أخبار

سوريا إلى أين؟

ثائر الزعزوع

imagesسأطرح هذا السؤال بداية، ويمكنني أن أحصل على عشرات وربما مئات الإجابات عليه، وقد تكون معظمها سوداوية، ومتشائمة، وسيكون التقسيم واحداً من تلك الإجابات، وربما ستكون الحرب الأهلية الطويلة إجابة ثانية، وستكون قليلة تلك الإجابات التي تحمل تفاؤلاً، كل هذا وضعته في الحسبان وأنا أستعد لخوض هذا السؤال ولمعرفة الإجابة عليه، لكن…

لماذا نبدو جميعاً ميالين إلى التشاؤم حين تفكيرنا بالمستقبل؟ ألم نكن نحلم يوم الخامس عشر أو الثامن عشر من آذار بأن نصل بسوريا إلى أن تكون دولة ديمقراطية، تسود فيها قيم العدالة والمساواة، وينتفي فيها الفساد مثلاً؟

ثم لماذا نفكر بسوريا وكأنها فعل ماضٍ ومن المستحيل أن تخلق من جديد؟ هل لأننا ليس لدينا ثقة في أنفسنا وقدراتنا، وقيمنا وتاريخنا، ونحن الذين نتفاخر أمام الجميع بأننا أحفاد أقدم أبجدية عرفتها البشرية وأننا أحفاد الفينيقيين، وأن عاصمتنا دمشق هي عاصمة دولة بني أمية، وأنها أقدم عاصمة ما زالت مأهولة بالسكان حتى يومنا هذا؟

حقاً لماذا نفكر بسوداوية إذا كان التاريخ يخبرنا أن جميع الثورات التي قامت من قبل تعثرت، وترنحت، وهزمت، ثم انتصرت في نهاية المطاف لتنتج بعدها دول كبيرة، شكلت على مدى التاريخ منارات في الوعي، ولتكن الثورة الفرنسية مثالاً ولم لا؟

دعوني اختصر هذه التساؤلات وأدخل في الموضوع مباشرة، نحن في الحقيقة لم نعد قادرين على معرفة من نحن، ولا على تمييز أنفسنا من غيرنا، لقد اختلطت الأمور علينا إلى الدرجة التي سمحت لنا بالانسلاخ عن ذواتنا، قد يبدو هذا الكلام فلسفياً أو شعرياً، لكنه حقيقي بشكل مخيف، إذ كيف يمكن تفسير تلك النزعة للقتل التي باتت لغة حياة لدى الكثيرين منا؟ كيف يمكن تفسير لغة الانتقام، والتهديد والوعيد، كيف نفسر هذه الطائفية البغيضة التي التجأ كل واحد منا وراءها واتخذها متراساً، وبدأ يهدد الآخرين بها، لن أتحدث هنا عن التعصب القومي الذي تصاعد عند الكثيرين، حتى باتوا ينظرون إلى الآخر، أي آخر، على أنه حثالة ولا يستحق الحياة… كيف يمكن تفسير كل هذا؟ دعوني اضرب مثلاً صغيراً ثم أعود، أذكر أني قرأت عشرات تعليقات التشفي بل وعبارات النصر حين وقع تفجير انتحاري في مدرسة للأطفال في حي عكرمة الموالي للنظام في مدينة حمص، قلت وقتها أي وحشية وصلنا إليها، وقد اضطررت غير آسف إلى حذف عشرات الأصدقاء من صفحتي على الفيس بوك، وقد تكرر الأمر مرات عديدة بعدها.

والآن لماذا وصلنا إلى هنا؟

لا يمكن لعاقلين أن يختلفا على أن النظام هو مجرم قاتل إرهابي سفاح، وهذه حقيقة أخلاقية يدركها الجميع، وربما بين مؤيديه من يدركون ذلك إلا أنها متورطون بشكل لا أخلاقي في منظومته ولم يعودوا قادرين على مغادرتها، لكن هل ينبغي أن تكون الثورة مثل النظام؟ هل يجب أن تكون الثورة لا أخلاقية لتنتصر؟

حقاً هذه معادلة مربكة، كيف يمكن لثورة قامت ضد الظلم والاستبداد أن تبارك الظلم والاستبداد؟ وكيف يمكن لنا كسوريين أردنا ثورة تحررنا من التخلف أن نقبل بأن يقود ثورتنا متخلف ملتحٍ جاء من كهوف تورا بورا، أو من أي مكان آخر، فقط لأنه يحمل سلاحاً في وجه النظام، ويقول بصوت مرتفع سنبيد النصيرين؟ هل خرجنا بالثورة وعرضنا أرواحنا للموت وفقدنا أعزاء على قلوبنا لنبيد النصيرين؟ هل كان هذا ما أردناه في البداية؟ وهل كانت إبادة النصيرين واحداً من شعارات ثورتنا؟

لا أدري ذكروني إن كنت نسيت بعض التفاصيل.

النظام مجرم وقاتل وإرهابي، وجميع أولئك الذين يحملون السلاح ويدافعون عنه هم مثله قتلة بلا أخلاق، لكن هل سننتصر عليه إن أصبحنا مثله، الثائر لا يمكن أن يكون قاتلاً، هو مقاتل لأجل الحق وليس قاتلاً لأجل الباطل، وثمة فارق كبير بين مقاتل وبين قاتل.

لهذا يبدو الكثيرون متشائمين

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *