أخبار

الدروز … وداعش … والتقسيم

مالك أبو خير – رئيس التحرير 

إن أكثر ما يثير خوف الدروز وغضبهم في نفس الوقت هو تقديم أي مشروع لهم يحمل ضمن أجندته بنوداً للتقسيم، أو يلّمح إليه مجرد تلميح بسيط، فالتقسيم بالنسبة إليهم ومن وجهة نظرهم خيانة وهم على استعداد دائم لمواجهته ولو كلفتهم هذه المواجهة الدماء كما يحدث حالياً.

إياكم أن تصدقوا أن دروز السويداء يتخلون عن الجيش والمؤسسات المدنية التابعة للدولة في المحافظة حالياً، ولا يغركم كل التقارير الصحفية التي تروج عكس ذلك، ، فالابتعاد عن الجيش ومؤسسات الدولة يعني لهم خيانة وجريمة يحق عليها العقاب وخيانة للوطن،  لكن كل مافي الأمر أنهم أعادوا ترتيب علاقتهم بهذا الجيش والمؤسسات التابعة للدولة بشكل يتناسب مع  رؤيتهم للأمور ولايزجهم في معركة تلوث تاريخهم النضالي الذين يتغنون به في قصائدهم وأهازيجهم، وإذا كنت تريد استفزازهم وجّه لهم بياناً أو خطاباً أو حتى نداءً، وقلْ لهم: ” أيّها الدروز بدلاً من يا أبناء السويداء أو أبناء الجبل” فأي خطاب طائفي يسبب لهم دوماً الشعور بالعزلة وأنهم ليسوا جزءاً من هذا الوطن، ولكي أوضّح أكثر معنى كلامي في المقدمة وحقيقة ما جرى وما أوصل الأمور لما هو عليه اليوم سوف أسرد لكم تفاصيل ماحدث.

في تاريخ 20 حزيران 2018 وتحديداً في مبنى المحافظة تم اللقاء الأول بين الدروز والروس، وحضر اللقاء ضابط روسي برتبة عقيد إضافة إلى شيخ العقل (يوسف جربوع) وشيخ العقل (حمود الحناوي)، كما حضر ممثل عن شيخ العقل (حكمت الهجري) ومدير أوقاف السويداء و(حسن الأطرش) و(جهاد الأطرش)، وقد كانت محاور الاجتماع حول بدء العمليات على الجنوب السوري وإعطائهم مدة 3 أيام للتدخل في إجراء تسوية للبلدات التابعة للسويداء، والعمل على حل مشكلة رفض الشباب للجندية، وتسوية أوضاع “مشايخ الكرامة” الذين تم وصفهم بالإرهابيين.

وخلال هذا اللقاء وضّح مشايخ العقل والوجهاء أنه لا إرهابيين في السويداء وإن كان جزء من الأهالي قد قام بخرق القانون، وقد وضّح مشايخ العقل أن التسلح كان له أسبابه.

بعد هذا اللقاء بـ ثلاثة أيام تم لقاء آخر بغياب ممثل الشيخ (حكمت الهجري)، حيث أعاد الروس طرح فكرة الإرهاب وتسوية أوضاع الشباب المتخلفين عن الجيش.

ثم أتى الاجتماع الثالث والأخير في تاريخ 21 تموز حتى اليوم، بحضور شيخي العقل (جربوع وحناوي) وعدد قليل من الوجهاء وبمشاركة عقيد روسي عرَّف عن نفسه أنه المبعوث المباشر من الحكومة الروسيّة والمكلف بسماع طلبات الدروز حول تسوية أوضاع رجال الكرامة وسحب السلاح وتسوية أوضاع الشباب المتخلفين عن الخدمة، والمشايخ أكدوا بدورهم على عدم وجود إرهاب في المحافظة وعلى أن المجتمع يريد أن يرسل أبناءه للجندية في إطار الحدود الجغرافية للمحافظة.

فيما يخص اتهام الروس لشيوخ الكرامة بالإرهاب فالمعادلة لدى الروس واضحة وضوح الشمس وهي :” أي شخص يحمل السلاح خارج سلطة الدولة فهو إرهابي”، وقد توجهت أنظارهم نحو شيوخ الكرامة نتيجة التحريض الإيراني عليهم حيث أن شيوخ الكرامة هم من أضعفوا نفوذ الأجهزة الأمنية في المحافظة سابقاً وقد زاد حقد الإيرانيين عليهم بعد قيام عناصر تابعة لهم أطلقت على نفسها (قوات الكرامة) بقتل مسؤول حزب الله في المحافظة المدعو (محمد جعفر) ثم قاموا بتنفيذ عمليات اغتيال وكمائن لعدد من الضباط والعناصر الإيرانيين خلال المعارك في درعا، الأمر الذي أثار غضب الإيرانيين وزاد تحريضهم للروس واعتبر الروس على أثر ذلك أن هذا الفصيل إرهابي.

أما فيما يخص عودة أبناء الجبل للخدمة في الجيش فالرفض كان شعبياً ودينياً منذ بداية الحرب، حيث قدّم الكثير من الضباط الدروز إجازات مرضيّة ومنهم من عاد للمحافظة ورفض التحاقه بقطعته ومعهم صف ضباط ومجندين إلزاميين، وكان سبب الرفض أنهم لايريدون المشاركة في القتال ضد السوريين، لكن بالمقابل وخلال الاجتماع الأخير تحديداً أكدّ مشايخ العقل على إصرارهم على الإلتحاق بالجيش والبقاء فيه لكن بشرط ألا وهو أن يتم تشكيل قوة عسكرية تشمل جميع المطلوبين للخدمة وتبقى ضمن المحافظة حتى انتهاء المعارك العسكرية بشكل كامل، فضلاً عن تأكيدهم على أن السويداء داعم أساسي للدولة السورية بغض النظر عن نوعية الحل السياسي الذي يتم العمل عليه.

الدروز أكثر إصراراً من الروس أنفسهم على عودة أبنائهم إلى الجيش، لكن ضمن إطار المحافظة نفسها كما ذكرت سابقاً، والروس يعلمون هذه المعلومة وحسب ما ورد منهم أنه لا مانع من ذلك مادام السلاح سوف يُسحب من جميع الفصائل في المحافظة وسوف يتم نقل الشباب والضباط إلى قطعاتهم بعد انتهاء المعارك، لكن بالمقابل هناك طرف آخر يخشى أن يدخل الدروز بكامل قوتهم إلى الجيش بعد أن خسر هذا الطرف أغلب رجاله وأعوانه في الحرب وبالتالي في حال دخول الدروز إلى الجيش يصبح لهم قوة أكثر منهم، دون نسيان مفاوضات الأكراد وإمكانية دخولهم ضمن الجيش، وبالتالي أصبح استفراد هذا الطرف بالسلطة ضعيفاً وليس مثل الأربعين سنة الماضية، وهذا الأمر يزعج الإيرانيين الذين يتخوفون من عودة السنة والدروز إلى الجيش ومعهم مستقبلاً الأكراد وهذا يعني خروجهم من المعادلة وعدم الحاجة لهم وخاصةً أنهم يدّعون أن وجودهم لتغطية المعارك برياً على الأرض ومع التحاق كل الأطراف السابقة يصبح خروجهم حتمياً وهذا ما تريده روسيا بالإتفاق مع اسرائيل التي تدك مواقع الإيرانيين وتحد من تمددهم، ويشارك إيران في هذا الخوف جزء متحكم في المعارضة يعلم تمام العلم أنه لا دور له في المرحلة المقبلة في الحل السياسي ويسعى هو الآخر إلى حكم جزء من شمال سوريا وتحديداً الجزء الذي يقع تحت السيطرة التركية.

تجميع داعش:

أولاً دعونا نتفق أن النظام السوري أصبح اليوم ضمن حالة أشبه ” بالموت السريري يعيش على التنفس الإصطناعي ويتم استخدمه كواجهة لا أكثر”، وهذه الواجهة تقسم إلى قسمين: الواجهة الأولى (روسيا) وهي المتحكم الأكبر، والثانية (إيران) وهما واجهتان تتفقان في أمور وتختلفان في أمور كثيرة، تهتم روسيا بالسيطرة على الأرض وإعادة ترتيب الأوراق بما يناسبها، وضمان أمن إسرائيل وسلامة حدودها وتقول ذلك بشكل علني عبر وسائل إعلامها، في حين أن الإيرانيين يسعون للبقاء وفرض أوراقهم وتخريب أي اتفاق قد يهدد مصالحهم.

كما هو معروف تم تجميع داعش من مخيم اليرموك نحو بادية السويداء وكان لإيران اليد الأساسية في هذا الاتفاق، بالمقابل تم تجميع القسم الثاني ريف السويداء الشرقي عبر اتفاق غير علني، بين النظام السوري (المتحكم الإيراني)  وعناصر التنظيم، مقابل الإفراج عن مخطوفي ريف السويداء 36 مخطوفاً (20 سيدة و16 طفلاً)، وهذا الكلام وفق ما ذكرته جريدة الأخبار اللبنانية التابعة لحزب الله في عددها الصادر ليوم الثلاثاء بتاريخ 31  تموز 2018 ضمن مادة صحفية عنوانها ” درعا والقنيطرة خاليتان من الإرهاب”، ويتم التفاوض لإطلاق سراح النساء والأطفال عبر وفد يقوم بالتنسيق مع الإيرانيين حسب المعلومات.

عندما شُنّ الهجوم على القرى الدرزية كان من المتوقع سقوط هذه القرى وسيطرة داعش عليها كما هو معتاد وكسر هيبة الدروز وشوكتهم لكن المفاجأة أنهم استعادوا هذه القرى خلال ساعات وقتلوا الدواعش وعلقوا جثثهم في الساحات وهذا سبب صدمة لمن سهّل للهجوم وخصوصاً بعد سحب قطع الجيش التي كانت تحمي هذه القرى وسحب السلاح من سكانها، دون نسيان أن الهجوم بدأ الساعة 2 ليلاً بعد أن قُطِعَ التيار الكهربائي على القرى ثم دخل الدواعش برفقة أدلاء يطرقون الأبواب بحجة طلب المساعدة وعندما يفتح صاحب المنزل الباب يقومون بطعنه بالسكين ثم يدخلون إلى المنزل ليقتلوا العائلة بأكملها لإيقاع  أكبر عدد من الشهداء لكن مخططهم فشل نتيجة قوة الدروز وبأسهم في القتال والدفاع.

ملامح المرحلة القادمة:

فكرة التقسيم بعيدة حتى اليوم عن رؤية الدروز حتى وإن سعى إليها الإيرانيون عبر استقدام داعش، لكن بالمقابل مابعد تاريخ 25/7/2018 ليس كما قبله، فقد تقوقع الدروز ضمن الجبل وتغيرت وجهة نظرهم تجاه سورية القادمة وبات تحكمهم في وضعهم الداخلي وخلق حالة أشبه بالحكم الذاتي أكثر قوة مع مرور الوقت، وانتشارهم على حدود المحافظة وحمايتها سوف يعزز منطق السيطرة على مناطقهم وقد يخرج ما تبقى من الأجهزة الأمنية في المحافظة مع مرور الوقت.

قد نشهد في الفترة القادمة اتفاقاً مع الروس، وقد يأتي هذا الاتفاق مع ضغط من ” لوبيات درزية من خارج دروز السويداء ” تعمل حالياً من أجل ضمان مصالح الجبل وحمايته، ولا أتوقع أن يتم طرح أي حماية خارجية بريطانية او أمريكية رغم وجود قاعدة التنف الأمريكية بالقرب من السويداء لأن المزاج الدرزي في الجبل يرفض أي تدخل خارج إطار الدولة ومؤسساتها في المرحلة الحالية.

وإذا كان المزاج الدولي يذهب إلى فرض هذه الحماية فهذا يعني أننا أمام معارك طويلة بين الدروز وداعش قد تمتد لأشهر طويلة دون تقديم أي دعم حقيقي للدروز “عسكرياً وسياسياً” وبالتالي دفعهم للقبول أو النقاش بهذا الموضوع ووضعه ضمن إطار الحلول المطروحة والمفروضة عليهم.

لقد بات واضحاً أن إعادة ترتيب المنطقة الجنوبية سوف يتم على المدى الطويل وليس القصير، ولأجل هذا سوف يتم وضع اتفاقيات مرحلية ستمهد لتغيير تظهر نتائجه على المدى الطويل.

التعليقات: 130

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *