أخبار

كنا هناك – قصة سورية عن اعتقال طلاب

لم تعلم وفا أن حياتها ستنقلب رأسا على عقب بعد تاريخ 15 آذار 2011 وفا ابنة العشرين ربيعا ورغم تاريخ عائلتها الطويل مع العمل السياسي في سورية لم تعتقد يوما أن الأحلام الكبيرة التي رسمتها ورفاقها ستأخذ البلاد إلى حرب تمتد لثمانية أعوام قادمة.

تنظر وفا إلى صور المظاهرات في دمشق في نيسان 2011 بحرقة “كنا هناك رغم خوفنا الكبير من عناصر الأمن السوري التي كانت تتصدى لكل مظاهرة تخرج، إلا أن شعورا بالقوة هائلا يعترينا حين كنا نبدأ بالهتاف حرية حرية، لم تكن كلمة بسيطة كانت تختصر كل أحلامنا وطموحاتنا ببلد ديمقراطي تتحقق الكرامة الإنسانية فيه لكل فرد من أفراده”

اعتقلت وفا في أيلول 2011 وخرجت بعد شهر تقريبا وعقب اعتقال والدها في فترة لاحقة توجهت مع أمها وأخواتها إلى تركيا وانطلقت من هناك نحو ألمانيا عام 2016، لترتاد كلية الصحافة في جامعة بارد وتتابع عملها في الكتابة وتوثيق معاناة السوريين جراء الحرب.

وفا واحدة من أكثر من 5.6 مليون شخص غادروا سوريا منذ عام 2011 بحثا عن الأمان، بحسب تقارير للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين UNHCR التي تضيف أيضا بأن هناك أكثر من 6 مليون نازح داخليا.

خسرت رنا منزلها وذكرياتها في المخيم الفلسطيني في جنوب دمشق لتصبح لاجئة للمرة الثانية، بعد قصف الطيران الحربي جامع عبد القادر الحسيني ومدرسة الفلوجة في مخيم اليرموك في كانون الاول عام 2012، والذي دفع المقيمين في المخيم لمغادرته في إحدى أكبر موجات النزوح الجماعي، توجهت مع عائلتها إلى منطقة المزة غادرت سوريا عام 2015 إلى دبي للحاق بزوجها.

تتابع رنا الأخبار الواردة من مخيم اليرموك بعد تنفيذ الاتفاق الذي قضى بإخراج داعش والتنظيمات الأخرى منه فبعد الحصار والقصف الذي تعرض له على مر السنوات الماضية يبدو المخيم اليوم كمدينة أشباح بعد الدمار الذي لحق له تقول رنا: “نسمع اليوم بعمليات تأهيل لشوارع المخيم يبدو أن الحياة ستبدأ بالعودة إلى هناك، أنتظر اليوم الذي سأعود فيه بفارغ الصبر”.

عبد الرحمن وبعد حصار الحي الذي يقطن فيه وتعرضه لقصف شديد أودى بحياة أفراد من عائلته، انقطعت اخباره كليا لنعلم لاحقا بأنه اضطر إلى حمل السلاح والقتال إلى جانب الجيش الحر، يكتشف عبد لاحقا بأن اللعبة أكبر منه ويقرر ترك كل شيء بعد إعلان الاتفاق بين الفصائل المتحاربة ويتجه نحو تركيا ليهيم فيها.

يتحاشى عبد الرحمن الحديث إلى أحد من الأصدقاء بل ويرفض حتى محاولاتنا للتواصل معه يكتفي بتطمينات مقتضبة ” أنا بخير، لم أمت هناك في المعارك حتى أموت هنا”.

كان يحلم بلال بأن يصبح مذيعا على أهم المحطات العالمية، حوصر لأكثر من عام في منطقة الحجر الأسود وحين حاول الهروب تم اعتقاله من قبل الأمن السوري لعامين، أخبروا أهله بعدها أنه مات بسكتة قلبية في الفرع وقاموا بتسليمهم هويته الشخصية دون تسليمهم الجثة ودون مراسم عزاء، خسرنا بلال دون أن نتمكن حتى من وداعه أو حتى الحصول على شاهدة لقبر نزوره حين نشتاق إليه.

هؤلاء مجموعة من الأصدقاء كنا “شلة” من قرابة خمسة عشر شابا وفتاة فرقتنا الحرب، لم يبق منهم داخل سوريا أحد سواي، رفضت مغادرة سوريا وفي أحيان كثيرة أندم على هذا القرار، اتجهت إلى العمل الإغاثي والانساني فهناك الكثير من العمل الذي ينبغي فعله، لا يمكنني ترك كل شيء خلفي والرحيل رغم كل الألم.

أفتقدهم جميعا وألعن كل شيء، أتحاشى البحث في صورنا وذكرياتنا التي جمعتها في صندوق أغلقته منذ زمن، أشتاق لسهراتنا وضحكاتنا وأيامنا على درج الجامعة حيث كنا نلتقي في كل صباح، لا أنسى أي تفصيل يخص أحدهم أكلاتهم المفضلة أغنياتهم وحتما أعياد ميلادهم لكنني بالرغم من ذلك لا أفضل التواصل معهم عن بعد خوفا من إيقاظ الجراح النائمة ربما.

كنا هناك على مقعد الجامعة تقاسمنا الأحلام والأمنيات كنا نتابع بشغف ما يحدث في البداية وكنا شاهدين على الحراك السلمي، لكننا لم نتخيل يوما أن تؤول البلاد إلى الخراب الذي آلت إليه. أسوأ السيناريوهات التي راودتنا أن يتم اعتقال الجميع وينتهي كل ذلك، لم يخطر ببال أحد منا أن يتم تدمير كل شيء وأن تصبح الحصيلة ملايين من اللاجئين ومئات الآلاف من القتلى وأن تتحول سوريا الحلم إلى لعبة دولية تتقاسمها الدول.

نور ابراهيم

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *