أخبار
مصدر الصورة من تقرير هيئة إدارة الكوارث والطوارئ وإدارة الزلازل في تركيا - AFAD - بحر مرمرة ، سيلفري في البحر (إسطنبول) ، زلزال بقوة 5.8 ميجاوات ، تقرير التقييم الأولي

تحذير قبل وقوع كارثة طبيعية بخمسة دقائق … زلزال اسطنبول

ماذا يمكنك أن تفعل إن وصلك تحذير قبل وقوع كارثة طبيعية بخمسة دقائق؟ سؤال يبدوا غريب أو سطحي للبعض خصوصاً أننا كبشر لم نستطع حتى الآن من إيجاد طريقة لتحديد مكان وزمان وقوع أي كارثة طبيعية قبل أوانها بما يكفي لاتخاذ إجراءات أمان كافية وتحديداً الهزات الأرضية.

في 26/09/2019 حوالي الساعة الثانية ظهراً، تداول العديد من المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعية نبأ وقوع زلزال قوي في إسطنبول.

شخصياً شعرت بوقوع حدث غريب، وكأنما البناء دبت فيه الحياة فجأة وقام بالقفز قفزة واحدة، ليعود البناء إلى طبيعته الساكنة كما المعتاد. تبين لي لاحقاً أن المنطقة التي اسكن فيها لم يصلها أثر قوي للهزة الأرضية كما في غيرها من المناطق الأقرب لمركز الاهتزاز في بحر مرمرة.

في منتصف الليل، بدأت بتصفح الأخبار التركية ووسائل التواصل الاجتماعية لأقرأ ما يكتبه السوريون في إسطنبول عما جرى، لم تخلوا منشوراتهم من النكتة والاستخفاف بما جرى مقارنة بما عايشناه في سوريا لفترة طويلة من الحياة في الحرب، حيث تتساقط القذائف بدلاً من الأمطار، ضربات الطيران العسكري، قصف المدفعيات، وغيرها.

بعض المنشورات كانت تتحدث عما يجب القيام به أثناء وقوع زلازل!، حينها خطر لبالي سؤال، ماذا لو كان لدى هيئة رصد الزلازل خدمة اعلام سكان المنطقة عبر الهاتف حول وقوع زلزال قبل خمس دقائق!؟

هل تكفي خمسة دقائق بالنسبة لي لأحدد ما يجب القيام به قبل بدء الزلزال!؟ هل سأخرج من المنزل دون تبديل ثيابي!؟ هل سأخرج دون أشيائي المهمة!؟ هل سأتذكر أن أخرج ومعي محفظتي ونقودي وأوراقي الرسمية!؟ أم سأهتم في الكومبيوتر الذي يحتوي كل ما هو متعلق بعملي!؟ ماذا عن الأشياء التذكارية المهمة؟ صور وهدايا وأشياء عزيزة علينا ولا يمكننا الاستغناء عنها!

قد يبدوا هذا السؤال غبي، أليس كذلك؟ لا أحد يستطيع أن يخبرك قبل خمس دقائق عن حصول أي كارثة طبيعية. حسناً، من الناحية المنطقية والعلمية، هذا صحيح، لكن السؤال ما يزال بحاجة لإجابة.

الإجابة بالنسبة لي كفرد أعيش لوحدي تبدوا صعبة جداً، وقد لا يكفيني حتى ساعة من الزمن لأتمكن من اتخاذ قرار ولملمة أشيائي المهمة، يا ترى، هل بإمكان أي شخص أن يتخلى عن كل شيء خلال لحظات لأجل النجاة بروحه فقط!؟ ماذا عن العائلات وبشكل خاص ممن لديهم أطفال!؟ كم من الوقت يحتاجون للخروج من منزلهم والتوجه إلى منطقة آمنة!؟

لماذا خطر لبالي فكرة الحصول على تحذير قبل وقوع أي كارثة طبيعية بخمس دقائق عبر الهاتف!؟

ما هو مدى صعوبة الموقف بأن تتلقى تحذير مع القليل من الوقت لتنجو فيها بروحك، وتترك خلفك كل ما بنيته طوال سنين حياتك!؟

في سوريا لم نكن نملك فرصة الدقائق المعدودة للنجاة والابتعاد عن الأماكن المستهدفة، كيف لنا أن نحصل على مثل هذه التحذيرات إن كان المنفذون للقصف من جيش نظام الأسد أنفسهم لا يملكون أي معلومة عن المكان الذي ستنزل فيه قذائفهم، فهم غير معنيين في تحديد أهداف دقيقة، وواجبهم كما هو شعارهم “نحرق البلد” وبالتالي عليهم فقط القاء القذائف بشكل أعمى على منطقة ما بغض النظر إن كانت مأهولة بالمدنيين مثل حالة البراميل المتفجرة، والغريب في الأمر أنهم فقط عند رغبتهم في استهداف المستشفيات يصبح لديهم دقة عالية في إصابة الهدف سواء باستخدام صواريخ موجهة أو كثافة القصف المركز ضمن منطقة لتحقيق الإصابة في المنشئات الطبية.

سنوات طويلة مضت والكثير من السوريين داخل الوطن لا يعلمون في أي لحظة قد تصلهم إحدى الكوارث البشرية عن طريق الجو أو الأرض، قذائف ورصاص وحصار وتجويع وإرهاب وإذلال وخطف واعتقال و ….، ومن استطاع النجاة بروحه في الخروج من حدود البلاد لم يسلم من كوارث البشر المحملة بالعنصرية والرفض والاستغلال وغيرها.

السوريون ليسوا ملائكة، لكنهم ليسوا كغيرهم من البشر في هذا الزمن، فهم دائماً وبكافة الأحوال موضع تميّز وتمييز، تميّز عن الآخرين بحجم الكوارث البشرية التي تلاحقهم، وتمييز من بقية البشر إيجابي وسلبي على حد سواء.

وفي العودة إلى الكوارث الطبيعية، أرى فيها نعمة ورحمة متميزة عن كوارث البشر، فهي في النهاية نتيجة تأثير طبيعي لا يستهدف حياة أحد بشكل متعمد، وحتى في حالاتها القاسية يموت ضحاياها دون أي أثر لحقد وكره ورغبة في انتقام، فالطبيعة لا تحقد على أحد ولا تستهدف أحد، ولا يمكن لأحد أن ينتقم منها.

الجواب الوحيد الذي استطعت الوصول إليه فيما لو أنني حصلت على تحذير قبل وقوع كارثة طبيعية قبل خمس دقائق، أنني لن افعل أي شيء خلالها لأني أعلم علم اليقين أن الطبيعة لا تستهدف حياتي تحديداً وليس لديها أي حقد أو كره تجاهي، فإن وقعت الكارثة وكنت ضحية لها فهي قضاء من الله أسلم فيه أمري له.

لم نخرج من ديارنا خلال خمس دقائق رغم معرفتنا بالخطر المحدق بنا، ولم يكن خروجنا إلا بعد فقدان الكثير بما فيها الأمل من أن يكون لنا قدرة على إيقاف كوارث البشر، فإن حلت علينا كوارث الطبيعة فيا أهلاً بها ومرحباً.

في الختام أسأل الله السلامة للجميع في كل مكان ومن كل كارثة وتحديداً كوارث البشر.

نود التنويه أن المواد المنشورة في قسم مواد الرأي تعبر عن رأي كاتبها أو المصدر التي أخذت منه ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *