لم يحتمل قلب الوالد، فأصيب بجلطة قلبية أدت إلى مقتله على الفور».

أما الفصل الثالث فكان ضحيته الابن رضا المقيم في لبنان بقصد العمل، الذي عاد مسرعاً ليتقبل التعازي باستشهاد شقيقه، وموت والده المفجع، ولكنه اعتقل على الحدود السورية اللبنانية دون أية تهمة معروفة، ولم يعرف عنه شيء منذ ذلك اليوم.

فيما ظل الفصل الأخير من الفاجعة من نصيب الابن البكر، الذي ترك منزل العائلة وقرر السكن في مكان بعيد بعد أن كره البيت والقرية التي تذكره كل لحظة بعائلته التي انتهت في المقابر والسجون، إلا أن القدر لم يتركه وأصر على تنصيبه بطلاً لأحد فصول رواية عائلته المفجوعة، ففي العام 2017 كان يرعى الأغنام في قرية “العشة”، عندما علم أن أحد أبنائه قد عثر على قنبلة فردية (رمانة يدوية)، ورماها على أحد أخوته داخل المنزل، ظناً منه أنها لعبة مسلية مما أدى لانفجارها، ومقتل زوجته وابنيه معاً، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة وهو مصاب باكتئاب قاتل، ولا قدرة له على العيش أو الشعور بالحياة.

عائلة “عبد الرزاق” واحدة من العائلات التي انتهت جذورها بشكل كامل في سوريا، ولم تعد تذكر سوى في ليالي الشتاء الباردة، فلا أحباء يطرقون الأبواب، ولا أولاد يلعبون في الساحات، ولا أصوات يمكن أن تعلو داخل تلك الجدران المهجورة.

 

التعليقات: 2

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *