أخبار

غادة أبو مستو … حكاية صراع طويل مع اليأس والحرب

مزن الزهوري – لبنان 

رحلةٌ تمتدُّ جذورها من الحصار والقصف حتى اللجوء، تميزها الإستمرارية والمحاولات، وعدم اليأس. هي رحلة غادة أبو مستو، الناشطة في المجتمع والمدني، والمسؤولة عن برنامج التعليم بتجمّع ضمّة في لبنان.

غادة خريجة المعهد الشرعي لغير المتفرغين في دمشق، و أمٌّ لخمسة اطفال. حصلت على شهادتها من المعهد، بعد زواجها و إنجابها، تحدّت المجتمع المحيط والعوائق، و كانت تذهب لتقديم الإمتحانات سرّاً.

زوجها لم يمنعها من الإنخراط في العمل التطوعي، فكانت تدير حلقات التحفيذ والتعليم في المسجد،

من خلال الأنشطة وجلسات التعبير عن النفس،  حيث استطاعت بهذا أن تكسر النمطية المعتادة عند الناس أنّ المساجد للعبادة فقط.

لم يحبّذ زوجها كلّ ما تفعله، فهو يريدها متفرغة لبيتها و أطفالها وحسب، لكنّ إصرارها وحبّها لما تفعله، جعله ييأس أمام رغباتها وما تحققه.

في الوقت الذي يعاني فيه ملف تعليم الاطفال اللاجئين مشاكلاً كبيرة، تحاول غادة التجهيز لمشروعات  في مركزها، تبني فيها الطفل بدءا من أُسس الحياة ومهاراتها، إضافة للدروس الإضافية في مناهجهم التي يدرسونها ضمن المدارس الرسمية. فالأطفال اللاجئون وخاصة الذين يعيشون في المخيمات، يعانون نقصاً حاداً في سلوكهم ، تواصلهم وغير ذلك.

عندما تزور أحد المخيمات في البقاع وتجد150 طفلاً لم يدخلوا المدرسة هذا العام، رغم قرب المدرسة من مخيمهم، لعدم وجود استيعاب المدارس لهم، بالإضافة لإفتقار الأهل بوعيهم لضرورة التعليم. تسعى جاهدة للتغير ضمن هذا الواقع المرير. فالبعض منهم يرسلون أطفالهم للعمل، و إن لم يحصلوا على دعم لمواصلات وقرطاسية من المنظمات المسؤولة، لا يسجلونهم .

دائماً نجدها وسط المخيمات، تزور السيدات اللوائي أصبحن صديقات لها، ينتظرن قدومها، لتكون الساعة التي تجمعهن وتعطيهن الراحة بمشاركتها مشاكلهن، وبالمقابل هي ساعة السلام النفسي لها مع ذاتها. تشكي الأمهات لها من تصرفات المنظمات التي تقدّم برامج الدعم في المخيمات، فلا زالوا على مدار اربع سنوات، يقومون بتكرار الأحرف من الصف الأول حتى الرابع الإبتدائي.

تعمل ليل نهار في مركزها بغزّة في سهل البقاع الغربي، إحدى أكبر البلدات التي استقبلت اللاجئين من حيث عددهم. تخرج من منزلها عند الثامنة صباحاً، تواصل شغلها في المركز حتى الثامنة مساءاً. ترجع هي وأطفالها جميعهم إلى المنزل بنفس التوقيت، تحضّر العشاء، فهي تقرر الطبخة قبل الوصول إلى المنزل، أو تجهزها من اليوم السابق، تدردش معهم لساعتين وتتابع دراستهم و أمورهم واحتياجاتهم. كما يساعدونها أيضاً في عملها.

 إبنتها الكبيرة تدرس تكنولوجيا المعلومات في الجامعة اللبنانية، و إبنها يساعدها في اللوجستيات في مركزها، الوسطى تدرس تصميم داخلي، والصغيرتان في الصفوف الإبتدائية.

أطفالها يساندونها منذ اعتقال والدهم في الزبداني في الشهر التاسع من عام2012م، بإحدى الحملات العسكرية التي قام بها النظام السوري على المزارعين في بساتينهم بالجبل الغربي .

ابنتها الكبيرة تحمل المسؤولية والأمومة معها بشكل أساسي، خاصّة في تدريس إخوتها الآخرين وإدارة شؤون المنزل.

المجتمع المحيط بغادة يحترمها جداً، سواء أكان لبنانياً أو سوريّاً، فهي الإنسانة البسيطة المتواضعة، رسالتها في الحياة أن يحصل جميع الاطفال على حقهم في التعليم، وتعليمهم يعني بناءهم وبالتالي بناء أوطان بأكملها. ولأجل هذا تعمل بشكل دؤوب دون ملل.

مركز التعليم المسؤولة عنه، يقدم دروساً إضافية للتلاميذ السوريين الذين يتعلمون في المدارس الرسمية اللبنانية، بمختلف المواد. كادره مجموعة من المعلمين السوريين واللبنانيين الذين تطوعوا للتدريس ،إضافة لتقديم برامج الدعم النفسي والترفيه. كما أنشات البيت الدراسي الخاص بدعم طلاب الشهادة الإعدادية، وتحضيرهم بشكل جيد لتقديم الإمتحانات الرسمية النهائية.

أبرز اللحظات التي تركت اثراً في  روحها، أثناء تحضيرها مع الطلاب والأساتذة هذا الصيف لمهرجان يعزز الإنتماء لسورية،  لدى طلاب مركزها الثلاثمئة، ويعرّفهم على وطنهم وحضارته، تراثه وآثاره وميزات بلداتهم ومدنهم..

حينها ركضت إحدى التلميذات الصغيرات لتقول لغادة: ” خلي اللبنانيين يكونوا كتار اليوم، ليشوفوا شأد سورية حلوة، شأد عنا اشيا حلوة، بدنا نعرفهم عليها، ماكنت بصدق إنّه بلدنا حلوة”.

هذه التلميذة التي لم تعرف عن وطنها سوى أحرفه الخمسة، وسنة عاشتها فيه بعد قدومها للحياة.

 فقد كبرت سبع سنوات كلاجئة في لبنان.

الموقف يلّخص  الرضا لغادة عمّا تفعله وتسعى لأجله، هو شعور جميع تلاميذها، ومَن حولهم.

 تشيرإلى وضع التعليم الذي ازداد تدهوراً للأطفال السوررين هنا، فهذه السنة تفاقمت المشكلة، و مُنِعَ التلاميذ الذين لم يدرسوا الروضة الثالثة في المدارس الرسمية، من الإلتحاق بالصفّ الأول فيها، فلا يقل عن ثمانين طالباً في بلدة الخيارة، ومئة وعشرة منهم في بلدة غزّة المجاورة، كلّهم دون صفوف، يمكثون في خيمهم. فالروضة الثالثة مُلئَت بالذين ينبغي ان يدخلوا الأول، ولم يُجرى لهم امتحان سبر معلومات، وتمّت إعادتهم إلى الروضات لانّهم لم يدرسوا في الرسمية العام الفائت. هذه واحدة من بين العديد من المشاكل.

تجربتها في هذا الميدان، بدأتها منذ أن دخلت لبنان في عام 2015م، ووجدت نسبة كبيرة من الأطفال لا يذهبون إلى المدارس الرسمية ولا غيرها، بعد إحصاء أجرته في البقاع الغربي.

لم تكن أول مرّة تنخرط بها في مجال التعليم، فهي تكمل عملها الذي انطلقت به في 2012م، عندما حُوصِرَ المدنيون في الزبداني. هيّئتْ آنذاك مركزاً واسعاً آمنا لتعليم الاطفال، في ظلّ القصف المتواصل. جهزته ليحمي مَن فيه، و أدخلت قافلة من الأدوات اللازمة للتدريس. هذه الجهود، نتيجة عملها مع كيان نسوي مؤلف من ثلاث عشرة امرأة، أنشأنه في بداية  الثورة السورية، باسم تجمّع ضمّة. تظاهرن في الحراك السملي، وتطوعن لتربية الأطفال المحاصرين مع  غياب المدارس.

ذاك المكان مُلئ بتعليم الرياضيات واللغتين العربية والإنكليزية، شعّ بالفرح والحياة رغم الموت المحدق به من كلّ صوب. الجميع بداخله يطبخون سويّة ويغنون، يلعبون على المسرح، يرسمون الصمود.

تلك  المشاهد التي تمدّ غادة بالقوّة حتى الآن، فهي ليست كما السابق، خسرت الكثير من طاقتها مع انهيار ذاك المكان، مع تهجيرها منه، مع قصة النجاة الفظيعة. وعلى الرغم من كلّ ذلك، طورت هذه النسوة كيانهن، و عززوا بنيتهن المؤسساتية، لينجزن على مدار سنوات مشاريع تعليمية ودعم نفسي وترفيه، ولا زلن.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *