أخبار

نيفين حوتري … حكايتي مع الحصار وتوثيق جرائم النظام السوري

سوزان احمد

قبل الثورة كنت امرأة تعيش حياة طبيعية، سيدة متزوجة وأم لولد واحد يدعى قصي، مديرة مشروع ومديرة تسويق خارجي في إحدى الشركات الخاصة في دمشق.

خلال سنوات العمل بنيت الكثير من الخبرات والكفاءات، إضافة لكوني خريجة معهد إدارة أعمال ما ساعدني لأبدأ مشروعي الخاص.

مع بداية الثورة وتطور الحراك الثوري أغلق الطريق بين الغوطة ودمشق حيث أعمل، وهنا كان علي الاختيار إما البقاء في دمشق والاستمرار في العمل، أو البقاء في الغوطة والتخلي عن مشروعي الذي بدأته لأبحث عن بداية جديدة. لكنني اخترت البقاء في الغوطة والتخلي عن حياة مهنية مليئة بالنجاحات على مدى أحد عشر عاما.

اجتماعيا كنت أمتلك مهارات تواصل وإقناع مع حيز جيد من العلاقات الاجتماعية، سواء على صعيد العائلة أو الأصدقاء والذين من الممكن أن يؤثر عليهم اختياري البقاء في الغوطة الشرقية.

وهنا بدأ نشاطي الثوري الفعلي في الغوطة الشرقية، فمع قلة الكفاءات التي بقيت هناك عملت على تعليم مجموعة من الأطفال في منزلي كون المدارس اضطرت إلى إغلاق أبوابها بسبب انعدام الأمان، بعدها عملت مع مجموعة أكبر في إحدى جوامع المدينة إذ قمت بتدريس اللغة العربية والرياضيات لأعمار صغيرة واللغة الإنكليزية لأعمار أكبر.

شاركت بمشاريع صغيرة مع مجموعة من المتطوعين، بعد ذلك ط’ لب مني تقييم احتياجات النساء في المجتمع الحيط، بعدها أصبحت عضوة لجنة تطوعية تعنى بتنفيذ مشاريع لصالح المجتمع المحلي، شكلت لجنة نسائية وهنا كانت نقطة التحول في حياتي حيث بدأت العمل مع النساء، كان ذلك عام 2013 لأستمر حتى الآن.

شعرت بوجودي مع كل امرأة مكنتها وساعدتها لتأخذ دورها في المجتمع، مع كل مشروع ساهمت بدراسته أو تنفيذه أو الإشراف عليه ومتابعته وتقييمه.

عام 2013 بدأ حصار الغوطة حاولنا خلال فترة الحصار إيجاد أدوات تلائم الوضع.

كنت أدون يومياتي وملاحظاتي على دفتر خاص إلى أن جاء اليوم الذي اقتحم النظام البلدة التي أعيش فيها واضطررت للنزوح، علمت حينها أن كل شيء ممكن أن يضيع مع أول قذيفة وأول اقتحام، لذلك قررت توثيق يومياتي على صفحتي على الفيس بوك.

فكرت أن كتابتي على الفيسبوك ستكون آمنة من الضياع ومن الممكن أن تساهم بإيصال صوت ولو ضعيف لمن هم خارج الغوطة، كثافة النشر كانت متفاوتة بحسب المستجدات، مرينا بأيام قصف همجي بحالات نقص تغذية للأطفال إذ منع النظام العلاج والغذاء النوعي خلال فترة الحصار الشديد خلال الأشهر الأخيرة من 2017.

في النصف الثاني من شباط 2018 بدأت مرحلة الأقبية إذ بدأ النظام بقصف كل الأماكن الحيوية، تحول النشر على صفحتي من مرحلة التوثيق لواجب تجاه نفسي وأولادي ومجتمعي، شعرت أنه من واجبي الكلام عن إجرام النظام وروسيا، تلقيت حينها مراسلات من صحف وقنوات وإعلاميين لمعرفة الوضع في الغوطة. كنت أشعر بأني أقاوم مع كل منشور أكتبه على صفحتي.

في أحد أيام الأقبية المتشابهة من حيث القصف والخوف والجوع، طلب مني تقديم شهادة لمجلس الأمن عن تفاصيل حياتنا.

كانت أول مرة تتاح لنا الفرصة لتقديم شهادة من قلب الغوطة رغم أنني كنت على يقين بأن شهادتي لن توصلنا لقرار حاسم من مجلس الأمن، إضافة إلى أنها قد تعرضني وتعرض عائلتي لمخاطر، لكنني قررت تقديم الشهادة ليتوثق ما حدث وليعرف العالم أجمع الإجرام الذي يمارس بحقنا.

لا أعرف كيف حافظت على توازني وأنا أرى من خلال شاشة الحاسوب الأشخاص الذين من الممكن أن تتغير حياة نصف مليون شخص بقرار جدي منهم، لا أعرف كيف حافظت على توازني وأنا موجودة خارج القبو بمكان قد يكون مكشوفا لطائرة استطلاع وللطيران الحربي الذي لم يهدأ، أحسست بنصر معنوي عندما أطفأوا الإضاءة بقاعة المجلس أثناء شهادتي، شاركوني عتمة حياتي أحسست بنصر أكبر حين رجعت سالمة إلى القبو حيث أطفالي وعدد من الناس الذين أخبرتهم بأنني سأقدم شهادة لمجلس الأمن أحسست بالنصر رغم صوتي الذي كان يرتجف.

مفاصل كثيرة مرت بحياتي، قرار البقاء في الغوطة كان أهم مفصل بينها القرار الذي كلفني الكثير منذ البدايات، النزوح الأول من القطاع الشمالي للقطاع الأوسط بسبب اقتحام النظام للبلدة التي تحوي منزل العائلة كان المفصل الثاني، في القطاع الأوسط بدأت عملا جديدا في بيت جديد حاولت الصمود في الغوطة حتى اللحظات الأخيرة رغم كل التصعيد، لكن الواقع قد فرض علينا، إما البقاء والتسوية مع نظام عدو مجرم أو التهجير وهنا بدأ المفصل الأشد إيلاما بحياتي وهو التهجير.

التهجير الذي يعني أن أترك خلفي سبع سنوات من الإنجاز في الغوطة، إضافة إلى أحد عشر عاما تنازلت عنهم لأعيش وأتنفس الحرية.

في آخر لحظات وداعنا أخذت معي حقيبة ظهر والكثير من الذكريات، تركت خلفي كل شيء مدمرا مع كل الدمار في الغوطة.

مرحلة جديدة وصفحة جديدة فتحتها مع أول نفس أخذته في المناطق المحرر بعد رحلة التهجير مع قرار داخلي أنني سأبذل قصارى جهدي لأبقى في البلد حتى لو كان ذلك في أبعد نقطة في الشمال، وأسعى لأتابع رسالتي أخذت استراحة لم تتجاوز الشهر وبدأت المسيرة هنا من جديد.

اليوم أعمل مع فريق على مشروع لتعزيز دور المرأة في المجتمع، زرت عدة مناطق في الشمال، وساهمت بتقييم الاحتياجات حضرت اجتماعات مع نساء ومع المجالس المحلية، على أمل أن يتوج العمل بمشروع يستهدف كل النساء المتواجدات في الشمال السوري.

لا زلت أحلم بأن غدا سيصبح أجمل وأسعى لأصل إلى ذلك.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *