أخبار

رفعت الاسد نائب رئيس سوريا و لكن في أوروبا..

عندما خرج والدي العميد رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع من سوريا، في عام ١٩٨٤، و كانت تلك هي رتبته العسكرية الأعلى، كان من ضمن شروط “الصفقة” التي عقدها مع أخيه الرئيس حافظ الأسد، بحسب ما سمعته من والدي، أن يتم تعيينه في منصب “نائب رئيس الجمهورية” بعد خروجه بفترة قصيرة، و لم يكن من المفترض أن يكون هناك نواب آخرين للرئيس.

و ما حدث بين الأخوين من خلاف عميق في ذلك الوقت هي حكاية كبرى سوف أجد لها مكانا بكل تأكيد في مستقبل ذكرياتي، و لكن ما يعتقده الناس بأن الخلاف بينهما قد حدث في عام ١٩٨٤ هو أمر خاطئ، فالخلاف له جذور أعمق من ذلك، و قد كان عام ١٩٨٠، مع إنطلاقة دورات المظليين و “المظليات” في سرايا الدفاع، هو العام الذي أخذ الخلاف فيه شكله الحقيقي و بدأ الطرفان يتعاملان معه بشكل صريح و واضح. و كل ما يقال عن خلفيات سياسية أو فكرية لذلك الخلاف هو محض هراء و لا علاقة له بالواقع على الإطلاق. و الاعتقاد السائد أيضا بأن خروجه كان مخططا لتخفيف الضغط عن النظام بعد أحداث الثمانينات و تحميل رفعت الأسد وحده مسؤولية ما حدث هو أيضا اعتقاد خاطئ و لا علاقة له بالواقع، و لكن هذا لا يعني طبعا أن النظام لم يستغل خروج رفعت الأسد من سوريا ليستثمره بأكثر من طريقة على مستوى الداخل السوري.

خرج رفعت الأسد وقتها من دمشق إلى موسكو، و منها إلى أوروبا، و لا أعرف ان كان قد ذهب إلى باريس أولًا أم إلى جنيف، و لكنه كان في جنيف عندما عدت أنا من الولايات المتحدة بناء على طلبه -و أوامره- تاركا ورائي أحلامي بدراسة الهندسة هناك.

صدر المرسوم الرئاسي بعد وصولي إلى جنيف، و بحسب ما فهمته فقد كانت تجري مفاوضات قبل ذلك للاتفاق على الصيغة النهائية له. و أذكر غضب والدي الشديد عندما صدر المرسوم رسميا في دمشق و تضمن تعيين ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية و ليس واحد فقط، و زاد من غضبه وجود اسمه في الترتيب الثاني بعد اسم عبد الحليم خدام، الذي كان يحتقره كثيرا، و كان الاسم الثالث هو السيد زهير مشارقة.

طبعا لم يكن سبب غضبه من ترتيب الأسماء بتلك الطريقة هو كرهه لشخص عبد الحليم خدام و لكنه كان يعتبر بأن مجرد وجود اسمه مع هؤلاء فيه انتقاص له فكيف إذا جاء الاسم في المرتبة الثانية.

و أضع بين قوسين هنا تلك النكتة التي خرج بها آنذاك بعض السوريين، تعقيبا على ترتيب الأسماء بذلك الشكل و سخريةً من عبد الحليم خدام و زهير مشارقة، حيث راحوا يقولون: خدّام الأسد.. مشارقة!

كان غضب والدي شديدا إلى درجة كبيرة، و قد وصل به غضبه إلى أن يطلب مني أن أتحدث مع أحد الأشخاص في دمشق و أمرر بعض الكلمات القاسية، أو ربما المجحفة، بخصوص المرسوم من خلال المكالمة الهاتفية. رفضت أن أفعل ذلك لسببين، و قلت له بأنه لا يجوز أخلاقيا أن أقول تلك الكلمات و لا يجوز أيضا أن أورط الشخص الذي يكلمني بسماعه لتلك الكلمات و أنا أعلم بأنه رافض لها!! و لكن والدي كان في تلك اللحظة مخلصا لنفسه، و وفيا لتاريخه الشخصي معي، و مارس هوايته المفضلة في إرغامي على فعل ما لا أريد و لا أطيق، و أجريت الاتصال، و قلت تلك الكلمات، و أنا أعرف بأن صوتي سوف يسمعه الرئيس حافظ الأسد، و قد كان ذلك مؤلما على المستوى الشخصي لأن الرئيس حافظ كان يمثل بالنسبة لي شيئا عظيما و أنا الذي قضيت كل عمري -حتى تلك اللحظة- و أنا أهتف باسمه و أرفع صوره في كل مكان، كان أمرا مؤلما أن أقول تلك الكلمات وقتها بحق من عشت كل سنين طفولتي و أول شبابي و أنا أسمع جميع السوريين الذين عرفتهم في حياتي يمجدونه و يعظمونه و يهتفون باسمه في الليل و في النهار.

أنا كنت أعرف الكثير عن شخصية والدي و لكن عملي معه في أوروبا أتاح لي معرفة جوانب جديدة من تلك الشخصية. كان والدي يتبع سياسة خاصة في التعامل مع من كانوا معه في أوروبا، و كنت أسمي تلك السياسة في سرّي بسياسة “قاطع الطريق”، لأنه كان يحاول دائما أن يقطع طريق دمشق على من كانوا حوله. و لم أفهم لماذا أجبرني على تلك المكالمة في جنيف إلا لاحقا عندما طلبت منه أن يسمح لي بزيارة أمي في دمشق فقال لي: لا تستطيع أن تذهب.. سوف يعتقلونك هناك!!

كان مقياس الثقة بالنسبة له هو درجة ارتباط الشخص بسوريا و علاقاته فيها، فمن يتردد على سوريا هو الأخطر، و من ثم يأتي بدرجة متوسطة من لديه أقارب هناك و هو على تواصل هاتفي معهم، و من ثم الأقل خطرا و هو الذي انقطعت جميع روابطه بسوريا، و ما بين هؤلاء الثلاثة من حالات متباينة كل بحسب ظروفه الشخصية، و كان من السهل جدا على من يعرف طريقة تفكير والدي أن يقنعه بأنه ألد أعداء النظام حتى و ان كان ذلك الشخص هو ضابط عامل في أجهزة المخابرات. و كان من المنطقي جدا التقدير بأن العديد ممن يعملون لديه في أوروبا هم على تواصل مع أجهزة المخابرات السورية، و كانت من بين هواياتي في تلك الأيام أن أراقب تصرفات الأشخاص و أحاول أن أخمن من منهم قد اختارته أجهزة الأمن السورية ليكون أحد عيونها، و كانت طبعا تلك هي المهمة المستحيلة بعينها لأن الجميع كان محبا و مواليا لحافظ الأسد، و كانوا جميعا يعتقدون بأن “القائد” رفعت هو أحب الناس إلى قلب أخيه و بأنه لا شك عائد إلى سوريا بعد أن تنتهي هذه “التمثيلية” الكبرى. و الحقيقة أن العلويين، على مستوى القاعدة الشعبية، لم يصدقوا يوما أن خلافا حقيقيا قد وجد بين الشقيقين. حتى عندما كنت أحدث أحدهم بالأمر كان ينظر إلي و يضحك قائلا: إذا صدّق الغريب.. نحن لا نصدق!!
و كان الكثيرون منهم يؤمنون بأن لدى “القائد” مهمة مقدسة في الخارج و هي استقطاب المعارضة السورية و الاقليمية لنظام الحكم، و من ثم اختراق تلك المعارضة و تقديمها هدية للسيد الرئيس..

طبعا علويو السلطة، و خصوصا في أجهزة الأمن، كانوا كلهم يعرفون الحقيقة التي خبروها و عاشوها بأنفسهم و كانوا هم من يشيعون تلك المقولات الخادعة بين الناس لأسباب كثيرة سوف أعود إليها في ذكريات قادمة.

و سياسة “قاطع الطريق” تلك كانت تستلزم من والدي أن يستغل أية فرصة متاحة ليحرق أوراق الشخص في دمشق و يقطع عليه خط الرجعة إليها بحسب قناعته هو، و هي القناعة التي لم تكن على اتصال بالواقع لأن النظام السوري كان دائما، كما هو اليوم، ذكي جدا في حساباته و صبور في خطواته و يتعامل مع القضايا الأمنية بمنتهى الحرص على مصلحته بعيدا عن التسرع و التهور.

و أذكر أنني قلت لوالدي بعدما رفض زيارتي لأمي في دمشق: كيف يعتقلونني و أمي هناك، و سبعة من أخوتي هناك، و لم يتم تبليغ أي أحد أصلا بأنني ممنوع من العودة إلى سوريا، فكيف يعتقلوني؟؟!!!! و كان جوابه بكل بساطة: سوف يعتقلونك فور وصولك إلى مطار دمشق… هل تعرف أخي أكثر مني؟!!

كان همه الأول و الأخير فيما يخصني أن لا أذهب إلى دمشق و أرى وضع أخوتي هناك فيحلو لي الأمر و أقرر البقاء..

هو لم يكن يستطيع أبدا أن يرى فيمن حوله سوى الغدر و الخيانة..

و “ربما” يكون رفعت الأسد هو السياسي الوحيد في التاريخ الحديث الذي يُعيّن في منصب “نائب رئيس الجمهورية” و هو موجود خارج البلاد، و قد استمر في ذلك المنصب لمدة أربعة عشر عاما قضى منها ثلاثة أعوام ربما في سوريا على فترات متباعدة. و أقول ربما لأنني لم أعد أذكر الفترات الزمنية التي قضاها في سوريا بعد ذلك و لم تكن تهمني بشيء، و ما أذكره أنه عاد مرة واحدة في منتصف الثمانينات ليكون من بين مستقبلي الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتيران في دمشق، و كان الرئيس الفرنسي قد طلب منه أن يكون في سوريا خلال زيارته لها، وبقي والدي حينها في سوريا فترة قصيرة من الزمن، و من ثم عودته بعد ذلك عند وفاة جدتي في بداية التسعينات حيث قضى الفترة الأطول وقتها في سوريا، و استمر تواجده بعد ذلك بشكل متقطع في سوريا حتى العام ١٩٩٨، و هو العام الذي تمت إقالته فيه من منصب نائب رئيس الجمهورية. و كان ذلك العام أيضا هو العام الأخير الذي أرى فيه والدي أو أسمع صوته حتى، و هذا أيضا مما سوف أفصله لاحقا في ذكريات مخصصة لذلك.

و من الحقيقة أن نقول أن رفعت الأسد لم يستطع أبدا أن يمارس مهامه في سوريا كنائب لرئيس الجمهورية لشؤون الأمن، فبرغم جميع محاولاته كان حافظ الأسد يُفهمه بشكل أو بآخر أن دوره قد انتهى في سوريا. و قد دعا رفعت الأسد يوما، و بصفته نائبا للرئيس لشؤون الأمن، دعى مجموعة كبيرة من المسؤولين الأمنيين و من بينهم وزير الداخلية لاجتماع معه، فكان أن رفض هؤلاء القدوم متذرعين بأنه لا يوجد أوامر بذلك من القصر. من البديهي طبعا أنهم جميعا قاموا بالاتصال بالقصر الجمهوري، أو بمن يمثل القصر بالنسبة لهم، ليأخذوا أوامرهم بالذهاب إلى الاجتماع أم لا. كانت الدعوة في حد ذاتها غير مقبولة بالنسبة للرئيس حافظ الأسد لأنه كان يعتبر أن النشاط الوحيد المسموح به لأي نائب رئيس هو فقط ذلك النشاط الذي يكلفه به الرئيس، و هذا هو ما قاله لي والدي، مضيفاً: عمّك يريدني “إجر كرسي” أجلس و أنتظر لكي يتكرم عليّ بشيء لأقوم به.

و لكن منصب “نائب رئيس الجمهورية” كان له فوائد كثيرة بالنسبة لوالدي على مستوى العلاقات الشخصية التي كان يحاول بناءها في أوروبا، و كان له أيضا فوائد على مستوى الحفاظ على العلاقات الشخصية التي كانت موجودة من قبل. فالرئيس حافظ الأسد، و برغم كل ما حدث، لم يحاول محاصرة شقيقه على مستوى علاقاته الشخصية، و قد انحصر همه الأساسي في إزالة كل نفوذ له في مؤسسات الدولة، و على الأخص في المؤسسة العسكرية. و هو أيضا لم يعمل أبدا على إزالة المظاهر التي جعلت الكثيرين في حيرة من أمرهم حتى يومنا هذا، فما زال هناك الملايين من السوريين حتى اليوم ممن لا يصدقون بأن خلافا حقيقيا قد حدث بين حافظ و رفعت الأسد. فقد بقي كل شيء يخص رفعت الأسد شخصيا في سوريا على حاله، البيوت و السيارات و الممتلكات، و بقي المئات من عناصر الحماية و المرافقات، و حتى أولاد رفعت الأسد الذين بقوا في سوريا لم يشعروا مطلقا بأي تغيير و كان لهم كامل الحماية و الدعم، و لو أنهم كبروا في ظل وجود والدهم في السلطة الفعلية لما كانت أمورهم أفضل مما كانت عليه في غيابه. لقد حرص الرئيس على إبقاءهم تحت جناح السلطة الفعلية من دون أن يكونوا مؤثرين فيها طبعا، و كانت علاقتهم بأبناء عمهم جيدة و ظاهرة للجميع و هو ما عزز لدى الكثيرين فكرة أن الخلاف كان مصطنعا و ليس حقيقيا.

مثلا..
كان طاهر العبد، و هو من كبار ضباط سرايا الدفاع، و بحكم أنه كان يمارس صلاحيات مدير المكتب العسكري لرفعت الأسد، كان يملك القدرة مثلا على إعطاء رخصة حمل سلاح لأشخاص عاديين و مدنيين. و هذا مثال صغير على ما كان يراه الناس من سلطة يمارسها ضابط “واحد” لدى رفعت الأسد في غيابه..

و مما أشرت إليه في ذكريات سابقة كان يوجد أربعة من عائلة رفعت الأسد ضمن لوائح الموظفين التابعين للبعثة السورية لدى الأمم المتحدة في جنيف. كنت أنا أحمل إقامة موظف محلي عادي، و كانت زوجة والدي الثالثة، السيدة رجاء عبد الوهاب بركات، تحمل أيضا إقامة موظف محلي و لكن برتبة أعلى لم أعد أذكرها، و على مستوى آخر كان دريد رفعت الأسد، و الذي لا أذكر أنه زار جنيف إلا مرتين، و لمدة أيام، خلال تلك السنوات، كانت إحداها زيارته إلى جنيف في عام ١٩٨٤ مباشرة قبيل خروج والده من سوريا، كان دريد يحمل إقامة دبلوماسية في سويسرا و هي الإقامة التي تعطي لصاحبها حصانة كاملة على الأراضي السويسرية. و لكن أغرب تلك الإقامات على الإطلاق كانت إقامة زوجة والدي الرابعة، السيدة لين حسن الخيّر، و التي ليس فقط كانت تحمل إقامة دبلوماسية و إنما كانت تحمل أيضا صفة السكرتير الأول للبعثة الدبلوماسية السورية، و هو المنصب الذي يأتي في الدرجة الثالثة من حيث الأهمية بعد منصب رئيس البعثة و القائم بالأعمال، و هذا هو ما أعلمني به السيد عبد الوهاب بركات، والد السيدة رجاء بركات، و الذي كان مقيما في جنيف و كان هو أيضا موظفا “دبلوماسيا” هو و زوجته لدى البعثة السورية.

كل هذه الأمور، و الأمثلة كثيرة و لا أريد الخوض فيها اليوم، بالإضافة طبعا إلى منصب نائب رئيس الجمهورية، جعلت من الكثيرين لا يصدقون بأن هناك خلاف حقيقي بين الأخوين، و أنا أجزم بأن الرئيس حافظ الأسد لم يكن يريد أن يتغير شيئا في حياة أخيه الشخصية، و لم يكن يبحث أبدا عن إزعاجه أو مضايقته بأي شكل من الأشكال على مستوى علاقاته مع الآخرين، و كان كل ما يهمه هو أن يفقد رفعت الأسد قدرته العملية على التأثير في إطار السلطة الفعلية. و أكاد أجزم أيضا بأن الرئيس حافظ الأسد لم يكن يرى مصلحة له في إيصال صورة الخلاف الحقيقي إلى جمهور الفقراء و البسطاء في الساحل السوري و تحديدا في محافظة اللاذقية، و أجزم بأن والدي لم يكن يريد ذلك أيضا و لكن لأهداف مختلفة تماما.

كانت هذه المقدمة ضرورية لفهم وضعية رفعت الأسد خلال سنوات تواجده شبه المتواصل في أوروبا بين عامي ١٩٨٤ و ١٩٩٢، و هي الأعوام التي بنى فيها شبكة علاقات أوروبية إضافة إلى الاستثمارات العقارية و غيرها التي انتشرت في عدة بلدان أوروبية كفرنسا و إسبانيا و بريطانيا و سويسرا و اللوكسمبورغ و جبل طارق و ليشتنشتاين و موناكو..

كما أشرت في ذكريات سابقة، كانت الدول الأوروبية تتعامل مع والدي كنائب للرئيس السوري، و كانت هذه الصفة موجودة على جواز سفره الدبلوماسي، و كان جميع أفراد العائلة وقتها يحملون جوازات سفر دبلوماسية.

كان والدي يحرص في إطار بناء علاقاته الأوروبية على عدم إظهار عمق الخلاف مع شقيقه حافظ، و كان يحرص على ذلك في إطار علاقاته القديمة أيضا و خصوصا في العالم العربي.

و من الأمثلة على الحيرة التي وقع بها الكثيرون أن يرسل الرئيس اللبناني الأسبق سليمان فرنجية حفيده الذي يحمل نفس اسمه، الوزير السابق سليمان فرنجية، أن يرسله لزيارة والدي في فرنسا ليطلب منه، أي سليمان الصغير، النصح و المشورة . كان سليمان الصغير صديقا مقربا من ابن عمي باسل الأسد، و كان سليمان الجد هو من أخلص المخلصين للرئيس حافظ الأسد، و لكن الخلاف لم يصلهم حقيقةً، فلا الرئيس حافظ أعلمهم بحقيقة الخلاف، و لا والدي أعلمهم بذلك.

و الحقيقة أن كل من هو خارج إطار السلطة السورية “الفعلية” لم يكن يستطيع تحديد المدى الحقيقي لذلك الخلاف لأن السلطة نفسها كانت تحرص على إبقاءه في حدوده المفيدة لها. و كان والدي طبعا يستطيع أن يظهر الخلاف على حقيقته و لكن حسابات شخصية كانت تمنعه من فعل ذلك، و هذه الحسابات سوف نأتي على ذكرها في قادم الأيام لأنها تحتاج إلى مساحة خاصة جدا.

و كانت من بين علاقاته العربية القديمة أيضا تلك العلاقة التي جمعته بالرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل و التي لم أكن أعرف عنها شيئا حتى أتى ذلك اليوم الذي حملت فيه جواز سفر لبناني و أصبحت مضطرا إلى الإجابة عن سؤال: هل أنت مواطن لبناني؟

كان لدى والدي مجموعة من الاستثمارات العقارية في لندن، فندقين، أحدهما تجاوز عدد غرفه المائتين و الخمسين، و الآخر تجاوز عدد غرفه الخمسمائة، و بناء برجي فخم كان له فيه خمسين شقة في إطار شقق فندقية، و قصر ضخم في شمال المدينة كان يقال بأنه الأكبر في لندن بعد القصور الملكية، و أبنية صغيرة متفرقة، و بضعة أراض فارغة في أحياء سكنية مهمة.

كان لدى والدي صديقين دمشقيين يسكنان في لندن وقتها، و لا أعرف ان كانا قد خرجا من سوريا قبله أم أنه هو من طلب منهما الذهاب إلى هناك. كان وليد جلنبو و فاروق حبّي قد أديا الخدمة العسكرية الإلزامية في سرايا الدفاع، و هما طبعا لم يعرفا من الخدمة العسكرية إلا ما عرفته أنا من خدمتي العسكرية على سطح القمر. كنت صغيرا وقتها، و كنت أسمع بأسمائهم من الضباط و المرافقين، و كنت أسمع أن العلاقة وطيدة على المستوى العائلي بين والدي و زوجتيه السيدة رجاء و السيدة لين من جهة، و بين فاروق و وليد و زوجتيهما من جهة أخرى. و كنت أسمع وقتها أيضا باسم شخص آخر اسمه حسن نظام، و كان صديقا لفاروق و وليد، و لكنني لم أرى هذا الشخص أبدا في أوروبا و لم أسمع به هناك.

طبعا هناك الكثير من الأمور التي تتعلق بوليد و فاروق، فقد كان حضورهما معنا في أوروبا حضورا طاغيا في جميع المجالات المالية و التجارية، و كانت العلاقة “العائلية” مع والدي ما تزال في أوجها و التي أظنها مستمرة حتى يومنا هذا، و كانت لي حكايات كثيرة معهما في إطار العمل و خارجه، و لكن هذا حديث آخر يستلزم الكثير من الصفحات الصفراء و البيضاء و الحمراء و الخضراء و ليس مكانه هنا..

و حيث أنني لم أكن مقيما في لندن فقد كنت دائما بحاجة لتأشيرة دخول إلى بريطانيا، و كنت أحصل عليها من القنصلية البريطانية في جنيف مستخدما جواز سفري السوري. و كانت التأشيرة على أساس السياحة و ليس على أساس العمل ، و بالتالي فقد كانت المدة المسموح البقاء خلالها هناك لا تتجاوز الشهر الواحد في كل مرة، و قد أكون أخذتها مرة لثلاثة أشهر و لكني لم أعد أذكر.

في عام ١٩٨٦ تغير كل شيء، و أصبحت القنصلية البريطانية ترفض إعطائي تأشيرة للدخول..

كانت الحكومة البريطانية وقتها قد اتهمت النظام السوري، و تحديدا المخابرات الجوية بقيادة محمد الخولي، بمحاولة تفجير طائرة مدنية إسرائيلية انطلاقا من مطار هيثرو في لندن. و تم القبض وقتها على شخص من أصول فلسطينية على ما أذكر، و كان اسم عائلته الهنداوي، بالإضافة إلى زوجته -أو صاحبته- الإيرلندية التي كان من المفترض أن تصعد إلى الطائرة و في حقيبة سفرها قنبلة. هذه السيدة ادعت وقتها بأنها لم تكن تعلم بوجود القنبلة المخبأة بشكل جيد في حقيبتها و تم الافتراض بأن الهنداوي قد وضعها من دون علمها خصوصا أنه لم يكن مسافرا معها.

و مرة جديدة، جاءت مسألة رفض السلطات البريطانية إعطائي تأشيرة دخول لتأكد على مسألة الربط التي تقوم به الدول الأوروبية بين النظام و رفعت الأسد.

و أنا أعتقد شخصيا بأن الحكومات الأوروبية كانت تضع من بين الاحتمالات أن يكون هناك خلاف حقيقي و عميق بين الأخوين و لكنها كانت تتعامل مع الواقع و هو أن رفعت الأسد موجود على أراضيها بصفته نائبا لرئيس الجمهورية العربية السورية و ليس له صفة أخرى لتتعامل بها معه على أساسها. و كان يدخل في حسابات تلك الدول أيضا عدم وجود وريث واضح للسلطة في سوريا و بالتالي فقد كانوا يتعاملون دائما مع رفعت الأسد على أنه الوريث المحتمل حتى إشعار آخر. و كمثال على الأمور التي كانت تربك التقدير الأوروبي، و تربك أي مراقب قريب كان أم بعيد، كانت زيارات باسل الأسد لعمه في أوروبا. لقد كانت دائما مشكلة أي شخص ينظر من الخارج أنه لا يفهم طبيعة العلاقة التي ربطت حافظ الأسد بشقيقه رفعت، فبينما كانت حسابات الجميع مربكة بعض الشيء كانت حسابات حافظ الأسد مترابطة و محسوبة بمنتهى الدقة، فهو كان يمشي تماما على الطريق الذي رسمه لنفسه بينما كان الآخرون يلحقون به فيستغربون تارة، و يتعجبون تارة، و يحتارون تارة أخرى..

استشاط والدي غيظا عندما عرف بأمر القنصلية البريطانية و رفضها لإعطائي تأشيرة دخول، خصوصا أنهم كانوا يرفضون إعطاء تبرير لهذا القرار، و قال بأنه سوف يبحث عن حلول لهذا الأمر.

طبعا كان وقتها أكثر السعداء بهذه التعقيدات هم وليد جلنبو، و هو الذي أصبح لاحقا من كبار الأثرياء و عاد إلى سوريا ليباشر استثمارات متعددة هناك، و صديقه فاروق حبي الذي أصبح أيضا من أصحاب الملايين، و لكن على مستوى أصغر بكثير من جلنبو، و هو أيضا عاد إلى سوريا ليستثمر أمواله في المجال العقاري و كان عنده شركة لتأجير السيارات. و قد كان وليد جلنبو من أكثر الشخصيات التي عرفتها في حياتي خبثا و دهاء و وضاعة و قلة أمانة، و كان جريئا جدا و وقحا في استغلاله لعلاقته بوالدي في سبيل غاياته الخاصة، و كان والدي يحب هذا النوع من الشخصيات الكركوزية المسلية و المضحكة و المنبطحة بأكثر من طريقة.. و كان متسامحا جدا مع هذا النوع من الشخصيات حتى في الحالات التي يثبت فيها تلاعبها أو خيانتها للأمانة..

كان أمين الجميل هو رئيس الجمهورية اللبنانية في تلك الفترة، و لم أكن أعرف بالضبط من هو صلة الوصل بينه و بين والدي. و لكني كنت أعتقد وقتها أنه أحد شخصين، إما جوزيف أبو ديوان أو الشيخ مارسيل خوري الذي أتيت على ذكره في ذكرياتي السابقة.

اتصل بي والدي يوما ليخبرني بأن في حوزته جواز سفر لبناني باسم فراس الأسد و قد صدر بأمر الرئيس الجميل و أنه سوف يرسله لي قريبا، ثم اتصل مرة أخرى بعد بضعة أيام ليقول بأن هناك خطأ صغير في المعلومات الواردة في الجواز و بأنه طلب إصدار جواز سفر جديد مع تصحيح الخطأ. و بعد فترة وصلني من والدي فعلا جواز سفر لبناني نظامي مائة بالمائة و باسمي الشخصي و عليه جميع معلوماتي الخاصة كتاريخ الميلاد و غيره، و لم يكن ينقصه إلا الشيء الوحيد الذي جاء الجواز لأجله… تأشيرة دخول إلى بريطانيا.

أخبرت والدي بذلك فطلب مني أن أطلب الفيزا من القنصلية البريطانية بصفتي مواطنا لبنانيا و ليس سوريا، و كان طلبه هذا غير منطقي لأنهم يعرفونني شخصيا في القنصلية البريطانية و سيكون أمرا مستغربا جدا أن أعود إليهم بعد أسابيع من رفضهم لإعطائي الفيزا على الجواز السوري لأقول لهم أنا الآن لبناني و ها هو جواز سفري الذي صدر منذ أيام فقط، و لكن والدي لم يكن يحب كثيرا أن يستمع لصوت المنطق إذا كان يتناقض مع رغباته أو آرائه الشخصية، و بذلك فقد أصر على ذهابي إلى القنصلية و طلب الفيزا. و هذا ما فعلته فعلا في اليوم التالي، و ذهبت إلى القنصلية و أنا يملأني الخجل، فقد كانت كذبة أنني الآن مواطن لبناني لم يكن من السهل الدخول بها على أشخاص دبلوماسيين و من ضمن عملهم هو كشف التزوير و التلاعب في الأوراق و الثبوتيات. طبعا لم يكن هناك تزوير لأن الجواز كان صادرا عن السلطات اللبنانية و بأمر من الرئيس اللبناني، و لكن التلاعب والتحايل على الرفض البريطاني كان واضحا و كنت محرجا جدا عندما سألني أحدهم في القنصلية ما إذا كان لدي أية ورقة تثبت جنسيتي اللبنانية و قال لي: جواز سفرك صدر بتاريخ لاحق لرفضنا إعطائك الفيزا على جوازك السوري، فهل لديك جواز سفر لبناني قديم لترينا إياه، هل لديك هوية، هل لديك نسخة عن أية وثيقة رسمية غير هذا الجواز تثبت فيها جنسيتك اللبنانية؟

أنا لم أكن أملك أدنى فكرة عن الوثائق التي صدر بموجبها ذلك الجواز، و لكنني أصريت على سؤالهم عن المانع من إعطاء التأشيرة طالما أن جواز السفر شرعي و نظامي و صادر رسميا عن السلطات اللبنانية، و لكن جوابهم على أسئلتي كان يتكرر مرة بعد مرة: أنت لست مواطنا لبنانيا بالنسبة لنا حتى و ان حملت جواز سفر لبناني..

إضافة إلى ذلك لم يكن من المسموح أصلا أن أطلب تأشيرة دخول من قنصلية موجودة في بلد ليس لي فيه إقامة رسمية..

نفخ والدي نفخة طويلة في سماعة الهاتف و راح يشتم “أولئك الحمير” الذين لا يفهمون القانون و لا يعملون بموجب الاتفاقات الدولية، و قال بأنه سوف يطلب جواز سفر جديد على أن يأتي و معه تأشيرة دخول بريطانية. سألته ان كان يحتاج للجواز الذي معي لتوضع عليه التأشيرة، فأجابني أن لا ضرورة لذلك و بأنهم سوف يصدرون جوازا جديدا و عليه التأشيرة. قلت له إن إصدار الجواز هو صلاحية السلطات اللبنانية و لكن التأشيرة لا بد أن تأتي من الخارجية البريطانية أو من ممثلياتها في الخارج، و تساءلت ان كان من الضروري أن أتقدم أنا شخصيا بطلب الفيزا، و هذا كان هو الإجراء الطبيعي الذي اعتدت عليه دائما في سفرياتي المختلفة، فأجابني: ما في داعي.. هني بيتصرفوا..

و قد تصرفوا فعلا، و حتى اليوم أنا لم أفهم كيف استطاعوا أن يحصلوا على الفيزا البريطانية لأن المنطق يقول أن وزارة الخارجية هي نفسها ان تمثلت بقنصليتها في جنيف أو باريس أو مدريد أو بيروت أو في أي بلد آخر..

الحقيقة أنا كنت متفاجئا جدا من سهولة استصدار الجوازات اللبنانية المتتالية ،و بحسب الطلب و كأننا نطلب بيتزا مع التوصيل من المحل المجاور. لقد صدر ثلاث جوازات سفر لبنانية في غضون فترة قصيرة، باسم فراس الأسد، و من دون أن يتم إلغاء جوازات السفر الأول و الثاني و بقيت الجوازات الثلاثة صالحة للاستخدام في نفس الوقت. حتى في سوريا كان هناك احترام أكبر للقوانين، و لو حدث هذا في سوريا لكانت طلبت إدارة الهجرة و الجوازات على الأقل إلغاء الجوازات الأولى حتى لا يكون هناك مخالفة صريحة للقانون، خصوصا و أن الجوازات الأولى غير مطلوبة أصلا و ليس لها أي استخدام..

و الحقيقة أنني لم أكن أحب هذا النوع من التعامل مع قضايا رسمية و لها أبعاد قانونية، و كنت أرفضه، و أتخوف منه، و أحاول دائما أن أتهرب من القبول به، و قد كان للعائلة حكايات و حكايات مع جوازات السفر القانونية و غير القانونية، و في بعض الحالات كانت تصل الأمور إلى ملامسة حدود الجريمة، و لكن والدي لم يكن ليرضى بأية “ممانعة” أو “مقاومة”، و كان منطقه في التعامل معي هو بكل بساطة: “كلامي هو قرآن كريم.. و من يرفضه فهو كافر”.. و كان أبسط تهديد لديه هو: (——–)……. أنا آسف.. ما زلت حتى اللحظة أخجل أن أصرح به…

كنت في بداية الأمر قد أخبرت والدي بأن الجواز اللبناني، حتى مع الفيزا البريطانية، لا يعني إمكانية الدخول إلى لندن. كنت من خلال زياراتي المتكررة قد اكتسبت بعض الخبرة و المعرفة، و كنت قد تعرضت مرة لبعض الإزعاج في مطار هيثرو، و كان رد ضابط الهجرة و الجوازات على احتجاجي عليه و سؤالي له عن فائدة الفيزا ان كنت سأتعرض لكل هذا التأخير أنه قال: “عندما تأخذ الفيزا من جنيف فأنت تتعامل مع وزارة الخارجية، و عندما تقف أمامي حيث أنت هنا فأنت تتعامل مع وزارة الداخلية”..!! فقلت له: و لكنكم دولة واحدة!! فقال: “دولة واحدة و لكن تعليماتنا قد تختلف كثيرا بين لحظة و أخرى، و اللحظة التي تأخذ فيها الفيزا غير اللحظة التي تصل فيها إلى هنا، و عندما تعطيك وزارة الخارجية تأشيرة دخول فهي لا تعطيك معها لا كفالة و لا ضمانة”..

كل هذا الكلام لم يكن يهم والدي بشيء، و كل ما يمكن أن يحصل معي من أمور سيئة لم يكن يهمه بأي شيء، فوالدي كان يحب أن يثبت له الآخرون دائما ولاءهم الأعمى، و كانت طريقته المفضلة لذلك أن يدفعك إلى ما لا تحب.. أن تفعل من أجله ما تكره..!! و كلما نجحتَ في اختبار يدفعك إلى ما هو أقسى.. و عندما أقول “الآخرون” فأنا لا أقصد الجميع… بالعكس.. كان هناك دائما في حياته من يخلطون له الأوراق..!!

و ان كان العمر يُحسب فعلا بالأيام السعيدة التي يعيشها الإنسان فإن عمري الحقيقي اليوم يكون عندها عشرون عاما فقط..

وصلت إلى مطار هيثرو قادما من جنيف و حاملا لجواز السفر اللبناني، و بعد وقوفي لأكثر من ساعة في الدور وصلت إلى أمام ضابط الهجرة و الجوازات و قدمت له جواز سفري اللبناني و عليه الفيزا البريطانية..

و سوف أختصر للقارئ ما حدث لأنه يشبه في فكرته ما جاء في حديثي أعلاه..

طلبوا مني أن أذهب لأجلس على أحد المقاعد، و بعد أكثر من ساعة جاء أحدهم ليسألني تقريبا نفس الأسئلة التي سألوني إياها في قنصليتهم في جنيف، ثم تركوني هناك لأكثر من أربع ساعات متواصلة، رفضوا خلالها أن أذهب إلى أحد الهواتف لأجري اتصالا بوالدي أعلمه فيه بما يجري، قبل أن يأتي أحدهم إلي ليقول لي:

“أنت لست لبنانيا… و نحن سوف نحجز لك العودة إلى جنيف على أول طائرة ذاهبة إلى هناك مباشرة أو عن طريق دولة أخرى”..

كان وقحاً، لئيماً، و مستفزاً… و لكنه كان محقاً..

و أنا كنت أتعامل مع دولة عظمى و كأنها جمهورية من جمهوريات الموز، فان هم رفضوا إعطائي تأشيرة دخول لأنني ابن رفعت الأسد فأنا أعود إليهم في اليوم التالي لأقول لهم: “أرأيتم..؟ ها أنا أجبركم على إعطائي التأشيرة”..!

كانوا وقحين و مستفزين.. و لكنهم كانوا رحيمين أيضا، و لو كنت وقتها شخصا عاديا لاحتجزوني على الأقل ليومين أو ثلاثة أيام، و كان يمكنهم احتجازي لفترة أطول و اتهامي بالتحايل على قرار سيادي بريطاني من خلال الإصرار على القدوم إلى بريطانيا مع علمي المسبق بأنهم يرفضون ذلك..

لاحقا على الهاتف.. لم يترك لي والدي شتيمة في قاموس الشتائم إلا و انهال علي بها..!!

“كان عليك أن ترفض العودة، أن تقاوم الترحيل بالقوة، أن تركض، أن تكسّر، أن تصرخ، أن تبصق في وجوههم، أن تجبرهم على سجنك لتكبر القضية و نجبر الحكومة اللبنانية على التدخل و وضع كل ثقلها في الموضوع”..!!

حتى أمين الجميل لم يسلم من لسان والدي يومها… “فأي رئيس هذا الذي يعطي جواز سفر و تأشيرة دخول لا قيمة لهما و لا احترام”..!!!

و هذه لم تكن نهاية عهدي بالاصطدام مع وزارة الداخلية البريطانية فقد حدث معي هناك في فترة لاحقة موقف أصعب بكثير حيث تم احتجازي و التعامل معي و كأنني مجرم..

و كان ذلك بجواز سفر آخر… و دولة أخرى… و زعيم عربي آخر..

و ذلك هو… حديث آخر!!


الكاتب : فراس الاســد


 

تابعنا على الفيسبوك : أنا إنسان

تابعنا على يوتيوب : أنا إنسان يوتيوب

مجموعتنا على الفيسبوك : أنا إنسان


اقرأ أيضا : في دير الزور .. الحر مع داعش وجيش العروبة … ضد الأهالي

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *