أخبار

العلم المهترئ

نسرين طرابلسي – كاتبة سورية

نسرين طرابلسيسأخطفكم خلفا إلى عام 2003 حين حضرنا في أميركا احتفالات الرابع من تموز ، ألعاب نارية مذهلة في كل مكان، الناس كلهم يتزينون بالعلم الأميركي من ألوان الثياب حتى الأحذية، أحمر وأبيض وكحلي. حالة من البهجة تسري في دمك سواء كنت سائحاً أم مغتربا. في الغابات وعلى أطراف البحيرات وفي الشوارع، يخرج الناس أفواجا باكراً ليضعوا كراسيهم وأدوات السيران الاحتفالي.. أكل ونقرشة ومشروبات.


وفي لحظة غناء النشيد الوطني الأمريكي، ولأننا عرب أصحاب عقلية منفتحة على الآخر وسريعو الاندماج، وقفنا احتراما مع الناس. ولأننا شعب محروم من العفوية وعواطفه متفتقة، ولأن كل شيء ينتقل بالعدوى.. دمّعنا.

على كل لنقترب قليلا في عام 2008 كنا في دمشق، كحال كل المغتربين الذين يعودون في الصيف محملين بحقائب الهدايا والحنين. مدهوشين بالوطن بفرحة الأولاد. ودعينا بعزيمة من العائلة للقرية الشامية وبرفقتنا صهرنا العربي ذي الجنسية الأميركية. وبدأنا نحكي له هنا تم تصوير باب الحارة ونبدأ بشرح الحكاية من الجزء الأول. تصورنا أمام البوايكية وصيدلية أبو عصام العطار وديوانية المختار والزعيم وأمام الجامع ومية السبيل الناشفة. بالطرابيش ومع الأراغيل وطاولة الزهر وبياع الفول.. كان يبتسم مجاملةً ولا يعلق.

على مائدة الغداء كان على لسانه سؤال دمر كل شيء: ليش العلم هيك وسخ ومهتري؟؟

وأشار إلى العلم السوري المعلق على رأس عصاية فوق أعلى البناء.

ارتفعت أعيننا وإذ بالماء المغلي للحرج والخزي يحمّمنا. كان العلم السوري ذابلا ومنكساً مثل جرزة بقدونس دبلانة بالشمس، ألوانه بايخة وقماشه ممزق ومنسّل من تعرضه لعوامل الحت والتعرية.
نفر الدم في عروقي وناديت النادل لأسأله.. عفوا لأوبخه: ليش هيك العلم مهتري مو عيب عم يفوت لعندكم يوميا الآلاف من السياح مو عيب يضحكوا علينا، عم يدخل هالمكان مصاري بلاوي، شو تكلفة حق العلم؟؟

النادل المسكين، ارتبط لسانه، ربما منذ أن عمل هنا لم يهتم أحد للعلم أو يسأله هذا السؤال!

ليش الكذب، نحن السوريون لم نهتم للعلم يوما لأنه ارتبط بأمور كثيرة مرتبطة بمنظمات التدجين حزب البعث والطلائع وشبيبة الثورة والمسيرات القسرية. مرتبط بالأسد الأب والابن ومدربي الفتوة وتحية العلم المرتبطة بترادف وآآآآآسبل.

لنعترف.. لم يكن العلم قريبا من قلوبنا ولا من انتمائنا. لم نكن نعلقه في بيوتنا ولا نرتديه أو نعلقه في رقابنا. لا نتذكره إلا حين نرى لبنانيا أو خليجيا يحتفي بعلمه ويعلقه على السيارة.. ربما حينها كنا نشتهي مثل الأيتام أن نقول: ونحنا كمان عنا علم. 

حين بدأت ثورات الربيع العربي كل العرب علقوا أعلام تونس ومصر وليبيا، إلا العلم السوري. كان علمنا يتيما مثلنا ومثل ثورتنا، الكل أدار ظهره لنا. حتى نحن أدرنا ظهورنا لعلم يُقتل تحت رايته شعب.
ثم ظهر العلم ذي النجمات الحمراء مثل الحلم. علم نظيف جديد ومهفهف. علم منذ ماقبل حكم الأسد. علم كان قد تحول تحفة قديمة يطبع على العملات والطوابع ويظهر في المسلسلات.

علم الحلم بالاستقلال بعد أن تحول الحكم احتلالاً. علم لم تلوثه أفرع الأمن وأسوار السجون ولا مكاتب المسؤولين والمسيرات الجبرية المفتعلة والانتصارات المزيفة والحركات التصحيحية الفاسدة. ولا طوابير الصباح في مدارس الحفظ ودقائق الصمت في جامعات المفاضلة.

خرج العلم من أسر الحكم على أيدي الشباب والصبايا ليرقص ويغني، علم حلو وملون، ومطرز بأيدي الأمهات لفحات وقبعات وطبعات على الألبسة وفناجين القهوة وأساور للزينة.

على أجساد الشهداء وصور البرفايلات.

مرة قامت مجموعة من الكتاب السوريين بطرح سؤال على مجموعة بريدية وذلك قبل الثورة بفترة طويلة، ماهو الرمز الذي تريده على علم الدولة لو خير لك أن تختار؟
في ذلك الوقت كان الناس يخوضون في مرحلة اليأس المر الساخر في مملكة قطعان الخوف، فكان المرشح الأقوى هو الخروف!!

واليوم بين الأعلام الدموية ياترى لو خير للناس أن يختاروا ماذا سيختارون؟؟

طرحت هذا السؤال من جديد على فيس بوك في عام 2015 ومن الإجابات الكثيرة اخترت لكم التالي:

رورو رنوم: زنبق أبيض وياسمين بلدي

الشاعر فادي جومر: صحن كبة نية.

جمال بيك: علم أبيض وكلمة freedom في الوسط بشكل دائري

سامي كشيفي: ألوان قوس قزح

المخرج بشار حريتاني: عشتار

حازم عثمان: الناعورة أو الفستق الحلبي

أنس سويدان: طائر الفينيق على خلفية زرقاء

نبال النبواني: حصان جامح

الإعلامي عروة الأحمد: الحمار البسيط
محمد محيي الدين: علم بلا أي رمز طائفي أو ديني أو عروبي

عمار حمود: علم أبيض مكوتب عليه كرامة- حرية –إخاء باللون الأحمر

حسين العسمان: شجرة زيتون

مها جانسيز، إيناس الخطيب، أحمد اللباد: علم أبيض

هيثم العربيني: قمر الدين شغل الغوطة

بونو عيسى: أهم شي ألا يكون هناك أثر للون الأحمر، علم أخضر عليه ناموسة

خولة يوسف: علم ملون عليه نجوم وقلوب

إيناس عبد الناصر: علم أبيض وعليه أصابع النصر

أحمد اللباد: علم أبيض وبالنص قرص كبة

لينا المير: علم أبيض رمز السلام

ابراهيم أبو زياد: أبيض بلكي هالعالم بتصفا لبعض متل اﻷبيض

Breeth less: محاصيلنا وبسمة طفل وألوان عم تضحك

Ibrahimovch Hass: علم لا يمت بصلة للحقبة الماضية

أسعد خياط: علم بلون الأرض لون الفخار وكلمة أبجد بأحرف أوغاريت الآرامية سوداء

حسام الأبيض: علم من تصميم فنان سوري بفكرة تشمل الأطياف والأديان

شاكر بيطار: علم نصفه أبيض رمز الشعب المسالم ونصفه أسود رمز حقبة الأسد المجرم، نريد أن نتذكر حتى لا تتكرر.

حنا مرمريتا سلامة: علم بلونين، أزرق للراحة والسكينة وأحمر للغضب وعليه حرف من أبجدية أوغاريت

مالك صوفان: أحمر ، قاتم ، حاسم ، وعليه إشارة تعجب وثلاث إشارات إستفهام

علي البقي: ثوب قديم لأم فقدت أبناءها

جون قيسية: لباس داخلي لطفل بال فيه تحت التعذيب، أو وصية الإله بعل السوري متجاوزا كل القوميات والأديان.

د. أحمد كامل: وضع صورة علم أحمر بوسطه كلمة حرية بالأبيض

أبو زيد دخل الله: علم بلون البحر وفيه بلم ومهاجرين

رباب ديجي: أبيض وأخضر. الأخضر عليه سنبلة قمح والقسم الأخضر عليه غصن زيتون ومكتوب سورية بالأحمر

كنان سيد: دمج برسم العلمين الحاليين الأحمر والأخضر all without Assad

عدنان أحمد: الهبرية، عصبة رؤوس ستاتنا المتشابهة على امتداد سورية

أنس الحسين: موف وبدل النجمتين نحط توم وجيري رمز للنظام والمعارضه

نها طناطرا: منعمل علم مخطط أحمر وأخضر منشان الكل يرضى

إياد كزور: بس يرجع البلد، خرقة بيضا ومكتوب عليها بالأخضر مع ظلال بالأحمر “سوريا الحرّة” بتكفّي وبتوفّي

البعض بقي مصراً على علم الاستقلال والثورة، والبعض دخل في الرأي والتحليلات ولم يلتزم بالإجابة عن السؤال الحر. شخصان رفضا تغيير العلم ذي النجمتين الخضر، وشخص واحد وضع علم.. داعش!

بالمحصلة مالت الغالبية لأفكار مسالمة، أطلقت لرغبتها في السلام العنان، إنسانيون من أبناء سوريا المتعبة، فكروا بالألوان الزاهية والرموز التي تدل على الشعب الواحد والحضارة السورية. واللون الأبيض فيما لو كان هناك استفتاء سيحقق فوزا على مايبدو بمجموع الأصوات.

المهم أن نحافظ عليه نظيفاً مكويا وهفهافاً، فكما تعلمون الأبيض يظهر عليه الوسخ بسرعة.

علم نزهو به في الأعياد الوطنية بإرادتنا مثلما يفعل الأمريكان، ونحترمه بقدسية كما فعل أردوغان حين رفض الوقوف عليه، علم يسوّقنا بإيجابية حول العالم مثلما تفعل أرزة لبنان.

والأهم ألا نقبل بحكم يرضى باستعراض علم مهترئ.

ويقولون بأن ثورتنا لم تكن سلمية؟!

نسرين طرابلسي.
21-11-2015

التعليقات: 1

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *

  1. ثورتنا سلمية انيقة و نظيفة ،ثورة تطور و جمال و نريد لانفسنا ان نكون الافضل و لرموزنا الجميلة التي تمثلنا الموجودة في طموحاتنا ان تخرج للعالم بقوة و نقول لهم هذا قائدنا الذي انتخبناه و هذا علمنا الجميل الذي قادنا للنصر و هذه الياسمنة شعارنا.

    مقال رائع انسة نسرين ?