أخبار

لم يسألنا أحد ماذا نريد

دينا أبو الحسن 

دينا أبو الحسنكثيرا ما سمعنا مقولة “إن الشعب السوري يعرف جيداً ما لا يريده، لكنه لا يعرف ماذا يريد.” يقولها الموالون لنظام الأسد في وجه الثائرين عليه والمعارضين له. ويتابعون، “ماذا تريدون؟” هل سأل أحد السوريين ماذا يريدون حقاً؟ بالأحرى، هل اهتم أحد فعلاً بمعرفة ما يريده الشعب السوري، خاصة أولئك الذين نصّبوا أنفسهم متحدثين باسمه؟ هل يعرف الذين جابوا الأرض بذريعة تمثيل الشعب السوري ما يريده هذا الشعب المنكوب؟ وهل تساءل أحد عن جدوى كل هذه المؤتمرات التي تدعي الوفود المشاركة فيها من كافة الأطراف تمثيل الشعب، وهي بعيدة كل البعد عنه؟

يستطيع أي متابع لأحاديث السوريين، سواء الشخصية منها أو تلك المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي، أن يستنتج مدى إحباطهم، بغض النظر عن أماكنهم وظروفهم الحالية. السوري في الوطن كثيراً ما يصرّح عن رغبته في المغادرة والهجرة، ولا يمنعه عنها إلا ضيق ذات اليد أو العجز عن السفر لظروفٍ آنية، بينما السوري في دول اللجوء كثيراً ما يعبر عن ندمه، ويلعن الساعة التي غادر فيها بلده ليصبح لقمة سائغة للمهربين وتجار البشر.

من قال إن ابن الستين عليه أن يتعلم الألمانية؟ ومن فرض على طالبة الجامعة الرحيل قبل تخرجها بعدة أشهر؟ ومن أصلا طلب رأي هذا أو ذاك قبل أن يفرض عليه حرباً أذاقته الأمرّين؟ “كان لدينا بيت، وحياة. الآن لا شيء عندنا. كانت العروس تحجز موعدها عندي قبل شهرين وثلاثة. كنت على وشك التقاعد لأني تعبت من الوقوف. وضعت كل مدخراتي في مطعم صغير، بعناه مع بيتنا لنتمكن من السفر. لم يعد لدينا شيء.” تقول لمياء، وهي مزينة نسائية في الحادية والخمسين.

وتضيف: “رجتنا ابنتي كثيراً أن نتركها تكمل سنتها الدراسية الأخيرة في كلية العمارة. لم نستطع أن نتركها ونسافر، ولم يعد لدينا ما يكفي للحياة في سوريا. عمل زوجي في مجال العقارات توقف، ولم يعد عملي وحده كافياً لإعالتنا.” “كان بيتنا في قدسيا حصيلة تعبنا سنين طويلة. كان بيتنا جنة، وخسرناه مع كل ما خسرنا. نحن نعيش الآن من ثمن بيتنا، ومع ذلك أحمد الله أننا استطعنا الوصول إلى ألمانيا سالمين. زوجي عانى كثيراً من مصاعب الطريق، ووصل مريضاً، ولكني عندما أرى مصائب غيري تهون مصيبتي علي.”

من جهته، يقول فهد، وهو طالب في الثانية والعشرين استقر في هولندا منذ عامين : “وجدت نفسي فجأة مجبراً على قرارات لم أتخذها، بل لم يطلب أحد رأيي بشأنها. ركبت البحر مع أخويَ، وغادرنا ثلاثتنا من مصر إلى إيطاليا ووجهتنا النهائية، هولندا. لن أنسى في حياتي صراخ أمي ونحن نودعها، وهي ترجونا أن يبقى أحدنا معها، فالبحر غدار، وليس لها غيرنا. لم أدرك هول ما فعلنا إلا ونحن في القارب المتهالك. صرت أفكر في أخوتي، وفي احتمال غرقنا جميعاً وترك أمي وحيدة في مصر. تمنيت لو استطعنا إحضارها معنا، ولكنا خفنا عليها، فهي لا تستطيع السباحة. لم أفكر لحظة في أنني أيضاً قد لا أستطيع السباحة في البحر الهائج، وقد لا أستطيع إنقاذ أخوي لو غرق قاربنا. لم أفكر كثيراً. الموت أفضل مما كنا فيه. دفعنا كل ما معنا للمهرب، وغامرنا بحياتنا.”

هل هذه الحياة التي كنا نحلم بها؟ يتساءل فهد. ويجيب فوراً،” لا أعرف. لم أعد أعرف شيئاً. تركت دراستي، وحبيبتي التي كانت في سوريا ثم أصبحت في لبنان وهي الآن في السويد. تركت أصدقائي وحياتي. لم أر أمي منذ غادرت مصر، وهي عادت إلى سوريا. لم أكن راضياً بحياتي. وأعرف أن وضعنا في سوريا لم يكن مثالياً، ولكن هل وضعنا الآن أفضل؟ فعلا لا أعرف!” كانت أمي تقول: “الكحل أهون من العمى. ربما لو عرفنا ما ستؤول إليه أمورنا…” “

ربما لو سألنا أحد: ماذا تريدون، لما عشنا هذا التخبط. ربما.”

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *