أخبار

الطبيب «أبو همام» صمد في الغوطة وغيبه البحر في اليونان

أمير القاسم

حطم النظام السوري الأرقام القياسية بقتله للأطباء والصحفيين، إذ كان ومايزال يعتبر العاملين في المجالات الإنسانية غير المسلحة أشد خطراً ممن يواجه ميليشياته بالسلاح، وفيما سلطت الأضواء على الأعمال المسلحة وعمليات التحرير التي تنفذها كتائب الجيش الحر، بقي أولئك الذين يعملون من خلف الكواليس بصمتٍ دون كللٍ أو ملل، فمن أكثرهم إنسانيةً الأطباء الذين ضحوا بوظائفهم ومراتبهم الرفيعة وحادوا عن طرق الفرار إلى الدول الأوروبية التي استقبلتهم بحفاوة وآثروا المضي جنباً إلى جنب مع الثائرين والعمل ضمن أقسى الظروف في البقعة الأكثر خطورة في العالم وبأقل الإمكانيات المتوفرة.

“محمود الحسن أبو همام” طبيب تخرج من كلية الطب في دمشق، واختص بالجراحة العامة. من أبناء الجولان السوري المحتل وسكّان الحجر الأسود في محافظة دمشق، ترك وظيفته وعمل في المشافي الميدانية بمدينة القنيطرة ليعالج الجرحى بعد أن كانت المحافظة تفتقر لأدنى مقومات الإسعاف وعدم وجود أي طبيب فيها، ومن ثم عمل على تأسيس مشفى مجهزة بالمعدات الطبية برفقة زملاء له وأصبحت المشفى تخدّم كافة بلدات المحافظة وتعالج جرحى المعارك الدائرة في القنيطرة على مدى سنوات، ومنها انتقل إلى محافظة إدلب في حافلات التهجير القسري التي خرجت في نهاية عام ٢٠١٨، بعد أن أحكم النظام سيطرته على المحافظة ومن ثم غادر سوريا باتجاه تركيا واستقر فيها حتى بداية شهر مايو/أيار لينتقل بعدها -مضطراً لضيق المعيشة في تركيا- رفقة عشرة من المهاجرين نحو اليونان عن طريق البحر حيث غرق.

إحدى الناجيات العشرة من قارب الموت تحكي قصة الرحلة: «قبيل مغادرة القارب (البلم) الذي سينقلنا نحو شواطئ اليونان شاهد “أبو همام” إحدى النساء دون سترة نجاة، فانتزع سترته وأعطاها إياها وعند وصولنا إلى منتصف البحر بدأ القارب بالغرق بسبب خلل في محركه، فبدأنا بالصراخ ومحاولة طلب النجدة. حاولنا كثيراً طلب النجدة بشتى الوسائل إلا أننا لم ننجح وكان الغريق الوحيد من بيننا هو الطبيب، وبحسب ما نقلته عائلته التي بقيت في تركيا تنتظر وصوله من أجل القيام بعملية لم الشمل ذكروا أن فرق النجاة وجدت جثته مؤخراً بعدما فارق الحياة على شاطئ “بوردوم” وسيتم إحضارها ليتم دفنه في تركيا تحديدا في بلدية “اسنيورت”.

وفي سياق متصل قال “الحارث الخطيب” أحد المصابين الذين أشرف الدكتور أبو همام على علاجهم لقد كنت كلّما ازداد شعوري بالألم أصرخ وأقول: «أريد ابو همام لأنه الوحيد الذي أشعر بالارتياح لعلاجه، وتزداد صرخاتي لأجده إلى جانبي ولا يفارقني حتى لو بقي واقفاً أمامي طيلة اليوم، ولم أكن الوحيد الذي تعافى وتقدم بالشكر له على تفانيه بالعمل، فهو لم يكن يُشعر المريض بتعبه وإرهاقه وكنا نجده أول من يبتسم ويعين المريض بكلماته المطمئنة واللطيفة».

فيما يقول “حاتم إدريس” أحد الممرضين العاملين في مشفى القنيطرة الميداني برفقة الدكتور أن “أبو همام” كان الطبيب الذي أشرف على علاج “د. حسن الفروح” من أبناء مدينة الحارة في ريف درعا عندما أصيب بشظية برأسه بانفجار للقنابل العنقودية التي أطلقها النظام على منازل المدنيين في المناطق المحررة سابقاً ومن ثمّ فارق الحياة، ومن قبله فقدنا “د. حسن الحريري” الذي استشهد بقصف النظام في مدينة درعا بعد أن قُتل أبناؤه السبعة وزوجته بقصف سابق لمنزله وقد كان الطبيبان من الأطباء الفاعلين الذين ساهموا في تعزيز وتجهيز المشافي الميدانية في مدينة درعا.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *