أخبار

عن العقل والسعادة والإنسان

نبيل شوفان – صحفي سوري

نبيل شوفانيقول أحد السوريين يا ليتني قضيت قبل أن أكايل هذه المفارقة، فلقد ولدت يوم وصل حافظ الأسد إلى السلطة تعلمت في مدارسه وكانت علاماتي كاملة في مادة القومية صورته على الغلاف طبعت في ذهني طبعا، وحين ورث ابنه السلطة كنت أعمل في كنف الدولة فنافقت وهللت له، ولقد كنت قبل عام 2011 معززا مكرما لدي شقة مهيبة في دمشق وسيارة فارهة ودخل سميك في الدولة السورية، لكن في لحظة إدراك دفعتني لأثور على هذا النظام الفاشل السخيف، لقد ازدادت الأسئلة والمحاكمات العقلية يوما بعد يوم في رأسي، حتى تجاوزت سقف إسقاط النظام والوضع أصبح مقلقا.

بعد سنتين ثورة صرت أريد أن تكون بلدي حديثة مدنية ديمقراطية نحاكم في محاكمها المستقلة اللصوص لوقف نزيف الاقتصاد، لم أعد أريد استبدال رئيس بمثله، أنشد العدل لكل فئات المجتمع وأطالب بحق المواطنة والعيش بكرامة، تطورت المطالب فأصبحت أطالب بإسقاط النظام العالمي صرت أحاكم في رأسي رؤساء الدول فأراهم مجموعة مرتزقة لا يستحقون سوى التفل بوجههم وإقصائهم من مواقع مسؤوليتهم، أذهب في التفكير أبعد حتى أرى الشعوب متخاذلة وساكتة عن القتل، تتعاطف مع السخافات وتهرب من حقائق فاقعة، أنا الآن أفكر في حقيقة كل الثورات العسكرية والاجتماعية والاقتصادية التي حققت أهدافها في أوروبا وأمريكا وماليزيا والإمارات وبقية العالم، في الحقيقة لا أعرف أين ستقف حدود مطالبي وأنا خائف ومرتعد من فكرة أني لن أكون سعيدا بعد اليوم، والسبب عقلي الذي لا يتوقف عن التفكير منذ خمسة أعوام.

لم أعد أميز حقيقة بين إدراكي لما يحصل وبين فلسفة بقية البشر لما يحدث، لا أملك اجوبة لأسئلة أبنائي المحرجة؛ منذ أيام سألني أصغرهم عما إذا كان انتصر الشيطان في كوكبنا، طالعت الكتب لم أجد إجابة على هذا السؤال، حضرت نتائج كل مؤتمرات حقوق الإنسان وقرأت مواثيق الأمم المتحدة إنها مخصيّة، أنا الآن يائس بائس أشك بكل شيء، أخاف أن أطالب بإسقاط عقلي أو أن يسقط أبنائي شرعيته، راجعت موقفي من الثورة، لا جديد مطالبي تتصاعد في كل لحظة حتى طالبني عقلي بسؤال الآلهة عن موقفها مما يحصل.

لي صديق يعيش حياة سعيدة فلما لا أستشيره وأنا الذي قاطعته منذ خمسة أعوام بسبب تأييده للنظام، ترى ما سر سعادته.

 يا أبا فلان ما هو سر سعادتك، هل لا زلت في سوريا؟

قال لي: “ما زلت في وطني لم ولن أخونه كما أنت فعلت، ثم عليك أن تقول سوريا الأسد من فضلك.

 قلت له هل نستطيع الاتفاق على إسقاط الأسد والثورة ككلمة فقط ألا توافق أن نسميها سوريا الجميلة سوريا الرائعة سوريا الديمقراطية سوريا المواطنة سوريا المتقدمة اختر أي اسم

قال لي: “لا تتعبني معك، لا أريد التفكير”.

حسنا عدنا إلى قصة التفكير هاهو لا يفكر ويعيش سعيدا مرتاحا وانا أفكر وأعيش يائسا بائسا، أليست السعادة الغاية الأسمى هل أفضل العقل على السعادة، سألت أصدقائي هل تفضلون التحلي بسعادة غامرة وغبطة دائمة وراحة بال في سبيل بلادة عقولكم وميلكم للغباء القطيعي، الكل أجاب “لا” نحن نفضل نكد العيش على التوقف عن التفكير، ولكن أليست السعادة هي الغاية المثلى في الحياة أليس في إجابة الأصدقاء خروج عن العقل السليم يا لنا من أناس مجانين ثائرين.

لكن قرأت مقولة لحكيم أن وجودية الإنسان مرتبطة أصلا بالتفكير، وبالتالي قررت أن أبقى إنسانا على أن أكون سعيدا مجردا من نوعي، نعم أنا قصة إنسان.

روى لي أحدهم أن رجلا في بيروت جلس يشاهد الأخبار، فدمعت عينا الرجل على مشاهد القتل في سوريا وراح يفكر -في الحقيقة يملك هذا الرجل منزلين تقطنهما عائلات لاجئة وكان قد رفع إيجار منزليه ضعفين مستغلاً حاجة اللاجئين- لكنه وبعد تفكير وألم اعتصرا رأسه وقلبه، قال في عمقه هم لا يملكون المال الكافي يا إلهي كم ظلمتهم، ذهب الرجل في اليوم التالي إلى المكتب العقاري وأخبره أنه لم يعد يرغب بتأجير اللاجئين ومن الآن فصاعداً المنزلان سيكونان معروضان كشقق سياحية لأنه يريد أن ينام مرتاح الضمير، وكأن هذا الرجل يجيب على آخر سطر كتبته أليس هذا تفكير … أليست هذه إنسانية … وقصة إنسان.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *