أخبار

من لبنان – قصة رابعة السمر إرادة ونجاح

مزنة الزهوري

بعد تنقّلها من وادي خالد إلى سهل البقاع، لجأت رابعة السمر إلى جرود عرسال البلدة الحدودية لتستقر فيها هربا من القصف والحصار، باحثة مع عائلتها عن ملاذ آمن في لبنان

تعمل رابعة معلمّة للغة الإنكليزيّة، تخرجت من جامعة البعث، ولازمت التدريس منذ عام 2000 حتى 2011م.

انقطاعُها عن مهنة التعليم لأربع سنوات تحت نيران القصف وشدّة الحصار في مدينتها القصير، أفقدها الكثير من خبرتها، وأنساها كلّ ما يتعلّق بالعلم والتعليم، كما تروي ل “أنا إنسان”.

عندما انتقلت إلى بلدة عرسال في 2015 مع أطفالها، بعد انفصالها عن زوجها، بدأت البحث مباشرة عن فرصة عمل أو تطوّع.

التحقت بمراكز “الأمل التعليمية” التّابعة لمنظّمة “مابس”، لتدرّس اللغة الإنكليزيّة، وتطوعت مع جمعية “مواهب الشّام” التي تقوم بتقديم الدّورات والتدريبات الترميميّة للأطفال بعد دوامهم في المدارس.

عملت منظمة “مابس” على تدريب كادرها التعليمي ومتابعتهم وتحفيزيهم، ليكون لـ رابعة حظّاً في هذا، فأسباب الحرب والتهجير واللجوء، وابتعادها عن ممارسة مهنتها في التعليم، سلب منها الكثير؛ “في المرّة الأولى لقيامي بالتدريس هنا في مدارس الأمل، أذكر أنني أجهشت بالبكاء عندما أخبروني أنّ درسي غير مقبول”.

تؤكّد رابعة أنّها قفزت بمهنتها في التعليم قفزة كبيرة، من خلال خبرتها مع مدارس الأمل، لتعود أفضل ممّا كسبته خلال عشر سنوات في هذه المهنة عندما درّست في مدارس حمص وبلداتها.

عملت رابعة أيضاً، لمدة سنتين مضت في معهد إعداد المدرسين في عرسال، وخرّجت دفعة من الشباب والشابات أصبحوا زملاء لها في المدارس داخل المخيمات حالياً.

تقول رابعة ” منذ طفولتي كنت أكتب وأرسم على الحيطان وأبواب الخزائن. أتخيّل نفسي معلمة، وأكتب لأمي عبارات باللغة الإنكليزية”. وتضيف: “كان جيراننا يفاجئون ويسألون والدتي، بنتك فيها شي؟ عندما يشاهدونني بمفردي على سطح بيتنا لمرات كثيرة، أشرح الدروس مثل معلمتي، وأمثل أنّني آنسة للطلاب في الصف، وأكتب على خزّان الماء وألوّن بالطبشور”.

تعشق رابعة التّعامل مع الأطفال في مراحل الطفولة المبكرة وتدريسهم أكثر من بقية الفئات، فهي تعتبر أنّ بناءهم هو بناء القاعدة الأساسيّة وأهمّها، فإذا لم تكن هذه القاعدة متينة سينتج عنها بناءً متأرجحاً.

تمسك بيد الأطفال الصغار بمدرستها، فهم يخافون في البداية عند دخولهم إلى المدرسة ويخشون التحرك في الصفوف والباحة. تشعر بهم وتكون أمّاً ومعلمة ورفيقة لهم. تلعب معهم بنهاية الحصّة وتدربهم على الفصل بين لحظات الضحك والترفيه، وأوقات الجد والتعلّم.

تعرف من أولادها كيف يقلدون معلماتهم بالحركات والألفاظ، وتذكر من نفسها كيف كانت تحبّ المدرسة كلُّها لأجل معلمة واحدة، لذلك تسعى لأن تغدو تلك المعلمة التي تبقى في ذاكرة طلابها وذكرياتهم السعيدة.

تخبرنا رابعة عن مأساة الأطفال في مخيمات عرسال، المماثلة لأقرانهم في المخيمات بمختلف المناطق اللبنانية: “أطفالنا هربوا من مأساة ومعاناة حرب وتهجير، لا ينقصهم تعنيف في المدرسة، يعيشون كابوس يومي من الواقع المرير في خيمة واحدة مع أهلهم، تكون غرفة لكلّ شيء، غرفة طعام وجلوس ودراسة ونوم”.

تهوى الرياضة والإبتكار في الأنشطة الترفيهية والفنيّة مع الأطفال، فتبذل جهداً مضاعفاً تعمل في الليل، كي تستطيع التعامل مع مختلف الطاقات والإبداعات التي يمتلكها طلابها في المدرسة نهاراً.

تحاول مع أصدقائها المعلمين في المدرسة أن يعوضوا التلامذة ما خسروه وتَسبّبَ لهم بفجوات كبيرة سواء في التعليم والتربيّة أو سلوكهم، فمعظمهم ممن فقدوا من عمرهم سنتين أو ثلاثة أقلّ تقدير، حتى عادوا إلى مقاعد الدراسة.

شخصيّتها اجتماعيّة ومرحة جدا، فكلّ الزملاء لرابعة يشهدون لها بحبّ الخير ومسارعتها لخدمة الآخرين، دائماً تبادر لمساعدتهم وحلّ المشاكل معهم.

ممارستها لمهنتها المفضلة “التعليم”، أبرز أسباب انفصالها عن زوجها بعد وصولها إلى لبنان، ومحاولتها إيجاد فرصة عمل تكون سنداً لها ولعائلتهم في المعيشة. فقد أراد زوجها السابق أن تبقى فقط في الخيمة لتقوم بتدبير أمور الأسرة وتربية الاطفال فقط. ولكنّها لازالت تمضي في سبيلها لمتابعة طموحتاها ونجاحاتها مع الأطفال والتعليم واللغة التي تحبّ.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *