أخبار

قَزحية الحُبِ والألم _ تراجيديا كُردية

همبرفان كوسه _ كاتب وصحافي كُردي

غَيمةٌ داكِنة اقتَربَت رويداً مِن الأرض بِدمعِها وهي تَسكُب ألم السَماء فَوق رأسِنا لِدرجَة باتَ فيها مُصَفف الشَعر الذي استَعَرته مِن صديقي يَدخِلُ قَزحية عَيني ولَم أعُد أجيدُ الرؤية كَثيراً ، كانَت الخُطوات بَطيئة جِداً والوَحلُ يَتراكم تحت قَدمي وأنا أخرِجُ مِن مَنزلي نَحو الجامِعة ، الجامِعة التي مَزجَت بَين الُحبِ والعلمِ مَعاً ولَم أكُن على دِراية كافية بِما يَحدث!

وجوهٌ مُتناثِرة ، سيارات صَفراء ، أعلام مُبتلة بالماء ، رِجال ثَكالى مِن حِمل الرَب ، نِساءٌ يَحملن قوتَ أولادِهن فوق رؤوسهن هكذا كانَت قَزحيتي تُشاهِد مَشاهد مُبعثرة حَولي ، حَول الحَياة التَي لَم تَكن تُشبِه الحياة قَط ، قَزحيةٌ مليئة بالدَمع فهي لَم تُشاهد سِوى جانِب الألم في الأمكِنةُ الفارِغة مِن الأمل

هُنا وهُناك قَزحيةٌ تَنتظِرُ أخرى ، هُناك ما زالت تَحمِيل أمتعة الجَمال في جَسدٍ يُشبِهُ الحياة جِداً ، أو يُشبهُ ما أحبه في الحَياة على أقَلِ أمل ! ، هُنا القَدم مَريضٌ بالوَحل ولا يَتهَيبُ لِشيء ، الوصولَ حَيثُ الحَبَيب ، حَيثُ هي المَتراكِمة فَوق قَلبي كانت

 هُناك حَملة تَطوعية مِن شبابٍ وشابات لِتَنظيف الكُلية مِن المُهملات التي كادت أن تَكون جِزءاً مِن معالِمها وما يُميزُها عن باقي الأمكِنة وعَن باقي العِلم ، مَجموعة كُنت تُشاهِد في قَزحياتِهم الأمل والألم الَرغبة في جَسدٍ وأرضٍ وحَياة نَظيفة ، نَظيفةٌ قَليلاً مِن الوضاعة ! جَلستُ بالقُربِ مِنهم وأنا أصوِر بَقزحيتي مُشاهد مِن رَغبة هؤلاء وهُم يتَكاثَرون حَول مُهملات يُريدون إلقاءها بعيداً ، يَحمِلون بِيد قلماً ودَفتراً وبأخر كيساً صَغيراً أسودَ اللَون كَتِلك الغَيمة الَتي سَرَدتُها في المَقدمِة

سُجادةٌ حَمراء ، ألوانٌ للهَواء تُزيحُ غُبار الوَجع ، هَروَلةٌ سَريعةِ ، اقتِحامٌ للقَلبِ قَبل بابِ الكُلية الكَبير ، كانت هذه افكارٌ تُراود ذهني وأنا أجِدها أمامَ قَزحيتي تَدخُل الحُب مِن أوسع أبوابِه وتَقترِبُ إلى ذاتَ حُب وذاتَ لِقاء أول

نبضاتُ القلبِ كان له وقعاً اخر وانا اقتَرِبُ مِنها لأشُم القليل ،الكثير جِداً مِن رائحة الحياة ، وكأنه طَيفٌ مِن أمل يَودُ الدخول إلى  جَسدي وتَرسُمَ ملحمةً مِن حياة ، ملحَمة الروح المُتلبِس للجسد ، كانَت قَزحيتُها تُشير بِتوجس إلى جَسدي كريشةٍ تحاوِل رَسمها كما تشاء او كما يشاء لِجسدي أن يَكون مَسكناً للجِن ، َتفعل بِه ما تُريد وتُجهيز له طَلاسِم تُربطُني بِها ، تُربطني بالحياة وتأخذ نَصيبها وتَكون هي سَيدة لِجملتي ، جُملة سُرِ البقاء!

لم تكن القَزحية التي ابتكرها الَرب بين قَوقعةِ  وَجهي عَملاً على ما يَظُن وقد حان عَملها ، حانَ ان يَكون له تَسجيلٌ واحد ، صورة واحِدة ، حُب واحِد لأملٍ واحدِ ، رغُم ان هذا سيُتيحُ لها المَجال لتعبَث بِقلبي كَما تَشاء ، فتارة سأكونُ معتقلاً متوجساً واخر سأكون الضَيف المُحقق ثَقيلُ الظل ، ولن تحظى هي سِوى بِبراءةٍ !

اصواتٌ هادِئة كانَت تُسمع بالقُربِ مِنا ، عودٌ حَزين وصَوتٌ شَجي ، انغامٌ كُردية بِجدائِل شَعرِ اُنثى تُغادِر مع الهواء لِتعود وتُحطِم وَجهي بِكل احترام ، كُل حُب وعَفوية ، موسيقى غَيرت مَسار قَزحيَتنا لترتطم بمجوعة ونَيف مِن الفتية والفتيات وهُم يَسردون اغان كُردية ، اقتَربنا مِنهم ونَحن نَدخل مَسار الايقاع ، نَحمِل نوطةَ الحياة وسيمفونية القَزحيةُ المُجردة مِن كُل شَيء سِواها ، كانَت قزحياتُهم تُشيرُ إلينا و تجاعيد وجوههم الشابة تَقول ” ها هُم ابتساماتُهم المَخفية تَدل على العشق ، تدل على كُل شيء حتى البقاء! “

بِهدوء حَتمي ، وروحُ بارِدة كارِهة للحياة تُلملم ألم عامِ كامِل ، بارتجاف حار حَملت رأسها ووضعتها على كَتفي واقتَربَت قَزحيَتها تُلامِس شِفاهِ المَريضةُ بِحُبها ، لمسات مُرتَبِكة مِن يَدٍ تحاوِلُ لَمس وجهها بِتردد وخوفٌ بِلا سَبب وبِلا مكان للهرَب ، لَم يَكُن امام قَزحيتي سِوى السقوط مِن الكبرياء وتُعلِن عَن حُبي لها وحُبها لي ولَم يَكُن سِوى لِمعتقل الأمل مكاناً لِنمارس الحُب ، نمارس النَظر ، بِقزحية تٌسجيل حُبنا فَقط !

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *