أخبار

كيف تَقتُل صحفياً ؟

قد يبدو السؤال غريباً للوهلة الأولى فلماذا تقتل صحفياً وما الداعي لقتله، هذا السؤال يقفز لمخيلتي في كل مرة تتحدث فيها مؤسسة ما عما يسمى حماية الصحفيين أو الأمان الصحفي .

تتعامل المؤسسات الدولية والهيئات الرقابية مع مايسمى توفير الأمان للصحفيين من خلال إجراءات السلامة وبالتالي تتعامل مع مسألة أمان الصحفي من منطلق حرية الصحافة والتعبير وعن مسؤولية المؤسسة الصحفية عن توفير الحماية لصحفييها .

فيما وثق المركز السوري للحريات الصحفية في رابطة الصحفيين السوريين بأنه ومنذ آذار /مارس 2011 وحتى تشرين

أول /اكتوبر 2019قُتل 454 إعلامياً في سوريا، دون أن تتم محاكمة أو محاسبة قاتليهم .

بتاريخ  22 شباط/فبراير 2012 قُتلت الصحفية الأمريكية ماري كولفن مراسلة الشؤون الخارجية في الصحيفة البريطانية صنداي تايمز منذ 1985 حتى وفاتها خِلال تغطيتها لحصار حمص إلى جانب المصور الصحفي ريمي أوتشليك كولفن والتي سقطت نتيجة استهدافها من قبل نظام الأسد اثناء تغطيتها للهجوم الذي شنه جيش نظام الأسد على حي بابا عمر في مدينة حمص والذي كان أحد معاقل الجيش الحر آنذاك .

شاهد بالفيديو : من قتل الصحفية ماري كولفن … الجزيرة AJ

وفي الخامس والعشرين من شهر يونيو/ حزيران 2016 بثّ تنظيم “داعش” عبر معرفاته الإعلامية ووكالة أعماق الناطقة باسمه إصدار بعنوان “وحي الشيطان”، يُظهر فيه إعدام كلاً من ( سامر عبود، مصطفى حاسة، سامي الرباح، محمود الحاج خضر، محمد العيسى) خمسة إعلاميين في أبناء  دير الزور، كانوا يعملون على تغطية ما يجري من أحداث  في مناطق سيطرة التنظيم . الفيديو الذي مدته 15:39 دقيقة، يظهر فيه 5 من النشطاء الإعلاميين في ديرالزور وهم يقتلون ب   5 طرق مختلفة  حيث تم تنفيذ حكم الإعدام بحق الإعلاميين الخمسة، بطرق مختلفة ومروّعة حيث أقدم التنظيم على ابتكار عمليات قتل تتناسب مع عمل هؤلاء الإعلاميين والذين كانوا من نشطاء العمل الاعلامي الثوري في المدينة، إصدار مروع يظهر وحشية التنظيم في التعامل مع من ينقل الأحداث من أرض الواقع .

شاهد بالفيديو : تنظيم داعش الإرهابي يعدم خمسة صحفيين من أبناء الدير الزور … الأورينت 

https://www.youtube.com/watch?v=3pjVDmtNP4A

 

لم تكن الفصائل الأخرى الداعمة لنظام الأسد أو التي تقاتل النظام أفضل حالاً في تعاملها مع الصحفيين والإعلاميين فقد اعتقلت جبهة النصرة إعلاميين من جنسيات مختلفة إسبان ويابانيين وإعلاميين محليين لمجرد أنهم اظهروا توجهاً مخالفاً لما تقدمه الجبهة لجمهورها المستهدف. وكان اغتيال رائد الفارس وزميله حمود جنيد مثالاً على ذلك .

لم يكن الإعلامي أو الصحفي كجسد فقط هدفاً لنظام الأسد الذي غيب العشرات منهم في معتقلاته حيث كانت تهمة العمل الإعلامي توازي إن لم تكن أشد من حمل السلاح في وجه النظام ، بل كانت المراكز الإعلامية هدفاً لطيران نظام الأسد وصواريخه ، حيث استهدف النظام المراكز الإعلامية في جميع المناطق التي طالتها طائراته كان آخرها تدمير مقر راديو فريش في مدينة كفرنبل بريف إدلب .

شاهد بالفيديو : تفاصيل عملية إغتيال رائد الفارس … الأورينت 

أن يكون العمل الإعلامي أشبه بالسير في حقل ألغام تلك سمة يتفرد فيها نظام الأسد فبالرغم من السجل الحافل للدول العربية في مايتعلق بالتضييق على الصحفيين وانعدام حرية الصحافة والكلمة إلا أن نظام الاسد يتفرد في كونه عامل الاعلامي كمجرم يستحق القتل ، كذلك عاملته القوى المسيطرة على الأرض فالعمل الإعلامي خارج نطاق بيعة تنظيم داعش والخضوع لشروطه هو اشبه بعملية انتحارية قد لاينجو مرتكبها بفعلته حيث قام التنظيم بقتل عدد من الاعلاميين لاسباب مختلفة تبدأ بمخالفة قواعد العمل لتنتهي بمنشور على الفيس بوك.

إرسال خبر من مناطق سيطرة التنظيم كانت عملية معقدة ومتسلسلة تبدأ بكتابة الخبر بأقصر صيغة ممكنة على جهاز الموبايل وتجهيزه للارسال على أحد البرامج وتحديد الشخص المرسل اليه ومن ثم كتابة رسالة عادية على موبايل آخر حيث يضطر المرسل للتمويه اثناء ذهابه لصالة الإنترنت حيث حدد التنظيم عدد من الصالات في كل منطقة لتكون تحت سيطرته وفصل صالات الرجال عن صالات النساء ولإرسال الخبر يتم الاتصال بالانترنت عبر جهازي الموبايل والايهام بأن المحادثة هي عبارة عن محاظثة عائلية فيما يتم إرسال الخبر سريعاً من الجهاز الآخر ومن ثم مسح الرسالة وإطفاء الجهاز أحد اشكال المخاطر التي كانت تواجه الإعلامي في مناطق التنظيم حيث مقابل

الخبر قد تكون حياة مرسله نعم للجواب على سؤال كيف تقتل صحفياً ؟

فقط أرسله إلى سوريا بالمقابل يلهث النظام من أجل تلميع صورته لتقديم جميع التسهيلات للصحفيين للوصول إلى مناطق سيطرة النظام والعمل تحت انظاره ، حيث يستطيع اي صحفي مهما كان مغموراً ومهما كانت مؤسسته الصحفية من دخول قصر المهاجرين حيث يقيم رأس النظام السوري بشار الأسد وإجراء لقاء معه ورغم الإغراءات التي يقدمها مقربون من النظام فإن عدداً محدوداً هو من أجرى حديثاً صحفياً مع بشار الأسد فيما تراجع معدل ظهوره بشكل كبير مع تقدم سنوات الثورة السورية.

ولعل آخر صفعة تلقاها نظام الأسد تمثلت بامتناع قناة راي نيوز 24 الايطالية عن بث مقابلة أجرتها صحفية إيطالية معه حيث أثيرجدل واسع في الاوساط الاعلامية في  إيطاليا حول مقابلة أجرتها قناة راي” الرسمية مع رئيس النظام السوري بشار الأسد ثم امتنعت عن بثها، حيث أجرت الصحفية السابقة مونيكا ماجوني وهي مديرة قناة “راي كوم ” مقابلة مع بشار الأسد وهذه القناة تعنى بإعادة بث برامج قناة راي الإيطالية إلى العالم.

شاهد بالفيديو :  نظام الأسد يهدد قناة إيطالية … ما السبب؟

لكن القناة أعلنت تاجيل البث إلى أجل غير مسمى ومن ثم امتنعت عن بثه ، مما أثار حفيظة النظام السوري والذي أعلن أنها ستُبثّ مساء يوم الاثنين (التاسع من كانون الأول/ ديسمبر 2019) على وسائل إعلامه المحلية ، لكن صفعة أخرى وجهت للطاقم الإعلامي في نظام الاسد عندما تم حظر مواقع رئاسة الجمهورية على التويتر والفيس بوك اثناء بث المقابلة وبالتالي بالرغم من التسهيلات التي يقدمها نظام الاسد إلا ان خطابه الإعلامي بات معروفاً للعالم .

بين تسهيلات يقدمها النظام لأي وسيلة إعلامية واستهداف طائراته لأي وسيلة أخرى تفضح جرائمه نجد الجواب على سؤالنا كيف تقتل صحفياً ؟

فمبجرد أن تنقل الحقيقة وأن تكون على الأرض السورية فأنت صحفي قتيل حتى يثبت العكس.

 

فراس علاوي – صحفي وإعلامي سوري

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *