أخبار

صحيفة أمريكية: الأسد ليس مسيطرا على الأوضاع ودرعا تثبت ذلك

 

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تقريرا، استهلته بالإشارة إلى أعمال العنف التي اندلعت خلال الأسابيع الأخيرة في مدينة درعا الاستراتيجية تزامنًا مع وقوع اشتباكات بين القوات الحكومية والمعارضين المسلحين السابقين وسط موجة من الاغتيالات، مما يبرز التحديات الصعبة التي يواجهها رئيس النظام السوري بشار الأسد للمحافظة على سيطرته على المناطق التي يقول إن الأوضاع استتبَّت فيها، وأن هذه المناطق دانت له.

وقالت كاتبة التقرير، سارة دعدوش، مراسلة الصحيفة في العاصمة اللبنانية بيروت، إن مدينة درعا هي المدينة الاستراتيجية الواقعة في جنوب غرب سوريا وأنها تُعد مهد الثورة السورية، إذ إنها المدينة التي انطلقت فيها أول مظاهرة مناهضة للحكومة في عام 2011. وبعد مرور سبع سنوات، وبعدما تحولت الاحتجاجات السلمية إلى حرب أهلية مدمِّرة، استعادت القوات السورية المدعومة روسيًّا السيطرة على مدينة درعا، ورفعوا العلم الوطني واستحدثت الحكومة برنامج «المصالحة» مع المعارضة المسلحة في المدينة.

وأضافت: “بيد أن جذوة المعارضة في مدينة درعا استمرت في التوهج والغليان، حتى عندما نقلت القوات الحكومية معركتها إلى جبهات أخرى. وقد أصبحت الاضطرابات في المدينة خلال الأسابيع الماضية بمثابة آخر التحديات التي تواجه حكم الأسد الواقع بالفعل تحت ضغوط الأزمة الاقتصادية المدمِّرة والتصدع المتزايد داخل صفوف حلفائه التقليديين”.

وأشارت الكاتبة إلى أن التوترات تصاعدت في درعا الشهر الماضي بعد هجوم مسلحين على سيارة أحد قادة المعارضة المسلحة البارزين، والذي لم يتوقف عن معارضته للحكومة حتى بعد استعادة قوات الأسد السيطرة على المنطقة. وبحسب تقارير إعلامية تابعة للمعارضة أكدتها مجموعات الرصد وبعض المحللين ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، قُتِل أدهم الكراد، القيادي السابق في الجيش الحر وأربعة من مرافقيه، وهو ما أثار اندلاع أعمال العنف لعدة أسابيع.

وتابعت الكاتبة قائلة: لكن بعد أيام، توغَّلت الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري، التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار، إلى جنوب درعا بحثًا عن بعض المطلوبين، وهو ما أسفر -بحسب وسائل إعلام تابعة للمعارضة- عن اندلاع اشتباكات بين الفرقة الرابعة ومقاتلين متمردين سابقين والذين أغلقوا، فيما بعد، الطرق المؤدية إلى المدينة لمنع الجيش من التقدم. وبعد ذلك بأيام، تعرضت إحدى نقاط التفتيش التابعة لمخابرات القوات الجوية في بلدة مجاورة للهجوم، مما دفع الفرقة الرابعة لمحاولة اقتحام درعا وإشعال معركة مع المعارضة المسلحة السابقين.

وبحسب محمد الشرع، عضو مكتب «توثيق الشهداء» في درعا، قُتِل خلال هذا الشهر ما لا يقل عن تسعة متمردين سابقين وافقوا على الانضمام إلى الجيش السوري بالإضافة إلى سبعة آخرين عادوا إلى الحياة المدنية وتخلُّوا عن التمرد المسلح. وصحيحٌ أن المعتدين على القتلى كانوا مجهولين، لكن هناك ثمة شكوك تنحصر بين ثلاثة جهات فاعلة وهي القوات الحكومية في إطار سعيها لتصفية حسابات مع خصومها السابقين، أو الموالين للمعارضة الذين يشعرون بخيانة رفقائهم السابقين، أو حتى مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ونوَّهت الكاتبة إلى أن المعلومات الموثوقة حول التطورات في سوريا من النادر الحصول عليها في أغلب الأحيان بسبب الضوابط الحكومية الصارمة المفروضة على وسائل الإعلام وبسبب الخوف المنتشر من الدولة البوليسية. إلا أن مكتب توثيق الشهداء، وهو فريق رصد مقره في بلجيكا، سعى إلى تسجيل الأعداد المتزايدة للقتلى، إذ أفاد أن 193 من المعارضة المسلحة سابقًا الذين ألقوا أسلحتهم قُتِلوا في درعا منذ أن استعادة القوات الحكومية السيطرة على المدينة في يوليو (تمَّوز) 2018، مع تسارع وتيرة عمليات القتل التي تُنفَّذ في كل عام. وذكر مكتب توثيق الشهداء أن ما يزيد عن 200 مدني آخرين قُتِلوا، ومات بعضهم جرَّاء التعذيب الذي تعرَّض له.

ولفتت الكاتبة إلى أن هذه المشاكل لا تُشير، بأي حال من الأحوال، إلى أن نتائج الحرب الأهلية تمضي في غير صالح الأسد. إذ استعاد جيشه كثيرًا من الأراضي التي خسرها في ذروة التمرد ضده، والآن يُحاصر مقاتلو المعارضة في جيب واحد متبقٍ في شمال غرب سوريا.

صحيحٌ أن الأسد لا ينافسه، على ما يبدو، شخص آخر على رئاسة البلاد التي تسيطر عليها عائلة الأسد منذ 50 عامًا. لكن الاضطرابات الجارية في مدينة درعا تأتي في وقت يواجه فيه الأسد أكبر التحديات التي يواجهها حكمه منذ انتفاضة السوريين ضده لأول مرة في عام 2011، بما في ذلك التوترات المستمرة على مدار العام الماضي داخل عائلته ومع حلفائه الأساسيين وهم الروس.

وأكدت الكاتبة أن أعمال العنف التي اندلعت في درعا أدَّت إلى تآكل الفكرة التي حاول الأسد تصويرها وهو يحث السوريين الذين فروا من البلاد على العودة إلى منازلهم في الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة. ووعد الأسد بأن العائدين لن يصيبهم أي أذى. لكن عديدًا من اللاجئين السوريين لا يزالون يشعرون بالريبة، لا سيما في ظل ما يتنامى إلى مسامعهم من تقارير تفيد بأن بعض الذين عادوا اختفوا أو ماتوا داخل مقار الاحتجاز.

وخلال مؤتمر دولي عُقِد في دمشق هذا الشهر، ناقش المسؤولون السوريون الإجراءات التي اتخذوها للترحيب باللاجئين العائدين وألقوا باللوم على وسائل الإعلام العربية الإقليمية لأنها ترسم صورة سلبية جدًّا.

وفي هذا الصدد، استشهدت الكاتبة بما قاله عبد الله الجباسيني، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط، «إن النصر العسكري المعلن للحكومة السورية والعودة الطبيعية لمؤسساتها إلى العمل لا يعني استعادة الأمن والاستقرار. ويتناقض الوضع في درعا مع رواية عودة الدولة المثالية».

وأوضح الجباسيني قائلًا: «إن حكومة الأسد لا تواجه معارضة عنيفة لا تخبو جذوتها فحسب، لكنها لم تُظهِر حتى الآن قدرتها على بسط الهيمنة والسيطرة على الأراضي التي استردتها من المعارضة فعليًّا. وأضاف أن: «الاضطرابات المستمرة في مدينة درعا تُغذيها مجموعة من العوامل، من بينها المظالم العالقة وتصفية الحسابات إلى جانب الأعداد غير التقليدية والهائلة من المعارضة المسلحة السابقة وانتشار الأسلحة المتوفرة، فضلًا عن الغضب المنتشر محليًّا بسبب وجود مقاتلين من الميليشيات الإيرانية، وجماعة حزب الله اللبنانية المتحالفة مع الأسد».

وتتجاوز أهمية درعا رمزيتها بوصفها مهدًا للثورة -بحسب الكاتبة- إذ تقع مدينة درعا في شمال الحدود السورية مع الأردن، بالإضافة إلى أن المحافظة، التي تحمل الاسم نفسه «درعا»، تضم معبرًا حدوديًّا استراتيجيًّا. وأعادت الحكومة السورية فتح المعبر أمام كل سبل التجارة وجميع الناس، بعد شهرين من استعادة قوات الأسد للمدينة وفرض السيطرة عليها، وذلك من أجل إحياء أحد أهم الطرق التجارية، لكي تجني منه الحكومة أرباحًا طائلة بعد إغلاقه لعدة سنوات.

وذكرت الكاتبة أن المعركة التي دامت لأسابيع في درعا كانت ضارية بصورة استثنائية. واختار بعض أفراد المعارضة، بعد هزيمة المعارضة، حزم أمتعتهم وركوب الحافلات الخضراء سيئة السمعة التي أرسلتها الحكومة لنقل المقاتلين وعائلاتهم إلى إدلب، وهي منطقة يُسيطر عليها المعارضة المسلحة في شمال غرب سوريا.

أما المقاتلون الذين اختاروا البقاء، فقد وافق بعضهم على إبرام اتفاقيات للمصالحة، وانضم عديدٌ منهم إلى الفيلق الخامس الذي ترعاه روسيا،قو والذي أُنشِئ ظاهريًّا لمحاربة تنظيم داعش. وبعد مدة وجيزة، أعلنت الحكومة عن إبرام نحو ألف صفقة مصالحة في درعا خلال يوم واحد.

وألمحت الكاتبة إلى أن وسائل الإعلام الموالية للحكومة تعالت أصواتها وتهلَّلت بهذه المصالحة، وقالت: «إن المصالحة تحقن الدماء وتُعيد هؤلاء الذين ضلوا طريقهم إلى أحضان الوطن». لكن صفقات المصالحة التي أُبرِمت في درعا، على عكس تلك التي أبرمتها قوات الحكومة السورية مع متمردين مسلحين سابقين في بعض المناطق الأخرى التي استعادتها، لم تضع حدًا للمقاومة. وظل عديدٌ من قادة المعارضة والمقاتلين السابقين يتحدون الحكومة جهارًا.

وفي ختام تقريرها، أبرزت الكاتبة أن أدهم الكراد، القيادي البارز الذي اغتِيل الشهر الماضي، كان أحد هؤلاء القادة الذين واصلوا الدعوة إلى الثورة وانتقاد إيران وروسيا، أكبر داعمي نظام الأسد، حتى بعد سقوط مدينة درعا في أيدي الحكومة السورية. وكتب الكراد منشورًا على صفحته على الفيسبوك بعد نجاته من محاولة اغتيال في العام الماضي، قائلًا: «نحن ثوار ننتمي إلى هذه المدينة التي تُعد مهد الثورة السورية. وقد استسلمنا للمصالحة تحت ضغط دولي، لكننا لم نتخل عن قضيتنا».

وعندما وافته المنية، ترك الكراد وراءه ابنًا يبلغ من العمر عامًا واحدًا يُدعى صلاح الدين. وكتب الكراد على الفيسبوك أنه يرجو من الله أن يُصبح نجله مقاتلًا بارعًا مثل القائد الإسلامي الأسطوري صلاح الدين الأيوبي الذي حارب الصليبيين في القرن الثاني عشر.

المصدر: وكالات

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *