أخبار

سنرجع يوماً … ثائر الزعزوع

منتصف عام 2012 سألني أحد الأصدقاء من مدينة حمص وكنا وقتها نقيم في مصر: متى سنرجع إلى سوريا؟ فقلت دون تردد أو تفكير: أمامنا على الأكثر أربعة أشهر وسينتهي كل شيء. كانت إجابتي مستندة على عدد من الوقائع، والأحداث على الأرض فقد وصل الثوار إلى منتصف دمشق، وباتوا يسيطرون على أحياء داخلها، وكان اسمهم في ذلك الوقت ثواراً فقط، لم يكن أحد يسأل عن حل سياسي أو معارضة أو أي شيء آخر، كان ثمة ثورة وثمة نظام يتداعى وينهار بشكل متسارع.

حدث بعدها حدث كبير رسخ توقعي فحدث اختراق أمني كبير أودى بحياة مسؤولي مكتب الأمن القومي، وكان بينهم واحد من أقوى ضباط النظام هو آصف شوكت، وأعلن رئيس الوزراء في حكومة النظام السيد رياض حجاب انشقاقه وانضمامه لصفوف الثورة، وسرت أخبار وشائعات تقول إن فاروق الشرع قاب قوسين أو أدنى من الخروج هو الآخر، وبدا خطاب النظام الإعلامي مرتبكاً، ولكن…

فجأة انقلبت الأمور رأساً على عقب، ظهر شيء ما يسمى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وبدأ أولئك الذين سمح لهم بالجلوس على كرسي سوريا في الجامعة العربية يتصرفون بطريقة مثيرة للضحك، يتحدثون وكأنهم هم من أطلقوا شرارة الثورة، وبات أي واحد منهم يتحدث باستطراد عن أحلامه لسوريا المستقبل، وقد ساهم الإعلام في تلميع صورة هؤلاء والصعود بهم على أكتاف الجماهير، وصاروا يتحدثون بلسان المعارضة، واقتنعوا، ولا أدري من أوحى لهم، بأنهم يمثلون معارضة سياسية لنظام سياسي، وتناسوا في اندفاعتهم أن ما حدث هو ثورة، هم أصلاً لا يعرفون معنى كلمة الثورة، صعدوا على المنابر الإعلامية ليتحدثوا عن المأساة السورية، وتاجروا بطريقة مثيرة للاشمئزاز بالثورة وأهلها، وشيئاً فشيئاً بدأت بعض وسائل الإعلام تتحدث عن المعارضة ونسيت الثورة، بل إن الكثيرين منا باتوا يستخدمون مفردة “المعارضة المسلحة” دون أن يتذكروا أن ما حدث في سوريا ربيع العام 2011 هو ثورة شعبية، واستغنى حتى كتاب المقالات عن عبارة الثوار، وذهب بعضهم لاعتبار “جبهة النصرة” مثلاً جزءاً من الثورة، بالمناسبة الأمر كلهم عبارة عن عملية خداع إعلامي، صارت فيما بعد حقيقة، وصار لزاماً علينا أن نصدقها، استعاد النظام عافيته، وصار يقول إنه يرفض التحاور مع هذه المعارضة، وهو محق لأن تلك ليست معارضة، وقد أسس معارضة تناسب مزاجه العام وصدرها للعالم على أنها معارضة تحاوره، على الرغم من أن الأمر كله ليس في نظام أو معارضة، الأمر كله ثورة شعبية ضد نظام ديكتاتوري مستبد، ثورة كانت تحلم بأن تتخلص من كل استبداد سياسي أو ديني أو اجتماعي أو اقتصادي، وليست معارضة تلهث فقط للوصول إلى السلطة لتتحول بدورها إلى استبداد من نوع جديد…

المؤلم أن الكثيرين رأوا بأم أعينهم كيف تم إدخال تنظيم داعش إلى اللعبة من بوابة الرقة، وكيف رفرفت تلك الرايات السوداء بداية العام 2013 في شوارع المدينة التي لم تكن محسوبة على الثورة، حتى وقت قريب من ذلك التاريخ، وهللت وسائل إعلامية لخروج الرقة من تحت عباءة النظام، قال أحدهم: المهم الآن هو إخراج النظام من الرقة ثم بعد ذلك يمكننا أن نخرج أي محتل جديد، وقد بارك أعضاء الائتلاف ما حدث، وخرجوا على وسائل الإعلام وهم يرفعون راية النصر عالياً، كان الأمر مثيراً للسخرية، أن تزيح مستبداً لتأتي بمستبد ربما أكثر وحشية وديكتاتورية، وهذا ما حدث.

نسي الكثيرون الثورة وصاروا يتحدثون كما تقول وسائل الإعلام عن حرب أهلية، ولم يمانع كثيرون من الاستماع لمنظر سياسي وهو يتلو علينا منهاج عمل المعارضة في إزاحة الأسد والحلول محله، ولكن أين الثورة؟

سمحت لنفسي أن أسأل هذا السؤال لأحد الوجوه البارزة وكثيرة الظهور على وسائل الإعلام، فلم يتردد وأجاب بسرعة: الثورة سرقت.

بالمناسبة كان هو أحد أولئك الذين سرقوا الثورة.

أنا بالنسبة لي وانسجاماً مع الاسم الذي اختاره لي أبي قبل أن أولد بسنوات، ما زلت مؤمناً بشيء اسمه الثورة، ولا أريد أن أفقد الأمل أبداً، أريد أن أعيش هذا الحلم حتى نهايته، وأنا مؤمن أننا سنرجع يوماً حين نستعيد الثورة، وحين يسقط كل من لا يؤمن بها… الثورة فكرة.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *