أخبار

سوريا الوهم … التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو

مالك أبو خير – رئيس التحرير 

قد تزعج كلمة الوهم الكثير من السوريين،  فسوريا التي نعيش فيها اليوم هي نتيجة اتفاق بين قوى كان يُطلق عليها سابقاً “استعمارية” أنشأت سوريا ولبنان والعراق والأردن، وهذا الاتفاق عرف بـ سايكس بيكو عام 1916 ضمن مفاوضات كانت حينها سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس وبمباركة من الامبراطورية الروسية التي يقصف احفادها اليوم المدن السورية دفاعاً عن النظام السوري، وبدأت بعد هذه الاتفاقية مرحلة الانتداب البريطاني والفرنسي على كامل المنطقة التي شملها هذا الاتفاق.

عاشت هذه الدول فترة نضوج واستقرار بعد خروج قوى الانتداب منها، واستطاعت تشكيل نفسها وأصبحت (دولاً مستقلة ذات سيادة)، وبدأت بصناعة وجهها الحضاري الخاص بها ووصلت إلى مراحل متقدمة كادت أن تنافس فيها القوى التي استعمرتها، حتى أتى ما يسمى بحكم العسكر ليتصدر قياداتها في سوريا والعراق، حيث نهبوا البلاد وعاثوا فيها فساداً وخبثاً وطائفية وحقداً ودمروا كلّ شيء جميل وقضوا على نسيجها الاجتماعي ويكفي أن تنظر إلى ما وصلت إليه سوريا والعراق حتى تكتشف بنفسك سفالة وقذارة حكم العسكر.

وقد تم العمل على تشويه فترة النضوج الحضارية ومحوها من ذاكرة السوريين، وأكبر مثال (مسلسل باب الحارة) الذي دُفع عليه ملايين الدولارات لطمس أهم فترة حضارية بتاريخ دمشق وسورية كلها واختزالها بحارة وهمية صنعها كاتب طُلِبَ منه أن يطمس تاريخ حقبة زمنية أرادت أن تصنع حضارة وتطوراً.

في لبنان استغل حافظ الأسد الصراع الفلسطيني اللبناني وبداية اشتعال الحرب الأهلية فيها، وأرسل جيشه لاحتلالها وقتل أغلب شخصياتها الوطنية ثم زرع الكيان الإيراني فيها وهو مايسمى حالياً (حزب الله اللبناني).

أما سوريا فقد وُضِعَ السوريون بكافة مكوناتهم تحت حكم عسكري طائفي سُمي ” حزب البعث العربي” الذي كان ومازال غطاءً كافياً لتدمير ونشر الجهل والطائفية وتخريب النسيج الاجتماعي في هذا القسم من الاتفاقية (سايكس بيكو) والذي أُطلق عليه اسم سوريا، ودُعِمَ هذا الحكم دولياً وأُطلِقتْ يده لتخريب أي تطور أو حضارة.

لن نقول أننا وقعنا تحت مؤامرة لكننا عندما ننظر إلى الثورة السورية وكيف جاءت روسيا وإيران لتدمير كل شبر في سوريا، ولقتل كل من يقول (لا) لهذا الحكم وكيف انهالت الأموال الخليجية لخدمة مصالح استخبارتية عالمية بتمويل كل الحركات التطرفية ومنها داعش والنصرة وكيف تم تصفية كل الأطراف الوطنية السورية والحفاظ على أقذر الشخصيات، عندها تعرف أن ما حصل من تراجع للثورة لايحمل ذنبه السوريون وحدهم، بل يتحمل مسؤوليته مجتمع دولي يريد أن تصل الأمور إلى هذا الحد وأن تتحكم عصابة واحدة بكل المكونات وأن يتحول هذا البلد إلى ركام والقضاء على أي شرارة للحضارة فيه.

انظر إلى لبنان وكيف تحول من سويسرا الشرق إلى وطن محكوم عليه بالموت من خلال الفساد والطائفية، صار لبنان بلداً لامستقبل له تتحكم بمصيره دول مارقة متخلفة مثل إيران، انظر إلى سوريا وكيف تحولت إلى حاوية نفايات ومقبرة جماعية لكل أوساخ العالم من متطرفين وجهاديين وعصابات طائفية تتبع للنظام ( حزب الله والميشيات الايرانية كمثال)  وأخرى للمعارضة ( جبهة النصرة كمثال) وبرعاية دولية، وصار الوطن تحت ركام الفساد والطائفية والفشل، انظر إلى العراق التي تحولت إلى مستنقع للطائفية بأقذر أشكالها.

انطر كيف تحولت هذه الكيانات التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو إلى دول فاشلة بكل المقايس لاتحمي مواطنيها ولا تقدم لهم أي شيء، بل تسرقهم وتقتلهم وتعتقلهم وتدفعهم للهجرة واللجوء وتفعل بهم كل قذارة ومن ثم تقول إلى أي مواطن يعارض سفالتهم (أنت عميل وخائن).

عندما نتحدث عن وطن فإننا نتحدث عن بلد يقدم المساواة والحرية لكلّ أبنائه، وعندما نتحدث عن سوريا التي رسمتها سايكس بيكو فإننا نتحدث عن مجرد وهم اسمه فقط على الهوية وطن! وباقي تفاصيله هي مجرد أوهام زُرعت في مخيلتنا، لقد دمروا أي انتماء لهذا الكيان، فهو في الحقيقة مجرد سجن وفخ كبير صُنِعَ لنا، واختير أحد السجناء في هذا السجن وطُلبَ منه أن يلعب دور الحاكم، وأُعطيَ كلّ الصلاحيات لقتل باقي المكونات الموجودة فيه، ودُعِمَ دولياً وتوفرت له حماية على أعلى مستوى.

لن يسقط بشار الاسد حالياً… نعم صحيح هذا الكلام، وأتباعه وكل مستفيد منه يعلمون ذلك منذ البداية لإنهم يعلمون أنهم مجرد حراس مدعومون من مجتمع دولي أعطاهم كل الصلاحيات اللازمة لذلك ولهذا كتبوا على جدران دمشق ( يسقط الله ولا يسقط بشار الأسد) فهم لا يضعون الله ورحمته ضمن قاموسهم، وهم متأكدون أن الحاكم الأكبر والخفي لهذا العالم قد عينهم حراساً على المكان الذي رسمه لهم وأعطاهم الفتات مقابل ممارسة القتل والإجرام والطائفية تحت اسم الوطنية وحزب البعث العربي الاشتراكي، ولن يسمح بسقوطهم طوال ان وجودهم يخدم مشاريعهم.

نعم كان للثورة السورية أخطاء كبيرة، لكن هذه الأخطاء ليست هي من تتحمل عبء بقاء سجان تم اختياره دولياً، فقد أثبتت التجربة أن الشعب السوري خاض معركة مع مجتمع دولي يحمي سجاناً رخيصاً وافق أن يكون خادماً مقابل بعض الفتات.

لكن هل يعلم اللاعب الدولي أن السحر سينقلب على الساحر، وأن الكثير من اللاجئين الذين هُجّروا سوف يتم استغلال عذابهم ووجعهم كي يتم تحويلهم إلى قنابل موقوتة طالما هذا الحارس الطائفي موجود، هل يا ترى استطاع اللاعب الدولي أن يوازن الأمور جيداً في اللعبة التي لعبها على سوريا؟ هل يعلم هذا اللاعب أنه إذا بقي هذا الحارس الطائفي موجودا فإنه سوف يتحمل تبعات اللعبة التي لعبها ولن أتحدث سوى عن هذا الجانب فقط لإن باقي جوانب اللعبة تحتاج إلى شرح كثير أعجز عن شرحه هنا.

من المؤكد أنني لا أدعو للتقسيم في هذه المادة، رغم أنه أحد الحلول المطروحة للخلاص من حارس فاق إجرامه إجرام النازية نفسها، لكن في المقابل أعتقد أن اللاعب الدولي قد ذهب في اللعب وخلط الأوراق لدرجة أصبح من الصعب عليه أن يمنع انفجاراً أكبر إلا إذا قام بتغيير الحارس بحارس آخر مختلف تماماً بطريقة تعاطيه مع الكيان الذي رسمه اتفاقية سايكس بيكو، قد لا يستطيع الشعب السوري تغيير الاتفاقية لكن لابد من اعادة النظر في اسلوب تطبيقها بشكل اقل دموية وانهاء حالة التسلط المفرط والقاسي على سكانها، نحن نعلم ان هذا التسلط هو بند مطلوب في هذه الاتفاقية لضمان استمرارها عبر اختيار سجان دموي، إلا أن هذا البند اصبح خطراً على جميع الاطراف واثاره السلبية لن تتوقف على الشعب السوري وحده.

لابد لأوراق اللعب أن تتغير في سوريا… فلا يمكنك السيطرة على كل الأدوات والخرائط بكل الأوقات وقد تنقلب اللعبة على لاعبها فعليه أن يستخدم خيار التبريد وتهدئة النفوس بين وقت وآخر ليستمر في اللعب أكثر…ومن أهم  خيارات التبريد في المرحلة الحالية ” تغيير السجان القذر بسجان آخر أكثر لطفاً “… واللبيب من الاشارة يفهم.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *