أخبار

يارا حاصباني … استطعت تحقيق النجاح رغم اللجوء والحرب

مها ياسين

حكايات السوريين في بلاد الاغتراب لاتنتهي، كل مهاجر أو مهاجرة أرغمته الظروف القاهرة الى ترك بلاده بحثاً عن حياة كريمة، تحمل في خفايا نفسه رواية القهر والألم، والعذاب والبؤس، دون أن يفقد ايمانه بغدٍ أفضل، وبمستقبل لا خوف فيه ولاحزن.

يارا الحاصباني فتاة مولودة في دمشق، لأسرة تنحدر من جبل العرب ‘السويداء’، تبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً، أجبرتها الأوضاع السائدة في وطنها الأم ‘سورية’ على الهجرة، كما أجبرت كثيرين غيرها.

التقينا يارا هنا، في فرنسا، سألناها بداية عن الأسباب التي دفعتها مع أسرتها للهجرة خارج البلاد ‘سوريا’ وكيف كان قدومها الى فرنسا، حيث أفادتنا بالقول: غادرت بلادي عام 2014، بعدما قامت السلطات العسكرية السورية باعتقال والدي الذي استشهد بعد زمن وجيز تحت  التعذيب، وكنت مهددة بدوري من قبل السلطات الأمنية، مما دفعني وأهلي للخروج الى تركيا التي أقمنا فيها لمدة عام، انتقلنا بعدها الى فرنسا التي وصلناها عام 2015 في شهر شباط، بواسطة السفارة الفرنسية، الى مدينة  صغيرة  جداً في الجنوب الغربي الفرنسي تدعى ‘روشفور/ Rochefort’.

وبطبيعة الحال كنت حتى هذا التاريخ وكأني لست واعية تماماً لكل مايحدث ولكل مايدور حولي لكن كان عليّ متابعة الرحلة وتحدّي كل الظروف القاهرة لأبدأ حياة جديدة في عالم جديد.

وعن السؤال مرة أخرى: كيف كانت البدايات في فرنسا سواء على صعيد الحياة أم العمل ؟ أجابت يارا: كنت أفكر على الدوام أن أنقل معاناتي للآخرين وأصوّرها بطريقة حضارية بعيدة عن اثارة العطف واستجداء الشفقة .. وكنت أرى في الرقص وسيلة تعبيرية راقية ، تماماً كما فعل ‘زوربا’ اليوناني ذات يوم .. لذلك كان عليّ أن أبحث عن مكان يحقق لي هذه الرغبة ، انتقلت الى مدينة لاروشيل، وهي مدينة صغيرة تقع في ساحل فرنسا الذي يطل على المحيط الأطلسي، وبدأت باكمال دراستي وشغفي في الرقص الذي كنت قد بدأته في سوريا منذ أعوام طويلة، فالرقص بالنسبة لي ليس مجرّد هواية عابرة أو إحساس مؤقت، بل هو حكايتي، ماضيّ ، حاضري ومستقبلي، وسيلتي الوحيدة لأشرح لمن حولي من أنا، قصتي التي أكتب فيها وجعي، فرحي، وآمالي.

بداية درس واحد في الأسبوع، ثم درس في كل يوم، وكنت مثابرة على التعلّم بكل جد واجتهاد مع سؤال دائم للنفس: كيف سيستقبلني الناس هنا ؟ كيف سيتعاملون معي ؟ وماهي مشاعرهم نحوي ؟ الى أن انتقلت الى باريس بعد أربعة أشهر وبدأت أقدّم بعض العروض في الشارع، حيث صممت مع أحد الأصدقاء أول لوحة راقصة ، ومن بعدها قدّمنا أكثر من لوحة.

الى أن طُلب مني أن أقدم عرضي الأول في معهد العالم العربي فقدمت صولو بالعربي اسمه ‘غير قابل للتوقف’ لم يكن في الحقيقة غير تعبير عن حالتي العامة، وعما يدور في داخلي من مشاعر وأحاسيس، ومايجول في خاطري من تطوّرات وأفكار.

صحيح أنني كنت أجهل كيفية التعامل مع الآخرين في المجتمع الجديد، لكنني كنت أثابر على العمل واستطعت اقناعهم برسالتي، حيث انهالت عليّ بعدها العروض وانفتحت الكثير من الأبواب،  في الوقت نفسه كان علي اتقان اللغة الفرنسية بكل تأكيد، فدخلت مدرسة اسمها ‘Pierre Claver’، وهي جمعية فرنسية تُعنى باللاجئين ، حيث توفر لهم مكان لطيف للالتقاء والتعلّم، إضافة الى مساعدتهم للبدء بخطوتهم الأولى في فرنسا، ان كانت هذه الخطوة هي المساعدة في الحصول على فرصة عمل، أو اكمال الدراسة الجامعية، أو أي تدريب يرغب به اللاجئ.

وتكمل يارا : أعتبر التحاقي بهذه الجمعية الفرنسية من أهم الخطوات التي فعلتها هنا، فلقد آمنوا بي وبقدراتي، قدموا لي كلّ الدعم والحب، إضافة الى أنني شكلت عن طريقهم شبكة واسعة من العلاقات التي فتحت لي أيضاً آفاق وفرص جديدة.

وأنا أعمل حالياً على مشروع جديد سيتم تقديمه في الأردن في السنة القادمة وبدعم من اليونيسيف، وأستطيع القول، باطمئنان كثير، أنني أشعر الآن بفرحة عارمة لتحقيق حلمي الذي طالما راودني والذي أتمنى له على الدوام أن يكبر ويزدهر.

هل تشعر يارا بعد هذا النجاح، وبعدما استطاعت أن تحقق حلمها بالغربة ؟

لا أنكر أنني كثيرا ما أشعر بالاغتراب، وبالحنين الى وطني الأم ‘سورية’، صحيح أنني نحجت هنا، واستطعت التغلب على كثير من المصاعب، لا بل أنني تأقلمت تماما مع كل ماهو جديد حولي، وفزت بثقة الناس الذين أخذت منهم وأعطيتهم .. لكن مايدور في وطني يظل يقلقني .. وعزائي أن الاوضاع القاسية لابد أن تتغير وأن الظلم زائل لامحالة.

ماهي الرسالة التي تحلم يارا بتحقيقها ؟

أحلم أن أعالج الأطفال الذين عاشوا ويلات الحرب بوساطة الرقص .. وأنا مؤمنة أنني أستطيع أن أحقق ذلك .. قد لا أستطيع أن أحقق مثل هذا الحلم وحيدة .. لذلك سأعمل على انجازه بمساعدة الاخرين ولا أشك أنهم سيمدون لي يد العون والمساعدة.

وكيف تتصورين نفسك بعد عدد من السنين ؟

لا أستطيع أن أرى نفسي مستقبلاً .. لأن مثل هذا الأمر سيكون رجماً بالغيب .. لكن الحياة مليئة بالمفاجات .. منها المفاجات السارة، ومنها الضارة بالطبع .. وعلينا في كل الأحوال أن نعمل بجد وباخلاص، وأن نكون صادقين مع الاخرين ومع أنفسنا ..

وكما يقولون: من سار على الدرب وصل.

ماهي النصائح التي ترغب يارا أن تقدمها لأبناء بلدها من اللاجئين هنا ؟

لا أستطيع أن أقدم النصائح لأحد .. كل انسان – كما أعتقد – يرسم طريقه ويكتب قدره بيده .. وهو مالم يفعل ذلك لن يصل الى مبتغاه أبداً.

هل ترغبين في العودة الى سوريا ؟

نعم أود الرجوع الى بلدي وأتمنى أن تكون عودتي في أقرب وقت ممكن، فبالرغم من النجاح الذي حققته هنا في فرنسا، الا أنني لا أشعر بالسعادة التامة .. سعادتي دائما غير مكتملة لأن روحي مازالت تحن الى موطنها الأم .. غادرت وطني في سن مبكرة وكان خروجي – كما قلت – اجبارياً .. وأنا هنا منفية بالرغم مني، ودون رغبتي .. وكان عليّ أن أعمل وأجتهد لاثبات وجودي دونما اعتماد على الحظ أو الصدفة .. صحيح أنني تأقلمت مع الواقع والمجتمع من حولي لكنني لا ألتقي بذاتي ولن تشعر روحي بالراحة الا في بلدي سورية التي أتمنى أن أتم في ربوعها رسالتي في الحياة ..

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *