أخبار

كأس العالم حينما يتحول إلى حفلة تعذيب عربية …

فارس الذهبي

مقرفة ومزعجة ومحبطة هي عملية مشاهدة المنتخبات العربية ، وهي تلعب في كأس العالم ، مشاهدة تلك الفروق الهائلة ليس فقط في اللعب و المهارات الفنية ،لا بل أكثر ، حيث أن كرة القدم العالمية وصلت إلى مستويات هائلة من التنظيم و التخطيط ، تتدخل في تنظيم المنتخبات الأوروبية شركات تخطيط عالمية ومستشارون اجتماعيون و علماء في السوسيولوجيا وعلم النفس والتغذية ، بينما لا يزال العرب والاعلام العربي يحاول الاستفادة من الرياضة ومن كأس العالم عموماً في قرف الترويج للأنظمة الحاكمة ، فقط دون أي اهتمام حقيقي بتطوير اللعبة ..

ولعل الفشل المدوي الذي مني به العرب أجميعين في مونديال روسيا البائس ،لا ينفصل عن فشلهم عموماً في باقي جوانب الحياة ، فتلك الأمم المسماة بالعربية ،خرجت بأكملها من حركة التاريخ منذ زمن طويل جداً ،وبقيت عاجزة عن تقديم أي جديد ومفيد للعالم ،فمشاركة الأمم العربية ومساهماتها في الخدمة العالمية تكاد تكون صفراً ،لا في الطب ولافي العلوم ولا في الاختراعات وصولاً إلى التعرية الكاملة في الرياضة ،التي ولسوء الحظ تجعل المشاهد العربي أن يقوم بمقارنة سريعة ضمن فترة لا تتخطى شهراً هو مدة كأس العالم ..يقوم بمقارنة بين فرق دول مثل ايسلندا التي  لا يتجاوز عدد سكان الدولة بكاملها ،عدد سكان حي الهرم في القاهرة (340ألف ) أو مدينة صغيرة في المغرب أو تونس أو السعودية ،ومع ذلك تجدها تقف بفروسية في مواجهة دولة جبارة كروياً مثل الأرجنتين ،ونرى السنغال وسويسرا و كوريا والخ ..تفعل الشيء نفسه ..

فما بال الأمم العربية التي تنهض من مصيبة لتقع في كارثة ،حيث لا مجال للعمل الجماعي في تلك الدول مطلقاً ،إلا في ما تسمح به أجهزة المخابرات في مدح وتمجيد الحكام أنصاف الآلهة بالطبع ..

فحينما ينتهي الكذب والرياء والنفاق ،ونواجه مشاكلنا ابتداء من الرياضة وانتهاء بالسياسة ،حينها سيبدأ عصر التقدم ومن ثم الانتصار ، وحينما نتوقف عن تجميل الهزائم بجمل من نوع ( خروج مشرف ،وخسارة بطعم الفوز ،والنكسة والمندسين والخونة واللاوطنيين ) حينها سنبدأ باكتاشف طريقنا نحو المصالحة مع العالم ومع الحياة الطبيعية ..فالأمم لا تبنى على أفراد من القادة الملهمين الأشاوس وحتى محمد صلاح المسكين …الأمم تبنى بالشعوب والمشاركة فقط.

هل أخصيت الأمم العربية ، لدرجة أننا لانجد  مذيعاً أومعلقاً أو مشاهداً يقف ويبصق في وجه اللاعبين أو المدربين ، الذين فشلوا في أداء مهامهم ،يبصق في وجه الاعلام الفاجر الذي يبحث على الدوام عن مبررات لتنفيس غضب المشاهدين ،بعد أن قام بشحنهم طوال شهور طوال بالأناشيد الوطنية والأعلام الزاهية و أغاني الاحتشاد والدعم ،وفي النهاية تقوم بقية الأمم بمسح الأرض بممثلينا في اللعبة العالمية ..

هل عجزت أرحام النساء العربيات عن اطلاق صرخة رفض واستنكار للفشل الذي وصلنا إليه ،سياسياً وعسكرياً واجتماعياً ،حتى بات الرفض والاستنكار الرياضي ممنوعاً ومحظوراً .

مقرفة فعلاً مشاهدة الأمم العربية وهي تهان بشكل مذل ،في رمزية بات يفهمها الأطفال قبل الكبار ، فالجميع يعلم معنى مباراة تجمع ايران واحدى الدول العربية والجميع يتمنى لايران الهزيمة ولكن العكس يحصل ،والجميع يعلم معنى مباراة تجمع السعودية و روسيا والجميع يتمنى هزيمة روسيا ،ولكن العكس يحصل .

إن الفشل العربي ،يجعل تلك التجمعات البشرية المحشورة في منطقة الشرق الأوسط والمسماة أمماً عربية ،يجعلها قطعان خرفان مخصية ،تساق نحو الحاكم ليضع توقيعه على بيجامات اللاعبين المهزومين وكأنه يقوم بتوقيع لوحة فنية أنجزها بنفسه وبكل تؤدة و دقة ،ونفذها هؤلاء اللاعبون ،وشاهدتها أمة كاملة مخصية ،باتت تعيد انتاج أفكار تبرير الفشل الصادرة من غرف الاستخبارات السوداء ،من نوع (ممنوع على العرب الفرح ،والجميع يتحالف ضدنا ،أو نحن قوم غير محظوظون ) وكلها عبارات جوفاء لا تؤدي إلا إلى طريق واحد لا رجعة فيه ، هو طريق الهاوية .

ويبقى الشيء الوحيد المؤسف هو قدرة تلك الأنظمة العربية على تحويل كل ما قد يفرح شعوبها المسكينة إلى حفلات تعذيب ملونة ولماعة و عصرية ،تساهم في زيادة قوقعتها و احباطها ورضوخها لنظرية المؤامرة التي تفترض أن الجميع متآمر علينا ،حتى في كرة القدم الغبية ،التي تجعل خونة من المنتخبات العربية نفسها تحرز أهدافاً ضد فرقهم ..نعم حفلة التعذيب مستمرة حتى اشعار آخر .

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *