أخبار

الإنسان بطلاً

ثائر الزعزوع

استقبل الرئيس، ودع الرئيس، ترجل الرئيس، صعد الرئيس، نام، قام، ذهب وعاد، اختلف، اتفق، تزوج وطلق، الرئيس الرئيس، الدولة، الحكومة، أعضاء القيادتين القطرية والقومية، هل كان هؤلاء في يوم من الأيام بشراً مثلنا؟ هل يأكل الرئيس الطعام كما نأكل نحن؟ هل يقضي حاجته…. هل… هل؟ ثمة أسئلة كثيرة عالقة برأس الإنسان العادي، الذي أمضى حياته يراقب الرئيس، البطل، القائد، الصامد، الهمام، الشجاع، الذي يبتسم فتظهر أسنانه البيضاء اللامعة، وهو يسير بثقة أمام الكاميرات، لا ينشغل بهموم الحياة اليومية، فهو لن يقف يوماً في طابور الخبز، ولن يصارع للحصول على لقمته، لن تراه متعباً وهو يعود إلى بيته، سيظل شاباً أنيقاً، قوياً، مهما حدث، أولاده أيضاً يكبرون بسعادة، فهم أبطال أبناء بطل، كل رئيس هو بطل، هكذا شاءت له الأقدار، وأما باقي الرعية فهم إنما وجدوا لتكتمل صورة البطل.

لكن السنوات السبع التي مرت بكل ثقلها ومأساويتها، حولت الرعية إلى أبطال، لا يصنعون الخوارق والمعجزات، ولا يقودون الشعوب في طريق نصر مزعوم، أبطال من لحم و دم، كانوا طيلة حياتهم أبطالاً لكن أحداً لم ينتبه إليهم، نساء و رجال وأطفال، أي فعل بطولة تقوم به جدة تربي سبعة أحفاد وهي تسعى في طلب رزقها، ولا تقبل أن تمد يدها لتطلب معونة من أحد، وأي بطولة يمتلكها طفل فقد قدميه و مازال يسعى ليتعلم، وهو يرسم ابتسامة مدهشة تحمل كل أنواع التحدي والتفاؤل، بطولة سيدة حولت بيتها إلى مدرسة، و لم ترهبها تهديدات التنظيمات المتطرفة، ورجل يتحدى خوفه ويمنح الآخرين طاقة غير عادية ليظلوا صامدين، في ظروف حصار و قصف يومي، وأي بطولة تلك التي رسمها أصحاب الخوذات البيضاء وهم يقدمون حياتهم ليعيش الآخرون؟ بل أي بطولة تلك التي جعلت امرأة تطبخ لتطعم الآخرين، وحولت بيتها إلى مطبخ للجميع، عشريني حمل هاتفه الجوال وركض تحت القصف ليلتقط صورة يوثق من خلالها لحظة في تاريخ دموي تعيشه سوريا، فتاة كانت تخشى رؤية مشهد الدم في التلفزيون فصارت ممرضة في واحدة من المستوصفات الميدانية، شاب سار حاملاً باقة ورد تقدم من القتلة غير خائف، سيدة تركت الشهرة والأضواء وانتقلت إلى عالم من الخوف والرعب.

الحكاية ببساطة أن شعباً بأكمله اكتشف أنه قادر على صناعة بطولاته الصغيرة، دون أن ينتظر هتافاً من الجماهير، و لا تكريماً من أي نوع، فأي تكريم أكبر من أن تكون إنساناً في عالم صار غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وأن تكون إنساناً يعني أن تكون شريكاً في المحبة لا شريكاً في الكراهية.

في دفتر صغير احتفظ به منذ سنوات، جمعت قصصاً قد تبدو لكثيرين عادية، ربما لا تلفت انتباه أحد أصلاً، فما الذي يعنيه أن تظل امرأة حبيسة بيتها أربع سنوات، لأن تنظيم داعش فرض على نساء مدينتها أن يرتدين النقاب، وهي لم تقبل ففضلت المكوث سجينة بيتها، وحين طرد التنظيم من مدينتها خرجت لتبصر الشمس لأول مرة؟ و ما الذي يعنيه للكثيرين أن يتحول باص نقل داخلي دمرته القذائف إلى مستشفى؟ حقاً أسأل نفسي الآن كم فيلماً سينمائياً ورواية ومسرحية نستطيع أن نكتب عن هؤلاء؟ وكم حكاية ستظل للأجيال القادمة عن أمهاتهم وجداتهم عن آبائهم وأجدادهم؟ بل كم نحتاج من السنوات لنوثق تلك البطولات جميعاً؟

الإنسان بطلاً، نعم لم لا؟ فلنجرب أن نبحث عن أولئك الأبطال في حياتنا، ولنمزق الكتب المليئة ببطولات مزيفة.

التعليقات: 8

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *