أخبار

كيف تحدت علياء المجتمع لتأمين قوت أبناءها

سونيا العلي

لم تستسلم لواقعها بعد أن وجدت نفسها وأولادها ذوو الاحتياجات الخاصة تحت كمّ كبير من الهموم، دون أن يمدّ أحد يد العون والمساعدة لإنقاذهم من الفقر، وعلى العكس من ذلك، كانت معاناة أسرتها حافزاً دفعها للتماسك والثبات في مواجهة الصعاب والتغلب عليها.

علياء الحمود (31عاماً) من بلدة سنجار بريف إدلب الجنوبي الشرقي، لم يكن من السهل عليها أن تتلقى خبر وفاة زوجها الذي قتل بغارة حربية، تاركاً لها أربعة أبناء، ثلاثة منهم مصابون بخلل عقلي منذ الولادة، لتجد نفسها دون معيل في مواجهة الفقر والجوع وندرة الأعمال تتحدث ل “أنا إنسان” قائلة: “بين عشية وضحاها تحولت إلى أرملة لأجد نفسي في مواجهة مستقبل مجهول يفتقد الأمن والحماية وتحيط بي نظرات المجتمع القاسية، حيث لم يبق لنا بعد زوجي أحد، فقد رحل جل أقاربنا ومن نعرفهم، بعضهم طلباً للأمن والسلامة، وآخرون خطفهم الموت”.

نزحت علياء مع أبناءها نتيجة المعارك التي اشتعلت في المنطقة للسيطرة على مطار (أبي الضهور) وتنقلت بين قرى ريف إدلب بحثاً عن الأمان، لتتلقى هناك خبر تهدم المنزل الوحيد الذي كان يأويهم لذلك أظلمت الدنيا في عينيها وأهلكها الحزن، بعد أن باتت المسؤول الأول والأخير عن العائلة، فإلى جانب كونها لا تمتلك شهادة ولا تتقن أي مهنة، فهي مصابة بمرض “ديسك” في الرقبة ولا تستطع تحريكها بشكل طبيعي.

تقول علياء:” اقتصر مصدر رزقنا على بعض المساعدات الإغاثيّة التي لا تغني من جوع، فحاولت العثور على عمل لتغطية تكاليف واحتياجات أولادي التي لا تنتهي، لكنّني فشلت في ذلك، فأصحاب الشهادات في ظل ظروف الحرب يعجزون عن إيجاد عمل، فكيف بامرأة ضعيفة لا حول لها ولا قوة!”.

شعرت علياء بالعجز أمام مصاريف المنزل وتربية الأطفال وإيجار البيت الذي تسكنه، فهي تحتاج إلى تأمين النقود، وليس لها سوى عائلة أخيها التي تعيش بدورها ظروفاً صعبة، فاضطرت لإرسال أحد أولادها إلى العمل في جمع البلاستيك والقطع المعدنية من مكبّات القمامة رغم الخطورة والتلوث وانتشار الأوبئة، لكنّها كانت مجبرة على ذلك لتبقى العائلة على قيد الحياة، تقول بحزن: “كان ولدي محمد يعمل طوال اليوم ليجني ٥٠٠ ليرة سورية (حوالي دولار أمريكي واحد) وبالكاد تكفينا لشراء مادة الخبز وحدها، ولشدّة ما تألمت لحاله بعد أن تولّى مسؤوليّة الإنفاق على الأسرة وهو لم يبلغ الثانية عشرة من عمره، قرّرت عدم الاستسلام لمرارة هذا الواقع الذي فرض علينا، فقرّرت رغم إعاقتي أن أعمل في الأراضي الزراعيّة إضافة إلى قيامي بجمع ثمار نبتة القبار على الرغم من كثرة أشواكها التي تترك على يدي الندوب والجراح”.

طريق العمل لم يكن مفروشاً بالورود، كانت تشعر بأنها مراقبة طوال الوقت، ولا تمتلك حريّة التصرف بإرادتها، فحاولت قدر المستطاع تجنب الآخرين خوفاً من أحاديث الناس ونظراتهم، لكنها تمكنت فيما بعد من الخروج من هذا القالب الاجتماعي الذي توضع فيه الأرملة عادة “استطعت بإصرار أن أواجه المجتمع الذي يراقب الأرملة ويرصد تحركاتها، ولم أكترث لما يقولون، فهمي الوحيد هو تأمين ما يسد رمق أبنائي، وأن نعيش بكرامة بعيداً عن سؤال الناس ومد يد الذل والحاجة لأحد”.

بدأ المستوى المعيشي لأسرة علياء بالتحسّن نسبياً مع استمرارها في العمل، فعاد ولدها محمد إلى المدرسة فقد كان متفوقاً في دراسته ويرسم لمستقبل زاهر وعن ذلك توضح قائلة: “يتمنى محمد أن يصبح طبيباً ليداوي إخوته من المرض، ليتمكنوا من عيش حياة طبيعية كسائر الأطفال، ورغم استحالة تحقيق ذلك، إلا أنني سعيدة بعودته إلى مقاعد الدراسة ليعوض ما فاته من تعليم”.

تختتم الحمود حديثها لأنا إنسان بالقول: “الحرب التي لاتزال تعصف بسوريا، خلفت الكثير من الأمهات اللواتي يجدن أنفسهن بين ذكريات الألم والمعاناة التي لا يمحوها تعاقب السنوات، ولابد لهن من التعب والشقاء وأخذ دور المعيل لتحدي الواقع والحفاظ على الأبناء، وانتشالهم من براثن الجوع والعوز مهما كان الثمن”.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *