أخبار

ديسمبر يحصدُ أرواح النبلاء … في رثاء الصحفي ناجي الجرف

نحنُ في زمن نكتب على جدرانه أسماء شهدائنا  ونضع صوراً تذكارية بالأسود والأبيض.

أنهم يُقتَلون بدون ضجة ويدفنون بصمت وفي أحسن الأحوال تشاهد جمّع من الشخوص يمشون خلف النعش.

عندما كنت طفلاً كنت مقتنع تماماً أن البكاء فّن تتقنه النساء فقط لكن عندماّ شاهدتُ صوراً لك وأنت حامل قليلاً من الطعام لأسرتك الصغيرة سال مدمعي أنا لا أرثيك فالنبلاء لا يرثون

ناجي الجرف إحدى أعمدة الرآي الإعلامي للثورة السورية الرافضة جميع أشكال التجنيد والهيمنة

وللثوار الأشقياء نهايات في الموت ونحنُ الأحياء بلا روح وأنت الراحل

ماذا نفعل لأجلك وأنت من علمتنا ” أن الدم بالدم ” وكانت آخر وصيةٌ لك وآخر حلم لك أن تدفن في سوريا

يالسخافة الحياة عندما يصبح الأنسان يتمنى أبسط شيء ولا يطاله

أنت الذي أخرجت الجموع من صف القطيع إلى صف النُخب

أنت من علمنّا أن نكون أقوياء وقت الحُزن / على الحرية /على كاسة المتة ايضاً أذكر تماماً عندما قلتُ لك ذات يوم أني أرى بك زيوس و جلجامش وجوبيتر ورومولوس وأبولون والفرات وماري وبنت عمك شهرزاد وأنت ابن المسيح أذكر تماماً الشامات الموزعة كل جسمك كل شامة هي رقعة جغرافية سوريا ممتدة من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب

أنت أبن السلمية وماحولها ابن دير الزور وفراتها أبن درعا ومليحيها أبن حمص وساعتها

تحنُ  لك مكنة الإكسبريسو وكأس نبيذك تحنُ لك زوايا مكتبك حتى ذكرياتك المتروكة في الضيعة المنسية

عندما نفتقد شهيداً كنت تقول الشهيد الجميل ” وأنت اليوم جميلنا ” لأن الموت دائماً هو رفيق الروح الجميلة

أُعزي نفسي أم أُعزي وطني أم أُعزي ذويك , كان رجلاً قادراً احتواء جميع الاحرار وقد يكون هذا هو اللغز الوحيد أو الشيفرة الجرفيّة التي أحتوت هذه النخب الإعلامية والإنسانية عادةَ يكون للأحرار نهايات ولكن نهايتك كانت مفجعة وفي وقت مفجع  أذكر تماماً عندما كنت أتناول فنجان قهوتي وصٌدمت بخبر وفاتك أذكر تماماً الاتصالات التي أجريتها أذكر تماماً كيف سقط من يديّ هاتفي النقال كنت أرغب بإن أقرأ خبر ينفي مصرعك وهكذا هيّ الحروب وقوانينها غالباً النبلاء في الحرب يَستخدمون أفضل شيء يملكونه ليٌقتلو بدم بارد وبرصاصةٌ كاتمة للصوت

ربما بمقتلك سيكون شرق أوسخ جديد أو ربما تُحل إشكالية اللجوء والمنفى وإشكالية الوطن الواحد الجامع

قتلوك في منفاك الآخير قتلو صوتك قتلو قلمك قتلو فكرتك قتلو أسمك قاتلهم الله

وهكذا همّ الأحرار يٌغتالون بِصمت ويُقتلون في المنفى غرباء لا آحد حولهم سوى أفكارهم

وستبقى فكرتك حرّةٌ ونيرّةً تضيئ لأجيال المستقبل والآن دعني أقول لك بوسعك أن تدخل التاريخ من أوسع أبوابه ورأسك مرفوع للأعلى كسرب الحمام الذي يغرد فوق مآذن دمشق وأعرف أيضاً أن عشقك لتراب وطنك وحنينك يستحقُ أن نعيش كُلنا لأجله ستبقى إبتسامتك مرسومة في داخلي  حالها كحال وطني مقايضته حرام ومآساة وجحيم أكتب عنك وأرتشف من قهوتي الباردة لعلها تواسي الحزن الذي يحتويني

أذكر تماماً ماذا قلت بتاريخ 5 ديسمبر الساعة : 10:30 صباحاً من عينتاب

 “وأنت تودع عينتاب إلى وطنك الجديد لا تبخل عليها بإبتسامة فهي جارتك العجوز التي ضمدت الكثير من آهاتك “

وأنت اليوم رحلتُ بإبتسامة تضيئ لنا مستقبل مٌزهر نمّ قرير العين لروحك الطاهرة ألف سلام ..

عبد الرحمن العاني .. في رثاء ناجي الجرف

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *