أخبار

فوزا هلال تروي فصول مقاومتها المرض الخبيث في «حرب السرطان»

حولت فوزا هلال صراعها مع سرطان الثدي إلى رواية حملت عنوان «رقصة وردة .. حرب السرطان»، ولهذا تعلمت التنضيد على الكمبيوتر وأتقنت قواعد اللغة العربية، لتحولها أداوت تشهرها في وجه الخلايا السرطانية التي تهاجمها.

تؤمن السيدة البالغة من العمر 58 عاماً؛ أن الإنسان طبيب ذاته قبل أي شخص آخر، وهو الوحيد القادر على الانتصار والهزيمة، إذ اكتشفت وجود كتل غير طبيعة عن طريق الفحص الذاتي للثدي. توجهت للطبيب وبعد الفحوصات اللازمة تبين وجود كتلة خبيثة في الثدي، وأكد الطبيب أنه لا بد من استئصال الورم. تقبلت الموضوع بكل بساطة، وتابعت العلاج الوقائي، ثم اتبعت نظاماً غذائياً خاصاً.

في مرحلة العلاج الكيميائي وصلت حالتها الجسدية إلى نقطة خطيرة، فالجرعات الكيماوية بقدر ما تعطي الأمل بالشفاء؛ بقدر ما تمنع الجسد نفسه من المقاومة، حيث تقول «كان المرض يحيلني ورقة صفراء لا روح فيها، وأكثر ما كان يؤلمني هي تلك الرحلات إلى دمشق لتلقي العلاج، ففي السويداء لا يوجد مشفى متخصص لهذا الألم اللانهائي. كان منظر الأطفال أمامي يدعوني للموت بكل لحظة، وينسيني وجعي للحظات. كنت أخفي دموعي وتعبي وأحاول أن ألهي روحي المتخبطة بأي شيء. هناك تكتشف عمق المأساة التي يعيشها مرضى السرطان، وتكتشف الحرب الحقيقية التي يخوضها السوريون من نوع آخر، وتظن لوهلة أن عشرات الآلاف يموتون يومياً من هول أعداد المراجعين لمشفى البيروني».

لكن كل ذلك الوجع أكسبها صلابة من نوع خاص، وأصرت على زراعة الأمل وبحثت «عن القوى الخفية في داخلي؛ أستحضرها لتكون عوناً في الشدائد، فزرعت الأمل بنفسي، وحاولت أن أتناسى ما حدث. في زمن الحرب التي عشناها كنت أشاهد كل ما يحدث من حولي كما السرطان الذي ينهش الناس، عددت مرضي لا شيء وبسيطاً جداً أمام ما يجري، فرحت أبحث عما يساعدني كي أنتصر على المرض، حيث ساعدتني عوامل كثيرة، ودعتني ألجأ إلى قراءة كل ما يقع تحت يدي من صحيفة أو مجلة أو كتاب، إضافة إلى ذلك تعلّمت التنضيد على الحاسوب وقواعد اللغة العربية، ولا أزال».

لقد أثارني أكثر من موضوع السرطان الشخصي؛ السرطان الذي يفتك ببلدنا “سورية”، وركزت اهتمامي على بعض ما يجري من دمار وقتل، ودوّنت بعض الوقائع التي ستكون ذكرى للتاريخ، فبالإصرار والصبر والإرادة يستطيع الإنسان أن ينتصر على الشدائد والوهم، وكما يقول الشاعر: احزم الناس عاقل.. لامس الجرح وابتسم.

هلال التي تعيش في منزل هواؤه أدب، وصاحبه امتلك ناصية الثقافة منذ نصف قرن، لم تترك شيئاً يمر بذاكرتها وأمامها إلا وسجلته. وحاولت أن تغني ذائقتها بالمطالعة المستمرة، والبحث عن مخارج وأسرار اللغة العربية لتخط ما كان يحفزها على الكتابة، وخاصة تلك المتعلقة بالمرأة، ومنها صبر الأمهات اللواتي فقدن أولادهن ومعيلهن، أو اللواتي فقدن أزواجهن وهن يتحلين بالصبر وقوة الإرادة في تدبير أمورهن بعد أن حرمتهن الحرب من بيوتهن واستقرارهن، والمهجرات اللواتي دفعن الثمن أضعافاً لوجودهن في مجتمع مختلف، وفجأة وجدن أنفسهن في حياة يومية مختلفة، وأصبحن مسؤولات عن تأمين كل مستلزمات حياتهن، ومواجهة المستغلين لنقاط ضعفهن بسب الجهل والتخلف والتسيب، والمعاناة من النفوس الضعيفة التي تاجرت بكل شيء محرم. «كل هذا دفعني لأكتب مدونة ترصد الكثير من ذكريات مؤلمة حملت عنوان: “حرب السرطان”».

تؤكد هلال أن وجود الروائي حسين ورور بحياتها، منحها الكثير، و «أكثر الأشياء التي تعلّمتها منه الصبر، حيث كان يمدني بالطاقة الإيجابية؛ فأرى كل شيء جميلاً حولي مع كل مصاعب الحياة. هو مرجعية بكل شيء، وأعيش معه بسعادة غامرة، والسبب الرئيس لتعلقي بالقراءة وجوده في حياتي».

شغلت هلال نفسها بإتقان الأعمال اليدوية المختلفة، وباتت إحدى المدربات المتميزات بالأشغال اليدوية، وروجت لها من خلال اشتراكها بالمعارض وتشجيع النساء على العمل، وبعد إصدار روايتها، باتت على قناعة تامة أن ما تقوم به، هو رحلة كفاح قوامها العمل والإرادة من أجل النساء الراغبات بالتغيير فكراً ونمطاً، وهي رسالتها السامية.

تقول عنها الفنانة ميسون أبو كرم: «هي إنسانة طموحة جداً، وتسعى دائماً لتحويل طموحها إلى واقع ملموس، حتى لو كانت النتائج بسيطة، لكنها لافتة للنظر، مثل مشاركتها معنا بمعرض إعادة التدوير في المركز الثقافي بمدينة شهبا قبل سنتين، حيث كانت القطع التي قدمتها لافتة للنظر. وهوايتها بشغل الصوف وشغل الشالات على النول مميزة، وقطعها جميلة جداً، وفيها الكثير من الذوق، والذي لفت نظري مؤخراً اهتمامها بالكتابة، ووجود زوجها الأديب حسين ورور في حياتها له دور بهذا الاهتمام والإبداع، لكن لولا اهتمامها واستعدادها الفطري ومقومات الإبداع لديها؛ لما نجحت محاولاتها. لقد لفتت نظري بكتاباتها المعبرة، وهو ما يدل على إنسانة عاشت حياتها البسيطة، إلا أنها استطاعت استغلال كل تجاربها بالحياة بالمنحى الإيجابي، وربما تجربتها مع المرض عمقت تفكيرها وحولت أفكارها إلى كتاب».

انتشر سرطان الثدي في سوريا بشكل غير مسبوق خلال سنوات الحرب، والمفاجأة التي أوردها أحد أطباء مشفى البيروني كانت صادمة، فقد سجلت إصابات بسرطان الثدي بسن أصغر بشكل غير مسبوق، حيث أكد الدكتور حازم الحبيب والمعالج الكيماوي للأورام، زيادة حالات الإصابة بسرطان الثدي من جهة، وبأعمار صغيرة بشكل لم يكن يحصل سابقاً من جهة ثانية، فهناك مريضات تتراوح أعمارهن بين 21- 26 و30- 35 عاماً، الطبيب الذي قال لصحيفة تشرين الرسمية أن الأمر قد يعود لأسباب الحرب وظروفها، أو لزيادة الوعي لدى أغلبية الناس ومتابعة أحوالهم الصحية.

وتؤمن الطبيبة صباح الونوس التي أصيبت بنفس المرض، وشفيت منه بعد مقاومة شرسة، أن الحالة النفسية التي نتقبل بها المرض والتفكير الإيجابي يحققان نصف العلاج مع الإيمان بالقدرة على المقاومة وتجاوز المحنة بخير، وهو ما حصل مع السيدة فوزا هلال التي تتحضر لإطلاق وليدها الثاني ككتاب يحمل بارقة أمل للسوريين الذين يتمسكون بضوء خافت يخافون أفوله.

وقد نشرت وكالة سانا تقريراً في بداية الشهر الثاني من هذا العام عن السرطان في سوريا، حيث كشف رئيس دائرة مكافحة السرطان في الوزارة الدكتور فراس الجرف، أن السرطانات الأكثر شيوعاً لدى النساء في سوريا هو سرطان الثدي بنسبة 30% من إجمالي السيدات المصابات بالمرض، يليه القولون والدم والمستقيم، كما أن 70% من الحالات المصابة تُراجع المؤسسات الصحية بمراحل سريرة متأخرة.

أما في مناطق المعارضة فلا يوجد إحصاءات دقيقة، لكنّ وزير الصحة بالحكومة المؤقتة، التابعة للائتلاف السوري المعارض الدكتور فراس الجندي، ذكر في تصريح سابق من العام 2018 أن الأرقام التقديرية تشير إلى أن هنالك حوالي ألف مصاب بالسرطان في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، أكثرها تعاني سرطان الثدي، وقدرها بحوالي 400 إصابة بسرطان الثدي.

وتأتي سوريا في المركز الخامس بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان، وفق تقرير عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان في سبتمبر (أيلول) 2018، إلى أن 196 شخصاً مصاب بالسرطان من كل 100 ألف سوري، وأن 105 حالة وفاة من كل 100 ألف.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *